ما وراء الخبر

فوّاز ومغارة لندن: مخطط الانتقام الحاقد

البحرين اليوم – (متابعات)

أكثر سفير يشبه وزير داخلية آل خليفة، هو السفير الخليفي في لندن، فواز. الشبه بينهما ليس في ملامح الإرهاب فقط التي تنطبع في وجه كل واحد منهما، ولكن أيضا في طبيعة الانتقام والإجرام. وزير الداخلية الحالي راشد عبدالله كان ولازال صندوق انتقام من “الوزن الثقيل”. لنتذكر أن راشد استلم الوزارة في عام ٢٠٠٤م، والمعروف أن من يمسك هذا المنصب يبقى فيه حتى تأتي ساعة “ملك الموت” أو يصيبه الخرف. الوزير السابق محمد خليفة الخليفة كان متشبثا بالمنصب منذ عام ١٩٧٣ وحتى العام ٢٠٠٤، وحين جاء راشد محلّه فقد كان مطلوبا منه أن يواصل مشوارا عريضا وطويلا من الإجرام والإرهاب الذي ورثه من سلفه، وهو إرث أغْناه وزير الداخلية السعودي سيء الصيت نايف آل سعود، والذي كان شديد الصلة بمحمد خليفة، قبل أن تأكله الدود في قبره كما قال الشهيد الشيخ نمر النمر. فواز بدوره أثبت أن لديه قدرات أيضا لابد من استغلالها، ولأنه – مثل بقية “العصابة” – خريج كلية “سانت هيرست” العسكرية في لندن؛ فإن طبائعه في الإجرام ظلت، ردحا من الزمن، تتغطى بأثواب مختلفة، مثل الاهتمام بالشباب والرياضة والإعلام، ولكن “الطبع يغلب التطبع”.

بعد أقل من سنة على تعيينه رئيسا لهيئة شؤون الإعلام؛ أخرج فواز – كما هو الحال مع كل النظام “الوحشي” في البحرين – بعضَ طبائعه المجرمة، وانتقم سريعا من الإعلاميين والرياضيين الذين هتفوا في دوار اللؤلؤة مطالبين برحيله من هيئة الإعلام. سجله في ملفات حقوق الإنسان بات معروفا اليوم، وكلما جرى الحديث عن استهداف إعلامي أو رياضي في البحرين فإن اسمه يرد دوما إلى جانب اسم “المعجزة” و”الأمير الجلاد” ناصر حمد. بهذه الخبرة الجديدة، جرى الاتفاق أن ينتقل فواز إلى بريطانيا ليعكس هذه الخبرة القذرة بأوسع مدى ممكن في استهداف الناشطين هناك، ومنها إلى البحرين وخارجها أيضا. في السفارة الخليفية في لندن؛ جمع فواز حوله النطيحة والمتردية، من المرتزقة والبلطجية، من حسن موسى شفيعي وأمجد طه إلى أتفه مرتزق بريطاني يعشق ساعات الرولكس والاستجمام مجانا في جُزر البحرين السياحية. حوّل السفارة إلى سوق نخاسة للبحث عن رخصاء الثمن، من البحرين ومن بريطانيا، وفتح الأبواب والنوافذ لضعاف النفوس ولاحسي الأحذية ومرضى فقدان الهوية، وكان المقابل أن ينضموا إلى “جيش” من العملاء والطبالين وبائعي الأكاذيب.

 

المغارة في عهد خالد أحمد

 

جاء فواز إلى السفارة في مرحلة مختلفة عن تلك التي كان فيها خالد أحمد – وزير الخارجية الحالي – وحينها كان خالد يكتفي بطرائقه الغبية في تحريك برميله داخل السفارة وخارجها، وكان دائما محط التكهم والسخرية وهو ينتقل من مكان لآخر لكي يروّج لنفسه على أنه متواضع ومنفتح ومؤمن بضرورة تنوع الأطباق على طاولة الطعام. وينقل أحد الذين كانوا يعملون في مؤسسة الإمام الخوئي في لندن؛ كيف أن خالد أحمد كان من الممكن أن يكون ممثلا كوميديا، أو صانع حلويات ماهر، ويضيف أنه لو ظل على حاله القديم، ولم يزد في وزنه وقلّة حيائه، لأصبح مرشحا لأن يتبوأ جائزة أفضل “كاذب رشيق”، ولكن حاله وأحواله تغيرت – كما يقول صاحبنا – فبدأت سريرته الدفينة تنفتخ فوق حجمه الزائد، ورغم أنه بقي مشغولا بالظهور العفوي، مثل أيام لندن، إلا أن تفجُّره بالأكاذيب الوقحة – منذ هدم دوار اللؤلؤة الذي اعتبره رمزا لذكرى سيئة، إلى عمالته الفجة للكيان الصهيوني – حوّله إلى ثكنة من البراميل الفارغة.

 

فواز والوداعي: انتقام.. وغيرة

 

أما فواز، وبخبرة الإجرام المتراكمة، فقد أُنيط به أن يتولى كوكتيلا من المهام البوليسية والأمنية و”العلاقات العامة” في بريطانيا وفي دول أوروبا. فهو سفير في بريطانيا ويتولى مسؤوليات السفارة والقنصلية في دول غربية أخرى. ومن اللافت أن فواز ينفذ مهامه وهو تأثير “الحقد” أيضا، وربما الغيرة التي يفشل كثيرا في إخفائها. فمن يتابع اللقاءات التي بدأت في الآونة الأخيرة سفارة آل خليفة عقدها مع بعض النواب البريطانيين، وكذلك الندوات المفبركة التي تقيمها حول “حقوق الإنسان”، بالإضافة إلى المراسلات الحثيثة مع منظمات حقوقية، وبينها العفو الدولية، (من يتابع ذلك) يعرف حجم التأثير الذي بلغه النشطاء في بريطانيا، وبينهم الناشط السيد أحمد الوداعي، الذي بات اسمه حاضرا في البرلمان البريطاني، وفي ردود الحكومة البريطانية على الأسئلة البرلمانية، فضلا عن حيثيته الحاضرة في الصحافة الدولية والمنظمات الحقوقية العريقة. وقد بات الوداعي ومعهد (بيرد) أشبه ما يكون بـ”الشبح” الذي يطارد فواز ومرتزقته، ما يفسّر جانبا من خلفيات قرار استهداف الوداعي شخصيا واستهداف زوجته وعائلته في البحرين، إلا أن ذلك لم يكن بعيدا أيضا عن الشعور المزدوج لدى فواز بـ”الانتقام” و”الحقد”.

لقد نجح هذا الناشط الشاب ورفاقه من الشبان والمخضرمين، في قلب الطاولة أكثر من مرة على آل خليفة في لندن، ولاشك أن قرار استهدافه ليس بعيدا عن حمد عيسى نفسه، حيث يحمل حمد “مبررات” عديدة لأن يحقد على هذا الشاب الذي أسقط جنسيته، ولكن فواز لديه بصمات خاصة في تنفيذ الانتقامات، وهي بصمات تشبه وجهه ووجه وزير الداخلية. لا يتعلق الأمر هنا بطبيعة “خلقة الله”، ولكن في سيمياء الوجه التي قال فيها أمير المؤمنين “ما أضمر أحد شيئا في قلبه إلا وظهر على فلتات لسانه وقسمات وجهه”. ولعصابة آل خليفة فلتات وقسمات لا تُخفى، تقدّم دليلا تلو الآخر على أن عجينة الانتقام الحاقد أضحت هي القشرة التي تستتر تحت جلودهم المستذئبة.

فإلى أين يمكن أن يصل مسعى فواز وما يُخطّط له في “مغارة” آل خليفة في لندن؟

لنعيد ترتيب الأهداف والمساعي التي يقوم بها فواز وسفارته:

١- محاولة ترميم الخروقات التي يحدثها النشطاء بزيادة أعداد المرتزقة البريطانيين، وتوسيع فرص شراء المواقف من النواب البريطانيين على وجه الخصوص.

٢- تشويه حقيقة ما يجري في البحرين من خلال إصدار بيانات ملفقة حول الوضع الحقوقي وطبيعة الحراك الشعبي المعارض في البلاد.

٣- تعميق وسائل استهداف النشطاء والمعارضين في الخارج من خلال الانتقام من عوائلهم داخل البلاد، والعمل على فبركة اتهامات ودعاوى ضدهم بالتعاون مع الأجهزة البريطانية.

هذا المخطط متاح بدرجات معينة في بريطانيا، ليس لأن “المغارة” الخليفية في لندن تعمل باحتراف أو لأنها ترتب أوراقها القذرة بمهارة واقتدار، وطبعا ليس لأنها نالت المصداقية لدى الآخرين، ولكن لأن المؤسسة الحاكمة والنافذة في المملكة المتحدة ضالعة في هذا المشروع “التآمري” ضد النشطاء وضد شعب البحرين ككل، وبالتالي فإن التسهيلات والترتيبات ستكون جاهزة للخليفيين للمضي في تحريك كل هذه الأوراق. ولكن النجاحات، ذات الوزن، تكون مرهونة بخواتيم الأمور وبالنتائج التي تتصل بالحقائق التي يتداولها الرأي العام الحر ويؤمن بمصداقيتها، وما يجري حتى الآن في هذا المسار ليس في صالح مخططات فواز والمشاريع السوداء التي يتواطؤ عليها البريطانيون، وعلامة ذلك مثلا أن دائرة الإيمان بوثاقة ومصداقية النشطاء تتسع يوما بعد آخر في العالم، وفي بريطانيا نفسها، وهذه الدائرة تصلح أن تكون مقياسا للأمور ومآلاتها، ليس بحجمها بل بنوعيتها الرمزية، وعلى النحو الذي يُفصح عنه مثلا: رسوخ رؤية النشطاء في صُلب المؤسسات والمنظمات الحقوقية الكبرى في الغرب، وانفتاح الرواق السياسي البريطاني على هذه الرؤية والتطوع للدفاع عنها في وجه الحكومة البريطانية والنظام الخليفي معا، وكل ذلك ينعكس مع الانتقال إلى منهج الاحتجاج الميداني عبر تنظيم الفاعليات الغربية غير الحكومية للتظاهرات والاعتصامات والضغوط المدنية المختلفة لصالح القضية التي يحملها النشطاء البحرانيون، ومن المرجح أن كل هذه التدحرجات ستأتي بمفاعيل مؤثرة في إجهاض المسعى الخليفي/ البريطاني المشار إليه أعلاه، وأنها – مع التقييمات والإضافات المنتظرة من المعارضة في الخارج – مؤهلة لأن تنجز الخطوة الأهم في صعق الواجهة التآمرية الأبشع التي يمثلها فواز في لندن، وأن تضع أصحاب القرار – الظاهر والخفي – في بريطانيا أمام خيارات جديدة قد تكون اليوم محض أحلام أو خيال، ولكنها يجب أن تكون حاضرة لدى النشطاء، لأنها الأمل المنتظَر من الجميع، وهي الكابوس الذي يجب أن يبقى مسلطا على آل خليفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى