علي مشيمعمقالات

معادلة عكسية

IMG_7182
علي مشيمع – ناشط – لندن

استطاعت الثورة في أيامها الأولى أن تجمع كل القوى السياسية والثورية على منصة الدوار التي نُصبت تحت شعار: “باقون حتى إسقاط النظام”. لم يكن هذا الاجتماع يعكس تحالفاً أو اتحاداً في الرؤى والمواقف، ولكن الأكيد أن الواقع الذي فرضته الثورة ضيّق الهوة بين مختلف التيارات والإتجاهات والشخصيات، وكان يمكن للجميع أن يدخل في تحالف عملي ومشروع مشترك، إلا أن عدة عوامل حالت دون ذلك، ومنها:

١- إن الثورة كانت متقدمة في طموحاتها على القيادات السياسية التي يغلب على تحركها التردّد والخشية من العواقب، إلى جانب عدم إيمانها بقدرة الورقة الشعبية في فرض التغيير.

٢- الاتصالات الدبلوماسية التي لعبت فيها الخارجية البريطانية دورا رئيسياً (وقد كنت شاهداً على اتصال الخارجية البريطانية بالأستاذ حسن مشيمع، ومحاولة إقناعه بعدم العودة للبحرين بحجة وجود مساع منهم لخلق حوار مثمر).

كما كان للمندوب الأمريكي فيلتمان دوراً أساسيا آخر بين الحكم والتيارات المختلفة، وهي مساعٍ أحدثت إرباكا في المواقف السياسية.

٣- الورقة الطائفية التي لوّح بها النظام الخليفي، وعلى نحوٍ أوْهم الجميعَ بمذبحةٍ أهلية حين قرّر الثوارُ التوجّه لمقر الديوان الملكي، ووجعل البعض يشعر بالخوف من أن تنتهي الجهود والتضحيات الشعبية إلى تقاتل أهلي طائفي.

٤- عدم الشعور بالقدرة على إحداث التغيير، وحالة الضعف التي جُبل عليها أغلبُ السياسيين، والتي ما زالت تسيطرُ على كثيرِ من المتصدين.

٥- وجود الأشخاص المصلحيين والمنتفعين في داخل الجسم المعارض، والذين يقومون بدور التثبيط والتخويف “وفيكم سماعون لهم ..”.

في كل الأحوال، وبرغم العوامل السالفة؛ فإن المعارضة وقادة الثورة كانوا في الأيام الأولى للثورة في أعلى حالات التلاحم والتفاهم والتواصل (بالمقارنة مع التباين الحاد في 2006، 2010). وقد ذابت الحزبية في أوساط الناس، وأصبحت الثورة مظلة الجميع، ومن كل المشارب، وإلى ما بعد الإعلان عن إنهاء فرْض الأحكام العرفية في البحرين وإطلاق “الحوار”.

ويعود ذلك إلى سببين رئيسيين:

– الأول: أن الميدان جمعَ كل الناس، وسمعت فيه الجماهيرُ كلّ الآراء، ولم يتمكن حزب أو جهة احتكار المسار أو فرض الرؤى.

– الثاني: عدم قدرة الخليفيين على شقّ الصف، رغم محاولاتهم التغلغل في الأوساط، وفشل “ولي العهد” في سحب القوى السياسية من الدوار برغم الإرباك الذي تسبب به.

كاد “ولي العهد” أن يستميل الجمعيات السياسية إلى ديوانه، ولكن الجميع أدرك أن ترك الميدان بمثابة تخلٍّ عن رأس المال الذي تتقوّى به المعارضة، وأن الثبات في الميدان هو الورقة الشّعبية الأقوى، ولذلك فضّلت الفصائل أن تُصبّر نفسها “مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه … “. وتم ذلك مع حرْص القوى السياسية في عدم تفويت الفرصة للتعاون والتواصل الإيجابي مع “ولي العهد”، إلا أنهم كانوا متشبثين بميدان اللؤلؤ في الوقت نفسه، وهو الأمر الذي منعهم من التماهي مع المشاريع الخليفية الخداعة.

مما سبق تتضح لنا معادلة عكسية مفادها أن قوى المعارضة والثورة، والبحرانيين عموماً، يمكن لهم أن يتّحدوا – أو على أقل التقادير- أن يتحالفوا مع بعضهم البعض في مقابل الخليفيين، إلا أنهم من المستحيل – وبحسب التجربة – أن يجتمعوا على رأي وعمل وتحالف مع الخليفيين. ذلك يعني، وكلما تباعدت القوى السياسية عن المؤسسات الخليفية؛ كلما اقتربت من القوى الثورية، وكلما وجدت نفسها “مضطرة” لمجالسة الخليفيين كلما تباعدت عن القوى الثورية.

إن إقرار مقاطعة انتخابات الزّور لمجلس الحاكم الخليفي واحدٌ من المنعطفات التي يمكن أن تضيق مساحة الاختلاف، وتقرّب وجهات النظر، وتخلق نوعاً من التعاون. ومن شأنها أيضا أن تضيّق الخناق على الخليفيين الذين يحاولون جهدهم إنجاح مشروع الدكتاتور وفرْض الدستور الاستبدادي.

إن القوى الثورية تدفع لمقاطعة الإنتخابات لأنها لا تعترف بالنظام، وتسعى لإسقاطه برمته. والقوى السياسية تقاطع الإنتخابات من أجل المشاركة التي توفر مشاركة حقيقية في صنع القرار. إلا أن اختلاف الأهداف لا يعني استحالة الإلتقاء بينهما، خصوصاً مع استمرار الخليفيين في استهداف البحرانيين ومعاداتهم في عقائدهم وأرواحهم وحرماتهم.

بحسب المؤشرات، فإن الخليفيين لن يقدموا أي تنازلات ذات قيمة حقيقية للدفع باتجاه إقناع الجمعيات السياسية للمشاركة في انتخابات الزور، وهم في الوقت يطلقون التصريحات والمراسيم التي يستهبلون بها الرأي العام، من قبيل تقسيم الدوائر الإنتخابية، وهي قرارات ومراسيم يُشغل بها الرأي العام رغم عدم أهميتها. فإذا كان الاعتراض في المشاركة على أصل الدستور اللاشرعي؛ فإن النقاش في أي من إفرازاته لا يعدو كونه مضيعة للوقت وصرفاً لجهد في غير محله.

ما نأمله مع الفورة الخليفية أن تتجاهل القوى السياسية سيل القرارات الاستفزازية، والمبادرات الوهمية، والضغوط الغربية، والأصوات التثبيطية، وأن تنأى الجمعيات السياسية بنفسها عن مخاطبة الديكتاتور المجرم بمراسلات المناشدة التي لا تزيده إلا طغياناً وغرورا، والأمل أن تتظافر الجهود لإفشال المشروع الخليفي الذي يكرس الإستبداد، والطبيقية، والطائفية ويشرعن الإرهاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى