مقالات

انتخابات ٢٠١٨: مصلحة النظام.. وجشع أصحاب المصالح الشخصية

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: الدكتور قاسم عمران

طبيب وناشط بحراني

مرّت انتخابات ٢٠١١ التكميلية وبعدها انتخابات ٢٠١٤ البرلمانيتين في البحرين وسط مقاطعة شعبية فاصلة بناء على تداعيات ثورة فبراير ٢٠١١. فبرغم جهود النظام حينها للدفع بالمشاركة الشعبية في وسط بيئة المجتمع المعارض عبر التهديد بالعقوبات للعازفين عن المشاركة في تلك الانتخابات؛ إلا أنها لم تفلح في تغيير القناعة الشعبية للمضي في قرار المقاطعة، ليس بسبب عقم العملية التشريعية فقط بل كردّ حاسم على تجاوزات النظام وانتهاكاته وإجراءاته القهرية ضد هذا المجتمع، ولاعتقاده بأن المشاركة في هذه الانتخابات ليس سوى تزوير لإرادته وتجيير لصوته في استصدار قوانين تنال منه ومن حقوقه ووجوده، وتصب في مصلحة النظام وفي إسباغ الشرعية عليه وعلى إجراءاته القمعية.

وبخلاف المزاج الشعبي في بيئة المعارضة المنسجم مع مقاطعة الانتخابات للأسباب أعلاه؛ تقدم لملىء هذا المقاعد الانتخابية ضمن بيئة المعارضة؛ عدد غير قليل من المرشحين منتهزين فرصة غياب المعارضة ورموزها عن المسرح الإنتخابي، فحاز من فاز منهم بهذه المقاعد على أعداد أصوات ضئيلة لا تمثل ثقلا شعبيا معتبرا يتناسب مع أعداد الكتلة الناخبة في تلك الدوائر. لكن هذه المشاركة، وإن ملأت المقاعد الشاغرة شكلا، إلا إنها لم تف بالغرض السياسي منها، فمع كون جزء من المترشحين لانتخابات ٢٠١١ التكميلية أو ٢٠١٤ ينتمون لمجتمع المعارضة، إلا إنهم لا يستطيعون الإدعاء بأنهم يعبرون عن قناعات ومزاج هذه البيئة السياسية.

وبناء عليه؛ فالنظام بحاجة إلى مترشحين لانتخابات ٢٠١٨، محسوبين عرفا على مجتمع المعارضة، ومتناغمين ظاهريا مع قناعاتها السياسية، ليتم من خلالهم إقناع قطاع كبير من هذه البيئة بالمشاركة والتصويت لهؤلاء المترشحين باعتبارهم أكثر تعبيرا وحرصا على هذه البيئة من غيرهم، ومن ثم ينبغي على هذا المجتمع المعارض التخلي عن قرار المقاطعة الساري في الوسط السياسي منذ العام ٢٠١١م.

ومع قرب الانتخابات البرلمانية في نوڤمبر ٢٠١٨؛ ستتعالى أصوات في بيئة المعارضة تعمل على إقناع المجتمع المعارض بالتراجع عن قرار المقاطعة، وتشجيعه على المشاركة في الانتخابات القادمة تحت يافطات متعددة لا علاقة لها بأصول أو جوهر العملية التشريعية وأصولها أو لناحية صحة تمثيلها لقواعدها الشعبية الناخبة، بل تنطوي على التسليم للواقع الذي أوصلهم إليه النظام وعلى التعاطي مع مشاريعه، وربما لا تخلو من انتهازية سياسية تستغل تصفية الساحة من الناشطين المعاندين بمختلف أساليب القمع والإقصاء.

وفيما يتطلع النظام لضمان مشاركة عالية في الانتخابات من قِبل مجتمع المعارضة السياسية المقاطع للانتخابات عن سابق وعي وتصميم، وذلك لإضفاء الشرعية الشعبية على مشروعه السياسي وما استتبعه من إجراءات قمعية وإقصائية؛ فإن المترشحين المحتملين من جهتهم سيسعون لتسخيف قرار المقاطعة، وتفريغه من أي قيمة سياسية. إضافة إلى قيامهم بالتسويق للمشاركة بمبررات هي أقرب إلى دغدغة العواطف، والترويج لإمكانية التغيير وإنجاز المشاريع وتقديم الخدمات من خلال البرلمان، وتضخيم الحاصل التشريعي لبرلمان ٢٠٠٦، وتقديم الوعود الفارغة، مثل تقليص نسبة البطالة وضمان البعثات للطلبة، والقدرة على التواصل الدبلوماسي والتأثير في المجتمع الدولي، والإفراج عن المعتقلين، والتهويل بمزيد من إجراءات التهميش والحرمان والتمييز، والعزف على وتر الخسائر القادمة على الطائفة الشيعية إنْ هي لم تشارك وأبناؤها في هذه الانتخابات كما يرغب النظام.

وللتذكير؛ فإن البنود المُقيِّدة للعمل التشريعي ومحدودية هامش العمل المتاح لأعضاء البرلمان، تجعل من تمرير أي تشريع قانوني لا يرتضيه النظام مهمة مستحيلة، وفِي المقابل وبسبب التوزيع غير العادل للدوائر وسوء التمثيل للكتل الناخبة؛ فإنه ليس بمقدور أي كتلة برلمانية تنتمي لمجتمع المعارضة مهما بلغت درجة التضامن بين أعضائها أن تعترض على تمرير أو إيقاف مشروع قرار ينوي النظام تمريره، مما يُبقى هذه الكتلة المعارضة فاقدة للقدرة على تمرير المشاريع الوطنية في الحالة الأولى، ويجعل منها مجرد شاهد زور غير فاعل في دفع الضرر في الحالة الثانية.

وقد سبق أن دخل البرلمان ممثلون مرموقون مجتمعيا من كتلة “الوفاق” المدعومة من أرفع الجهات الروحية في البلاد، وحظيت بأصوات كتلة ناخبة غالبة، وفِي أوج التفاؤل الشعبي بالعمل السياسي في البلاد أثناء ما سمي بـ”المشروع الإصلاحي”، ولكن لتواضع المحصلة التشريعية لأدائها، وإدراكها لصعوبة العمل التشريعي تحت قبة البرلمان، فإنه لم يصعب إقناع أعضاء هذه الكتلة (أو أغلبهم) بالإنسحاب من البرلمان، ومن ثم إقرارهم بعدم جدوى إعادة الترشح، وهذا ما رتّب قرار مقاطعة انتخابات برلمان ٢٠١٤ من قبل القوى السياسية المعارضة.

ومع تكشير النظام عن أنيابه فيما بعد فبراير ٢٠١١ واستخدامه غير المسبوق للقبضة الحديدية ضد مجتمع المعارضة، فإنه من المتيقن أن تبقى البنود المُقيِّدة للعمل التشريعي نافذة، لتضبط عملية إنتاج القوانين والتشريعات كما يبتغيها النظام. وإنه لمن ضروب الوهم أن يستطيع أعضاء برلمان ٢٠١٨ الجدد تجاوز عقبات هذه البنود مهما حسنت نواياهم للعمل وتضاعف جهدهم فيه أو تعاظمت صفتهم التمثيلية، أو تسامت الجهة التي تقف وراء تزكيتهم للوصول للبرلمان، فلن تكون جهودهم في هذا المضمار إلا هباء منثورا سيندب بعدها من أوصلوهم لمقاعد البرلمان حظهم وسوء حالهم، فلن يكون قدر هؤلاء أفضل من سابقيهم.

وعليه؛ فإن جهود المترشحين الجدد في الترويج للمشاركة، إن هي لم تكن إلا محاولة عابثة لتجربة المُجرَّب، فإنها لن تعدو أن تكون وسيلة لدخول برلمان – قال فيه من جرّبه أنه لا يعدو أن يكون ظاهرة صوتية – سعيا من مترشحين جدد لتحقيق مكاسب شخصية من جهة، ولتحقيق رغبة النظام من جهة أخرى في إسباغ الشرعية الشعبية على مشروعه السياسي من خلال دخول نواب مصادق عليهم شعبيا من قِبل المجتمع المعارض، وما أحوج النظام إليهم للقيام بهذا الدور وسد ثغرة في مشروعه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى