ما وراء الخبر

العالم المقلوب.. وذيل آل خليفة

البحرين اليوم – (متابعات)

لا يختلف المشهد المحلي في البحرين عن المشاهد الأخرى على مستوى الإقليم والمجتمع الدولي. الفوضى الخلاقة لا تعرف الهدوء أو الحدود، وكل الموازين التي يحتكم إليها عقل المرء، وهو يحلل الأمور والمجريات؛ باتت في مهب الريح والمجانين. علينا أن نتوقف، مثلاً، وبشكل خاطف عند اللقاء الذي جمع الرئيس الفرنسي ماكرون بمحمد بن سلمان في باريس، أمس الثلاثاء ١٠ أبريل ٢٠١٨م، وعلينا أن نعاين مليا ملامح الرجلين خلال المؤتمر الصحافي، وأن نرصد كميات النفاق والهراء والسّخف المهولة الذي نطق به ماكرون وهو بحضرة “الدب الداشر”، وكيف كان رئيس بلد الأنوار يُحابي مملكة السوء والفساد، وكأنه يحلب بقرة آيلة للنضوب، أو وكأنه يناغي عِجْلا أعور لكي يسوسه نحو الجزارة. الكلمات الخاطفة التي تحدث فيها ماكرون عن “حقوق الإنسان” كانت مثل حبّة الكرز الصغيرة التي انغرست في قالب من الحلوى العفنة. دماء اليمنيين، منذ أكثر من ثلاث سنوات، كانت مجرد سطر عابر بالنسبة للرئيس الذي انتفخت عضلاته وهو يندد ويتوعد بإيقاف الصواريخ الباليستية التي يرد بها اليمنيون على العدوان. إذا أضفنا هذا المشهد إلى مشاهد اللقاءات الأخرى في بريطانيا والولايات المتحدة؛ فسوف تتأكد النظرية يقترحها البعض، والتي تقول بأنه يمكن قراءة سيرورة العالم اليوم، وفي هذه اللحظة السريالية، من خلال سيرة “الحب في زمن الدب الداشر”.

لا تنفصل الخيوط عن بعضها البعض. فبريطانيا التي كانت قبلة ابن سلمان الأولى؛ تفضّل دائما أن تكون صريحة في وقاحتها. كانت ولازالت حريصة على دورها الاستعماري العريق، فهي تنشيء وتدرّب الحكّام المستبدين والجلادين المحترفين في أكاديمياتها العسكرية استمرارا لهذا الدور الذي تريده أحيانا أن يبدو فاضحا، كما تفعل في البحرين، حيث تدلل البقية الباقية من تركتها الاستعمارية، وتمسح عنها قذارتها في كل مرة تفوح من مؤخرتها الروائح النتنة، ثم تختار أن تعود إلى هذه البقعة في ثوبها الأمبريالي القديم وتدشن قاعدتها العسكرية على شاطيء البحرين. وحال ترامب، سيء الذكر، لا يقل وقاحة عن التاج البريطاني، بل إن “رئيس الغفلة” هو جوهر فوضى “هرمجدون” التي ينسج منها حكام العالم المتصارعون السياسات التي تدمر العالم شيئا فشيئا.

من المؤكد أن آل خليفة هم مجرد أراجيز ودُمى قاتلة كتلك التي تظهر في أفلام الرعب، وهم مثل حال العصابات الظاهرة أو المافيات العلنية التي يحركها آخرون في الخفاء. لكن أيضا لا ننسى أن آل خليفة كانوا ولازالوا يتخلقون بأخلاق قطّاع الطرق، ويمكن لقاطع طريق حقير، أو مجموعة لصوص استوحشتهم الصحراء؛ أن يرتكبوا فواحش تعادل حربا عالمية أو تُشعل فتنة كبرى. وكيف لو كان وراء هؤلاء “أعراب” لم ينزعوا من جلودهم “الجاهلية الأولى”؟!

ماذا يعني ذلك؟

الخليفيون هم نتاج هذه الموازين المقلوبة التي تحكم هذا العالم. ومن الطبيعي أن الأداة تظل دوماً محكومة بقانون “الذّيل”، الذي يتحرك بشكل فوضوي، وبلا قوانين منطقية، وأحيانا كثيرة بطريقة فاضحة تكشف العورة كلها. ومن المفيد، بالنسبة لكل الذين يريديون أن يرسموا سياسات أو إستراتيجيات معارضة النظام؛ أن يأخذوا بعين الاعتبار نظرية “الذيل” هذه مع آل خليفة. عليهم ألا يستغرقوا كثيرا في الاتجاهات التي يتحرك فيها هذا الذيل، ولا يُرهقوا أنفسهم في تفسيرها واستنتاج التأويلات لها (شائعات الإفراجات، مسرحية “نائب تائب”، الانتخابات…) فكل ذلك عبث وفوضى وانفلات في الفضيحة. وبدلا من ذلك، فإن المجدي هو مواجهة “الرأس” الذي يحرك هذا الذيل، والتخطيط من أجل الوصول إليه والتلاعب في الشبكات الدماغية التي تسبح في خلاياه. سواء أكان هذا الرأس في بريطانيا أو الولايات المتحدة، فإن المطلوب من المعارضة أن تخرج من الدوائر القديمة، أو تطور حركتها وتضيف إلى رصيدها تحركات أخرى وسياسات جديدة وإستراتيجيات إضافية على قاعدة أن المعضلة ليست في آل خليفة (الذّيل)، وأن الحل الجذري ليس في قطع هذا الذيل، ولكن في تغيير أعصاب الرأس.

والحق أن ذلك ليس أمرا عسيرا، كما يظن البعض، بل هو أيسر وأهون من قطع الذيل. فالرأس له قوانينه، ومكانه واضح، ولسانه ينطق بحاله، وبالتالي يمكن التعامل معه بسهولة وتصميم سياسات تتناسب مع أحواله ولو كانت متبدلة ومحكومة بالمصالح. أما الذيل، كما هو واضح، فلا قرار له ولا استقرار، وجنونه لا ينفع معه تخطيط السياسيين، وإذا ما كان من ضرورة ظرفية في التعامل الحاسم معه؛ فإن أسلوب “الثوريين” وحده هو الأنفع معه، وهو أسلوب – لا شك ولا ريب – لابد منه، ليس لأنه سيؤدي فورا لقطع الذيل، ولكنه سيكون إسهاما تكتيكيا في تحويل الذيل إلى عبء، وإلى فضيحة، ليأتي دور السياسيين، الفعليين، لإشعار الرأس، أو الرؤوس، بهذه النتيجة وإقناعهم بكل السّبل بأن هذا العبء لن يزول إلا بزوال الأعصاب التي تغذي الذيل واستبدالها بأخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى