مقالات

#ما _خفي _أعظم: كيف يدير حمد عيسى الإرهاب في البحرين

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: باقر المشهدي

كاتب متخصص في شؤون الخليج

طوال أسبوعين انشغل الرأي العام الخليجي بمتابعة وتحليل الفيلم الوثائقي الذي عرضته قناة الجزيرة حول المحاولة الإنقلابية في قطر سنة ١٩٩٦م.

ما من شك أن هناك أجندة قطرية خاصة في استغلال الأزمة القطرية لعرض هذا الفيلم، الذي يبدو أنه كلّف قناة الجزيرة الكثير من الأموال، وأن هناك رسائل للداخل القطري وللإقليم وللرأي العام العربي سعى الفيلم أن يوصلها بطريقة فنية درامية عالية الدقة والإحترافية في مخاطبة الرأي العام العربي. ولا يشك أحد أيضا أن أهم رسالة سعت قطر لعرضها في الفيلم بجزئيه؛ هي أن دول الحصار الأربع كانت ومنذ ١٩٩٦ تحاول ابتلاع قطر واحتلالها، وأن كل ما كان يصدر من هذه الدول بقي خفيا ومستمرا، وهذا يعني سحب كل الذرائع التي تقدمت بها دول الحصار وبالأخص البحرين التي طبّلت كثيرا وأكثر من غيرها واعتبرت نفسها متضررة من سياسة قطر الإعلامية، وبالغت في الأمر حتى لحظة السكر الشديد عندما قدمت حكومة البحرين الشيخ علي سلمان للمحاكمة بتهمة “الخيانة” والتخابر مع قطر واستلام أموال منها على خليفة ما يعرف بالمبادرة الخليجية لحل الأزمة في البحرين سنة ٢٠١١م.

الملفت في كل قصة الفيلم ومعلوماته أن المنفذ الفعلي للإنقلاب حمد بن جاسم بن حمد وخليفة ال ثاني كانا غائبين لدرجة كبيرة، ربما بسبب موتهما وعدم القدرة على استنطاقهما ليكونا شهودا على تلك المرحلة. من هذه الناحية، تبرز قيمة شهادات المنفذين الآخرين، وخصوصا فهد المالكي، الذي قدم شهادة متماسكة يصعب الطعن عليها بالتلفيق أو إجادة التمثيل والتلقين.

المالكي في شهادته قدم معلومات يُعلَن عنها لأول مرة بخصوص تورط حمد عيسى الخليفة في العملية الإنقلابية الأولى باعتباره تابعا للقيادات السياسية العليا في دول الخليج، أعني الإمارات والسعودية ومصر، وبالتالي فإن دوره كان دورا لوجستيا بالتعبير العسكري، وهذا الدور قدمه الجزء الأول من الفيلم تحديدا. وعمليا، لم تحمل معلومات الجزء الأول الكثير لمن كان يتابع الموضوع، أو كان مطلعا على تفاصيل العملية الإنقلابية، فهناك معرفة سابقة بوجود تآمر من قبل زعماء الخليج وقتها على الإطاحة بالابن الذي عزل والده، ربما شرع البعض في ربط ذلك بالأنظمة القبلية السائدة في الخليج، وسعى لتبرير ذلك التدخل تحت غطاء الفزعة القبيلة، ولكن هذا التبرير لا يقوى أمام كثرة الحالات المشابهة لذاك العزل أو الإنقلاب في البيت القطري،فالجميع يعرف كيف وصل قابوس، وكيف وصل زايد، وكيف كان الوضع في السعودية والكويت وغيرها من الإنقلابات الدموية والإستيلاء على السلطة في دول الخليج. بعبارة أوضح، أن تورط حمد عيسى الخليفة في تدبير إنقلاب ضد حاكم قطر وقتها بمشاركة ومعاونة زعماء آخرين؛ هو تدخل سافر في شؤون دولة ذات سيادة، وهي جريمة يعاقب عليها القانون الدولي.

والأمر الثاني الذي أود التأكيد عليه أن الفترة الزمنية التي تحدث عنها الجزء الأول من فيلم “ما خفي أعظم”؛ كان حمد عيسى الخليفة تابعا ومنفذا لقرارات الإمارات والسعودية، حيث لم يكن لحمد عيسى ظهور وقوة أمام قوة وهيمنة ونفوذ زايد أو سلطان أو حتى محمد بن زايد.

سأتوقف قليلا أمام الجزء الثاني من الفيلم لأنه يعطينا معلومات أكثر خطورة من معلومات الجزء الأول، وإذا ما أحسنّا التصرف في هذه المعلومات، فبالإمكان التوصل لنتائج في غاية الخطورة.

تشير الإفادة التي قدمها فهد المالكي إلى أن حمد عيسى الخليفة قام بدور استقلالي بعد انكشاف عملية الانقلاب الأولى في ١٤ فبراير ١٩٩٦م، وأنه قام بمحاولة تجنيد البقية المتبقية من خلية الإنقلاب فيما يعرف بالمعارضة التخريبية، وهي التي كشف عنها المالكي بالكثير من المعلومات. وفي نظر الكثرين؛ فإن حجم المعلومات وخطورتها قد يمنع تصديقها في بعض الأحيان، إذ كيف يمكن لولي عهد وقائد أعلى لقوات عسكرية نظامية أن يفكر بهذه العقلية التخريبية؟

واقعا، لست معنيا بالاجابة عن هذا التساؤل هنا، فالذي أحاول الدفع به هو التعرف على الفكر الإستراتيجي الذي يقود حمد عيسى الخليفة في التعامل مع معارضيه. لا ننسى أن بعد هذا التاريخ دخلت البحرين وقطر في معركة دولية حول جزر حوار وفشت الديبل عبر الإعلان عن فشل الوساطات السعودية وقتها، وبالتالي فإن حمد عيسى الخليفة كان يواجه خصما قويا في المحاكم الدولية من جهة ويواجه خصوما عديدين في الداخل البحراني، منهم عمه رئيس الوزراء خليفة سلمان الخليفة من جهة، والانتفاضة الدستورية الصاعدة وقتها من جهة أخرى. يتذكر الجميع أن حمد عيسى الخليفة أعلن وقتها في يونيو ١٩٩٦ عن استعداد قوة الجيش الخاضعة لإمرته بالنزول للشوارع، وإخماد التظاهرات السلمية والقضاء التام على كل أشكال المعارضة السياسية. وقتها كانت الأنباء تشير إلى وجود خلافات قوية داخل البيت الخليفي في كيفية مواجهة تصاعد الانتفاضة الدستورية.

هذا السياق يؤكد الدور الذي أشار إليه المالكي لحمد عيسى في تدبير الإنفجارات والتخريب في قطر. ولكن هذا القدر من المعلومات ليس هو ما أشير إليه، فما أشير إليه هو طريقة التفكير التي اتبعها حمد عيسى في منازلة خصومه السياسيين في قطر، وهي طريقة التخريب وتشكيل الخلايا السرية التخريبية. يقودنا ذلك إلى ما تشهده البحرين من تفجيرات وهمية ومن أحداث يراد لها أن تكون إرهابية، ودور الجهاز الاستخباراتي والخلايا السرية التي يشكلها حمد عيسى الخليفة في ذلك.

باعتقادي، أن كثيرا من تلك التفجيرات الوهمية التي تعلن عنها وزارة الداخلية هي من تدبير جهاز حمد عيسى الاستخباراتي، وتتفق تطبيقات تنفيذها مع الطريقة التي قدمها حمد عيسى الخليفة لفهد المالكي. فإستراتيجية التفكير التي ابتعها حمد عيسى الخليفة لمواجهة خصمه القطري تركزت على إنشاء معارضة ولو كانت صورية أولا، وكسب الرأي العام عبر تفجيرات محدودة الأثر لكنها ذات قيمة سياسة ثانيا. وفي كل الأحوال؛ فإن حمد عيسى الخليفة يحاول الظهور بمظهر البعيد والبريء من أيٍّ من هذه الأحداث كما تظهر شهادة المالكي بعدا آخر جدير بالانتباه وهو بعد المحاولات المتكررة وعدم اليأس (فبراير ١٩٩٦، يونيو ١٩٩٦، و١٩٩٨) إذا ما أردنا اكتشاف هذه الإستراتيجية في منازلة خصومه في البحرين منذ ١٩٩٦ سنرى أنها واحدة تقريبا، وإنْ اختلفت في بعض المشاهد.

الخلاصة هنا أن شهادة فهد المالكي أزاحت الستار عما يجرى في البحرين من تخريب رسمي يقوده الجهاز الاستخباراتي لحمد عيسى الخليفة أكثر مما كشفت عن دوره في تفجيرات قطر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى