مقالات

صراعات الأسرة الخليفية.. وعفونة الخصومة

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: باقر المشهدي

كاتب متخصص في شؤون الخليج

السؤال الذي يبحث الجميع عن إجابة له، ولو كانت إجابة أولية، هو: ما الذي يدور داخل البيت الخليفي من صراع بين حمد وخليفة؟ وإلى أين يمكن أن تصل حدة هذا الخلاف المفترض؟ وقبل ذلك كله، ما الذي يمكن أن تعكسه مثل تلك الخلافات؟

المثل الشعبي القديم يقول: “ما من كلب طاهر”، وفي مثل آخر يُقال: “الكلب أشد نجاسة إذا اغتسل”. يكاد يكون هذا هو التعليق الأكثر دقة لما يحدث من صراع بين خليفة سلمان رئيس الوزراء وابن أخيه الحاكم الخليفي حمد عيسى، فما يترشح من فضائح لا يعني طهارة أو براءة أحدهما.

 

العصابة المختلسة.. أو كيف تُدار المعارك

 

الخلاف داخل أسرة الخليفة ليس جديدا، ولن يكون هو الأخير أيضا، فما يجمع بين أركان الأسرة ويقوي نفوذها ليس له علاقة بالتماسك الأسري المتعارف عليه عربيا وإسلاميا. بل هناك قناعة راسخة أن الذي يقوي تلك الأسرة هو نفسه الذي يفككها ويجعل تماسكها أشبه ببيت العنكبوت الهش والضعيف أمام أي حركة وأمام أي ضربة ولو كانت ضعيفة. بلغة علم الاجتماع؛ إن الذي يجمع آل خليفة هو الغنائم التي يحصلون عليها ويتقاسمونها كما تتقاسم العصابات سرقاتها، ولهذا فإن الاختلاف في توزيع الغنائم يشجع أفراد العصابة على الخروج وإعلان الرفض للقسمة أو الحصة التي يحصل عليها. في المقابل؛ فإن العصابة مهما كانت حذرة وقوية وشرسة؛ فهي عرضة لأن تتصارع فيما بينها كلما أذيعت أخبارها وأخبار سرقاتها التي يسربها بعض الأفراد الغاضبون من القسمة. وهذا ما يفعله حساب “نائب تائب” حاليا، وهو حساب يبدو أنه يدار من حلقة الديوان الملكي ضد رئيس الوزراء وعصابته.

يتذكر الجميع ما الذي حدث في العام ٢٠٠٨ عندما اشتكى سلمان حمد، ولي العهد، إلى أبيه حمد عيسى من معاندة خليفة سلمان الخليفة لتطبيق برنامج “الإصلاح الاقتصادي” المزعوم، وكيف نُشر ذلك الخلاف رسميا، وكيف تصرف حمد عيسى لصالح ابنه ضد عمه رئيس الوزراء. وقتها أعلن حمد عيسى انحيازه التام لصالح ابنه، وعمد إلى تهميش خليفة سلمان الخليفة في مجلس الوزراء الأمر الذي سهل لولي العهد أن يتمكن من تكوين ثروة مالية هائلة له في غضون أشهر عبر تأسيس شركة “ممتلكات”، وتحويل الكثير من مداخيل الخزانة العامة للدولة لصالح حسابه الخاص. وبالمثل، وفي الفترة نفسها لاحظ الجميع البروز الناشز لـ”المعجزة” ناصر حمد وكيف حاول أن يكون ذا حظوة أيضا وذا نصيب في الثورة الاقتصادية للبلاد، وكيف خُصّصت له بنود خاصة في موازنة الدولة عبر مؤسسات ومشاريع سخيفة، مثل السباقات والمهرجانات والمؤسسات الخيرية، والتي كان غرضها فتح ميزاب خاص من الموازنة العامة لحسابه الخاص.

هذه الشبكة الرئيسية لتقسيم الثروة والنفوذ أصبحت عبئا على الأسرة الخليفية في ظل شحة الموارد ونضوب الحصص عما كانت عليه سابقا وقت الطفرة النفطية.

 

“نائب تائب”.. ونجاسة الكلاب

 

قبل عدة أشهر ظهر حساب “نائب تائب” على منصة حساب توتير وتخصص هذا الحساب في إدارة المعركة الخفية بين رئيس الوزراء والديوان الملكي وإظهارها إلى المشهد العلني. الحساب كان سببا في احتجاز مجموعة من المقربين من رئيس الوزراء، كما كان سببا في فضح تعاملاتهم المالية وسلوكياتهم الأخلاقية، بالإضافة طبعا إلى كشف سرقاتهم وعلاقاتهم المشبوهة. هذه الفضائح الموجهة تحديدا لرئيس الوزراء جعلت من الأخير يستشيط غضبا وحيرة، ويسخر الصحافة الموالية له في الدفاع عن مكانته وعن موقعه السياسي، وعن مكانته داخل الأسرة المتخمة بالصراعات الداخلية، وذلك في الوقت الذي لا يزال الديوان الملكي يقف على تلة تلك المشاحنات متفرجا ومنتظرا للحظة الانقضاض على الخصم التاريخي له، أي رئيس الوزراء.

من وجهة نظر خليفة سلمان؛ فإن حساب “نائب تائب” يدار حتما من إحدى غرف مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية التابع لجهاز الأمن الوطني. كل هذه المعلومات ذات الصبغة السرية لا يمكن إذاعتها والوصول لها إلا عبر جهة مشرفة أساسا على سير تلك العمليات وقريبة جدا من هذا المحيط الفساد. وهذا ما يمكن التأكد منه من خلال المعلومات الدقيقة والتفاصيل الخاصة بما يعرف بالطبالة على حساب توتير، مثل حساب الاخوانجي “محمد خالد الكلداري”، وتفاصيل خلافاته الأسرية حول سعيه لتحويل الأصل العائلي ورغبته الشديدة في لصق لقب الدوسري إلى عائلته، وكذلك تفاصيل أبنائه وخلافاته مع بعضهم وصلته القوية مع البعض الآخر. التفاصيل الدقيقة لاحقت أيضا حساب “عبير الجلال” وما تستلمه من أموال هائلة شهريا لإدارة حسابات توتير الوهيمة، وما حصلت عليه من مكافآت من قبيل سفرة تركيا وغيرها. يضاف إلى ذلك تفاصيل السرقات المالية وصفقات الفساد التي قام بها مقربون من رئيس الوزراء، مثل المحامي عبدالله هاشم ومحمد سلمان صقر الخليفة. وفي كل الأحوال؛ كان سلوك خليفة سلمان الخليفة معبرا جدا عن هشاشة البيت الخليفي وسهولة انهياره ولو بغطاء من جهة، ومن جهة ثانية وهي الأهم أن ما يترشح من خلفيات ذاك الصراع يشابه كثيرا ما يترشح من قطرات الماء  اغتسال الكلب عند نفضه لجسمه.

 

عفونة الخصومة

 

أيا تكن مسارات الخصومة بين الحاكم وعمه، أو بين جوقاتهم العفنة؛ فإن المقدار التي تظهر به حاليا يكشف عن مقدار العفن الشائع داخل البيت الخليفي، وأن العلاقات بينهم هي علاقات شبيه بعلاقة عصابة الـ ٤٤ حرامي الشعبية. إلا أن الأهم في كل ذلك أن مسار الانتقام والفحش في الخصومة التي تعرض لها أبناء الشعب البحراني في العام ٢٠١١ أصبحت الآن تمس أولئك العفنين الذي سخروا أقلامهم ومنصاتهم الإلكترونية لاتهام وتلفيق التهم والإشاعات ضد الشعب المنتفض، وبات من الواضح لدى الجميع أن خلافات البيت الخليفي ستقدمهم كأكباش فداء حماية لسمعة العصابة والحفاظ على قوتها الشكلية.

والمتوقع أن تشتد وتيرة هذه الصراع قبيل انتخابات ٢٠١٨ في إطار تصفية العصابة لبعضها البعض والتخلص من بعض أطرافها وإبعادهم عن الواجهة السياسية التي يسعى الديوان الملكي لأن يحتكرها تماما لنفسه دون تفريق بين المعارضين السياسيين أو المنافسين داخل العصابة نفسها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى