مقابلات

هاني الريّس يتحدث لـ “البحرين اليوم” عن المشروع الوطني وضرورته وغرور السلطة وأسبابها والمفاضلة بين الانتفاضة الدستورية وثورة 2011

البحرين اليوم – (خاص)

 

من خلال تجربته الطويلة في العمل السياسي، يقدم الناشط السياسي هاني الريّس قراءته المقارنة بين حقبة التسعينات وثورة 2011، ويؤكد أن وجود مرجعية سياسية تحمل مشروعاً وطنياً هي الحامي لجبهة المعارضة، ويقول أن عدم وجود تلك المرجعية، جعل المعارضة والناس عرضة لغرور السلطة وتجبرها، في هذا المقابلة ، يحكي هاني الريس لـ “البحرين اليوم” إيجابيات فترة التسعينات، وإيجابيات الوقت الراهن، مشيداً بوعي الشباب وتطلعاتهم، وهذا نص المقابلة:

 

 

  • يتساءل جيل الشباب في البحرين، الذي لم يعاصر الاحداث السياسية الساخنة على الساحة خلال حقبة التسعينيات من القرن الماضي، عما إذا كانت هناك فروقات جوهرية بين الانتفاضة الدستورية وثورة شباط/ فبراير 2011 ، هل باعتقادكم كانت هناك فروقات جوهرية بين هذين الحدثين المهمين، وكيف تصف لنا ذلك؟

 

إذا ما أردنا الحديث عن تاريخ الانتفاضات الشعبية والثورات المطلبية، التي تفجرت في البحرين، منذ اغتصاب عائلة آل خليفة للأرض والكيان السياسي، نرى بأن البلاد، قد شهدت عدة انتفاضات وثورات وطنية مطالبة بالحريات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية للجميع، والاستقلال والسيادة الوطنية، ورفض التبعية للأجنبي. وقد سقط خلال المسيرة النضالية المطلبية الطويلة، العديد من الشهداء الأبرار، وتم اعتقال أفواجا من المناضلين الشرفاء، وجرى تعذيبهم بوحشية، داخل السجون والمعتقلات، كما تمت هناك عمليات تهجير ونفي وإبعاد تعسفي لمئات العوائل البحرينية، إلى مختلف العواصم العربية والعالمية، وذلك بصورة مخالفة لكل القوانين الوطنية والأعراف والمعاهدات الدولية. ونرى بأنه كانت هناك فروقات ربما كان بعضها جوهريا في أشكال النضال الوطني، بين مرحلة وأخرى من مراحل هذا النضال، فعلى سبيل المثال، كانت سنوات حقبة الانتفاضة الدستورية، التي تصدر قيادتها سماحة الشيخ الشهيد عبدالأمير الجمري، وأعضاء لجنة العريضة الشعبية، في تسعينيات القرن الماضي، سنوات حاصرت كل الواقع السياسي، وأعطت آمالا للناس ببزوغ عصر جديد، ينسيهم وطأة الماضي القمعي، الذي كان يسود الساحة البحرينية، على امتداد عدة عقود من الزمن، حيث كان هناك مشروع وطني وتفاهمات وتوافقات بين غالبية فصائل الحركة الوطنية والإسلامية، لتغيير الواقع المأزوم في البلاد، بواسطة الأساليب السلمية والقانونية المشروعة، وليس بواسطة العنف، ونيل الحقوق بالقوة. وربما لهذة الأسباب حظت هذه الانتفاضة بإجماع وطني، لامثيل له منذ ما بعد مرحلة هيئة الاتحاد الوطني في سنوات حقبة الخمسينيات من القرن الماضي، التي استطاعت أن تجمع من حولها جميع أطياف المجتمع البحريني، وتقود النضال في مواجهة الحكم القبلي لعائلة آل خليفة، وسلطة الحماية البريطانية في البحرين، بواسطة الشعارات السلمية والقانونية. ولكن ما حدث في ثورة شباط/ فبراير 20011 ورغم مشروعية هذه الثورة وصدق أهدافها ومقاصدها نحو التغيير الحقيقي والجوهري، وإزاحة الظلم عن كاهل المجتمع البحريني برمته، فإنه يمكن للمرء وصفها ب “الثورة العفوية” أو ب “الفوضى الخلاقة” حيث لم يتصدر قيادتها أي طرف من أطراف المعارضة البحرينية، ولم يظهر لها أي مشروع وطني مشترك، ولا أية تفاهمات أو توافقات مبدئية، سوى تلك الخطابات السياسية الرنانة، التي طالبت بإسقاط السلطة والحكم، في مرحلة صعبة ودقيقة للغاية، كانت تمر بها البحرين والمنطقة، وألقيت من خلال المنصات والمنابر الإعلامية، التي أقيمت في ساحة دوار اللؤلؤة، في بداية الثورة، ووصل صداها إلى أنحاء كثيرة من العالم. وتعرضت إلى مواجهة دموية من جانب السلطة البحرينية، التي رأت على أنها قد تسيء للسلم الأهلي، وأنها محاولة انقلاب على السلطة “الشرعية” في البلاد، بدعم خارجي، ويتوجب القضاء عليها في مهدها، حتى لا يتعرض أمن البلاد للخطر، بسبب احتمالات الفوضى الداخلية، أو التدخل الخارجي لدعمها ومساندتها. ولعل ذلك قد شجع السلطة البحرينية على طلب نشر قوات ما يسمى ب “درع الجزيرة” لحمايتها والدفاع عنها، وجعل ساحة دوار اللؤلؤة بمثابة “مقبرة للثوار المناهضين” حيث استشهد وأصيب برصاصات الغدر والمباغتة الصباحية المبكرة للدوار، عدد كبير من الثائرين الأحرار، وربما كان لهذا تأثير كبير في كثير مما حدث في هذه الثورة المباركة، التي قدم فيها المواطنون البحرينيون الكثير من التضحيات الجسام، بشكل قد فاق ما قدموه في سنوات الانتفاضة الدستورية، والانتفاضات الأخرى التي سبقتها، وميزت تحركاتها الميدانية، التي ظلت مستمرة إلى هذا اليوم.                                                        .                                                   

  •  هل تجد بأن هناك ثمة وعي سياسي مختلف عند جيل الشباب بين ما كان يحدث في مرحلة التسعينيات وبين ما  حدث 2011 ؟

 

 ربما تعرف جيدا بأن العالم اليوم قد تغير برمته، من خلال التحولات والتغيرات الجديدة، التي حاولت نسف كل ما هو عقيم وقديم في التاريخ، وأن الجميع قد دخل بالفعل عصر الديمقراطية الواقعية والحريات العامة وحقوق الانسان والتكنولوجيا الحديثة والابداع التقني والعولمة، وبواسطة كل هذه الأمور المغيرة، استطاع الانسان أن يعبر بفعله عن إرادته بأن لا يكون على ما هو عليه، ويرغب في أن يكون مختلفا عن الماضي. والجيل الشاب في البحرين، لا يختلف في نظرته لهذه الأمور الكبيرة، عن نظرة أقرانه من شباب العالم، فالكل يجمعهم هدف التحرر من موروث الماضي التقليدي، الذي عفا عليه الزمن، والتطلع إلى كل ما هو جديد ونافع. وعلى الرغم من أن جيل الشباب في البحرين خلال مرحلة التسعينيات من القرن الماضي، لم يكن مدركا تماما لكل الأمور الكبيرة التي حدثت في تلك المرحلة الشديدة الحساسية، ولكنه كان يعرف بالضبط ما يدور من حوله من أحداث ساخنة على المستوى الوطني، وحتى الإقليمي والعالم، بسبب تطورات ثورة المعلومات التي اكتسحت اليوم العالم برمته، ولذلك فان جيل اليوم في البحرين، يختلف عن جيل الأمس، الذي عانى من شحة المعلومات الدقيقة والواضحة، عن مجريات الأمور في البلاد، التي حجبتها مختلف وسائل الإعلام العربية والعالمية على حد سواء، المأجورة وذات النزعة التحريضية، التي حاولت تشويه صورة التحركات المطلبية في البحرين، وصبغتها بطابع الطائفية والتخريبية، وهي لم تكن كذلك، بقدر ما كانت تحمل طابع الاعتدال والسلم والمطالب العادلة والمحقة، التي كفلها دستور البحرين ومختلف المعاهدات الدولية ذات الصلة بالديمقراطي والحريات وحقوق الانسان.

 

  • ظهر على السطح خلال الفترة الأخيرة خلاف محتدم بين أجنحة الحكم في البحرين، من أجل احتواء السلطة والتفرد بالحكم، فهل برأيكم أن هذا الصراع يختلف جوهريا عن صراعاتهم السابقة، وهل تعتقد بأنه سوف يخدم تحركات المعارضة ؟

 

منذ أن غزت عائلة آل خليفة البحرين، قبل حوالي 270 سنة، وسفكت خلال غزوتها الجاهلية، دماء الأبرياء من شعب البحرين، الذين قاوموا بشراسة عملية الغزو، وعبثت بممتلكات الناس ودمرتها، وفرضت قبضة طاغية على كل مفاصل القرار في البلاد، تحت ضرورة الأمر الواقع، كنا نسمع عن كثرة الصراعات داخل البيت الحاكم، ولكن لم يسمع أحد حتى الآن، من أن هذه الصراعات، فعلت فعلها في تصدع هذا البيت، أو جزءا من بنيانه على الأقل، فكل ما كان يحدث بين أجنحة الصراع، ليس أكثر من مجرد “زوابع في فنجان” لأن الجميع يلتقون على مبدأ واحد وعقيدة واحدة، والتزام واحد بالثوابت الأربعة الاصيلة، التي كرسها وجسدتها على أرض الواقع، جدهم الأكبر، و”بطل الغزو” أحمد بن محمد آل خليفة، الملقب ب “الفاتح” وهي تماسك جبهة العائلة، وتصديها بأقوى شدة للإرادة الشعبية، المتحفزة دائما لسحب البساط من تحت أقدامها والسعي لتغيير الحكم. والمحافظة بقوة على موروث الغزو، وتوريث الحكم لأفراد العائلة طبقة بعد طبقة، وفرض الهيمنة الواسعة والمطلقة على صناعة القرار في البلاد، مهما قيل عن وجود مجالس منتخبة أو معينة أو منظمات مجتمع مدني، ولذلك لا يتوهم أو ينخدع أحد حول ما يقال عن وجود مثل هذه الصراعات، التي أصبحت مكشوفة ومفضوحة، ولو كانت هناك بالفعل صراعات حقيقية ومحتدمة بين هذه الأجنحة المزعومة، لرأينا هناك بعض الشروخات الدالة على صدقية هذه الصراعات، أو رأينا هناك انقسامات واضحة، أو انقلابات سلمية أو دموية في نطاق العائلة، على غرار ما  حدث بالنسبة للعائلة الحاكمة في قطر، أو العائلة الحاكمة في الشارقة، التي شهدت انقلابين الأول سلمي والثاني دموي مضادا لاسترجاع الحكم، في 24 كانون الثاني/ يناير 1972 وأدى إلى مقتل الشيخ خالد بن محمد القاسمي، وظلت بعدها حرب الثارات مستعرة تحت الرماد وحت إشعار أخر. بينما لم تشهد البحرين حتى اللحظة أي حدث من هذا النوع.

وأما بالنسبة إلى المعارضة البحرينية، فانه لا يتوجب عليها بالمطلق أن تراهن، على صراعات أجنحة الحكم الموهومة، وتستغرق وقتها في انتظار المجهول، ولكن يتوجب عليها التمسك بمبادئها وثوابتها الوطنية، والسعي من أجل التغيير الحقيقي والجوهري ومن دون انقطاع مهما كلف الثمن.

 

 

  • يتصور البعض بأن يوجد حاليا مشروع وطني مشترك بين أطراف المعارضة البحرينية، لمواجهة الحكم، فهل تعتقد بأن هناك صحة لهذا التصور؟  

حتى أكون صريحا وصادقا معكم ومع الآخرين، فإنه وللأسف الشديد، لم تستطيع مختلف قوى المعارضة البحرينية، التي قادت النضال السياسي لمواجهة الحكم المستبد في البحرين، بعد مرحلة الانتفاضة الدستورية في حقبة سنوات التسعينيات من القرن الماضي، التي جمعها مشروع العريضة الشعبية وبرامج العمل المشتركة بين غالبية التيارات والقوى الوطنية والإسلامية، لم تستطيع القوى الجديدة الصاعدة على المسرح السياسي البحريني، رغم الجوامع والقواسم المشتركة بينها، أن تؤسس لمشروع وطني مشترك، يمكن الارتكاز أو الاعتماد عليه لمواجهة سياسات الحكم الخاطئة والطائشة، ويمكن له إنقاذ البلاد والمجتمع من دوامة الأزمات السياسية والاجتماعية الخطيرة، التي تسبب بها الحكم طوال العقود التي خلت، وحتى هذه اللحظة الراهنة، ولذلك لم يكن غريبا أن تزداد شراسة الحكم ضد المعارضة المشتتة، واندفاعها لتمزيقها وتفتيتها إربا إربا، حتى لا تقوم لها قائمة، وهو ما تشهده اليوم حال المعارضة البحرينية، العاجزة عن إيجاد مرجعية واحدة أو مظلة واحدة، تحتمي بها من عسف السلطة وغرورها وفرض إرادتها على الجميع بواسطة أساليب القوة والقهر، لأنها لم تجد من يتصدى  لها بمثل ما تظل تستخدمه من قوة ومن دفاع عن النفس في سبيل استمرار بقائها في سدة السلطة والحكم، وبناء على ذلك ستجد المعارضة صعوبات بالغة في الدفاع عن مواقفها ضد الهجمة السلطوية، عندما لا تتمكن من الاتفاق على مشروع وطني مشترك أو مرجعية واحدة، تحمي من خلالها جبهتها الداخلية المثقلة باختلاف الطروحات والتباينات والمصالح التنظيمية أو الحزبية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى