تقارير

مسرحية بطلها “المشير”: كفاك سخرية بنفسك

البحرين اليوم – (خاص)

انتهت مسرحية قضية اغتيال “المشير” بظهور بطلها “خائب النمرة”، خليفة أحمد بورقة إلغاء حكم الإعدام والإبقاء على أحكام المؤبد بحق أبرياء اعتقلوا وتعرّضوا للتعذيب، ونُسجت ضدهم تهم باطلة لم يصدقها أحد، فضلا عن كونها مبنية على أوهام العظمة والرغبة في الانتقام. مسرحية كُتبت فصولها منذ إصدار مرسوم إسقاط جنسية الشيخ عيسى قاسم، والبدء في مشروع تقسيم المعارضة، والإجهاز على ما تبقى منها تحت عنوان تقسيم المقسَّم.

منذ اليوم الأول الذي أعلنت فيه وكالة أنباء البحرين الرسمية عن تقديم مجموعة من المواطنين بتهمة التخطيط لاغتيال المشير؛ كان واضحا أنها مسرحية متقنة الإخراج، يقوم نصُّها على إعلاء شأن المشير وإبراز مكانته وقوته ونفوذه. قبل ذلك؛ زار المشير مجلس النواب الخليفي حاملا لهم مرسوما ملكيا بتعديل قانون القضاء العسكري، وينصُّ على صلاحية المشير في محاكمة المدنيين، ولما كان الدستور يمنع عقد محاكم عسكرية؛ طلب من مجلس النواب المصادقة على تعديل الدستور، وبالفعل لم يتردد نواب المجلس في تمريره وتبريره ومباركته، بل واعتباره مظهرا من مظاهر الديمقراطية الراسخة! وعندما قُدِّمت أوراق المسرحية إلى المحكمة العسكرية؛ أعرب النواب في بيان لهم عن استنكارهم لجريمة لم يحكم القضاء فيها، وباركوا جهود المخابرات العسكرية في كشف محاولة الاغتيال فكانوا، بحقّ، ماسحي جوق المشير والنيابة العسكرية.

بعد عدة شهور وخلال جلسات سرية، وانعدام كامل لكل حقوق التقاضي؛ أصدرت المحكمة العسكرية حكمها الظالم القاضي بإعدام ستة مواطنين دون ذنب اقترفوه، وتابعت درجات المحكمة العسكرية تأييد الأحكام مع تغيرات بسيطة في بعضها، وفقا لما يُعرف “بتغليظ المرقة” واكتساب شيء من المصداقية المنزوعة الدسم أصلا.

وكالة الأنباء الرسمية – التي دأبت على نشر أخبار المحكمة العسكرية بحكم قربها من القطاع العسكري، وبحكم رئاسة عسكري لها ونظرا لسرية المحكمة بناء على بيان المحكمة العسكرية – لم تشر إلى حكم تأييد محكمة التمييز لحكم الإعدام، بل لجأت في اليوم الثاني إلى نشر خبر إلغاء حكم الإعدام وصدور ما سمته بالعفو الملكي عن المحكومين بالإعدام.

لا وقت للسخرية هنا، فالمشهد المؤلم الذي خرج به أهالي المحكومين بالإعدام كان جارحا وخارجا عن المألوف، وأعاد الذاكرة التاريخية لموقف مؤلم آخر، هو وقوف المجاهد المرحوم الشيخ عبد الأمير الجمري في العام ١٩٩٩م بعد صدور حكم السجن عليه بعشر سنوات وغرامة تتجاوز المليون دينار وقتها.

لكن سيناريو المسرحية هكذا، والنهاية المؤلمة مخطط لها، وهي كسر إرادة الناس وتحويلهم إلى رهائن يمكن ابتزازهم وتحويل مسار مقاومتهم إلى مسار الترجي والاستعطاف. المهم كان هو استبدال صورة الإجرام والغطرسة التي صاحبت “الملك” والمشير؛ بصورة العطوف والرحيم. إنها مهمة تستحق إلحاق الألم بالناس، في محاولة لسحب صور حمد عيسى الخليفة من تحت أقدام الناس، ومحاولة العبث في مخيلة الناس واللعب على مشاعرهم وجراحهم. وهي مهمة يتفنن المشير و”الملك” في أدائها لكونهما بطلا المسرحية السخيفة.

قبل انعقاد جلسة النطق بحكم محمة التمييز؛ تم الاتصال بأهالي المحكومين بالإعدام، وطُلب منهم الحضور إلى النيابة العسكرية بعد صدور الحكم، وتم ابتزازهم هناك من قبل المشير نفسه، وإخبارهم أن حكم الإعدام قد أُلغي رحمةً ورأفة! وأجبروا على التصريح لوسائل الإعلام التي كانت حاضرة قبلهم هناك، وهم على دراية بما سيطلبونه من الأهالي للتصريح.

ولكن، وقبل انعقاد جلسة تأييد أحكام الإعدام، وفي أول لحظات حضور أهالي المحكومين إلى قاعة المحكمة العسكرية، وقبل انعقاد الجلسة، تمت المناداة على أولياء أمور المحكومين واجتمع بهم ضباط اثنان في غرفة منفصلة بمبنى المحكمة العسكرية، وأُخبروا بضرورة الحضور غدا صباحا إلى المحكمة العسكرية، من غير إبلاغهم بالأسباب رغم إلحاح الأهالي على الكشف عن الهدف من إحضارهم في اليوم التالي للمحاكمة.

توالت وسائل الإعلام الخليجية، وخاصة السعودية والإماراتية، على المجّ في المسرحية والتمطيط فيها، فيما كان لافتا أن صحافيا مصريا مرتزقا هو من أجرى المقابلات الإجبارية مع أهالي المحكومين، وعلى طريقة “السمسرة”، ورمى بكل خبراته في الارتزاق من أجل انتزاع كلمات الشكر والتمجيد القهرية من الأهالي المظلومين.

المسرحية وقبل انتهائها تضمنت فصلا خفيا أيضا، وهو إلقاء السم في العسل، ومحاولة تقسيم المجتمع المقاوم للسلطة؛ فأوزعت بطريقتها الخبيثة إلى السيد عبدالله الغريفي بأن هناك انفراجا قادما، ولما كان السيد الغريفي شفافا مع جماهيريه؛ أخبر الناس بتلك الاخبار والاتصالات فاستغل المشير شفافية السيد الغريفي ونشر حكم الإعدام بعد أيام من تصريحات السيد الغريفي الامر الذي تسبب في نوبة غضب على تصريحات السيد الغريفي.

الحبكة كانت متقنة جدا ومعروف ما سوف يلقيه المشير والملك في جوف طبالتهم لاحقا وما سوف يقولونه، وهكذا سخر المشير والملك جوق الطبالة لشكر الملك والمشير والطلب من أهالي المعتقلين بسلوك منحى الترجي والاستعطاف وطلب العفو من الملك لبقية المعتقلين.

مسرحية رغم ألمها ورغم مرارتها ستبقي محفورة في ذاكرة البحرانيين وسيقولون للأجيال المقبلة أن سخرية القدر جعلت من مساحي جوق وأحذية متصدرين للمشهد ينظرون للسياسة والأمة. ذاكرة ستخزن أساليب الابتزاز وأساليب التسلق على جثث الناس ومعاناة المعتقلين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى