آية الله النمرما وراء الخبر

بعد تأييد تركي الفيصل لإسقاط النظام الإيراني.. ماذا عن “رفض التدخلات الخارجية” في البحرين؟

image

البحرين اليوم – متابعات

في خطوةٍ رآها مراقبون بأنها تشكل “تخبطا” في السياسة الخارجية لآل سعود، شارك تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، في مؤتمر للمعارضة الإيرانية المسلحة (مجاهدي خلق) عُقد اليوم السبت، ٩ يوليو، في العاصمة الفرنسية باريس، وألقى كلمة متلفزة في المؤتمر الذي نقلته مباشرةً وسائل الإعلام السعودية والتابعة لها.

الفيصل، المعروف بأنه “عرّاب” العلاقات السعودية الإسرائيلية، كشف “المستور”، وأعلن في كلمته عن تأييده للمعارضة الإيرانية (المسلحة)، ورغبته في إسقاط النظام بإيران، كما كرر الاتهامات النمطية التي يرددها المسؤولون السعوديون ويعيد ترويجها الموالون لهم، بشأن علاقة إيران بالإرهاب و”أثارتها” للفتن في المنطقة.

متابعون قالوا بأن مشاركة الفيصل “شكلت تدخلا مباشرا للسعودية في شؤون إيران”، معتبرين ذلك “تناقضا مع الدعوات السعودية والخليفية، والخليجية أيضا، التي تطالب إيران بعدم التدخل في شؤون بلدان الخليج”، علما بأن المواقف التي أعلنها الفيصل “تتجاوز الحدود الدبلوماسية المتعارف عليها”، حيث عبر بوضوح عن رغبته في إسقاط نظام الحكم في إيران، وهو الموقف الذي لم يصدر عن المسؤولين الإيرانيين بشأن أوضاع الخليج، بما في ذلك الشأن البحراني، حيث كان السياق العام للمواقف الإيرانية “الرسمية” وغير الرسمية يتحرك في “إطار التنديد بقمع النظام، وتلبية مطالب الشعب”.

وقد كان لافتا أن كتّابا وشخصيات خليجية موالية لآل سعود وآل خليفة؛ بادروا إلى الترحيب بمشاركة الفيصل في مؤتمر منظمة “مجاهدي خلق”، ودعوته لإسقاط النظام الإيراني، ومن ذلك “التهليل” الذي عبّرت عنه الكاتبة سوسن الشاعر المعروفة بتخوينها للمعارضة البحرانية واتهامها إياها بالعمالة لإيران، كما أن الشاعر لم تتردد في التحريض على استعمال القمع والقتل بحق المتظاهرين في البحرين. هذا الموقف انساق إليه خليجيون أيضا، وبينهم الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، الذي رحّب بالتدخل السعودي المباشر في الشأن الإيراني، واعتبره “فصلا جديدا” في السياسة الخارجية لآل سعود، ودعا دول الخليج للاحتذاء به، واستقبال قيادات منظمة “خلق” في بلدان الخليج.

في المقابل، أبدى كتّاب من الخليج خشيتهم من نتائج المواقف التي أعلنها الفيصل، وتساءلوا عما إذا كانت السعودية، ودول الخليج التابعة لها، على “استعداد لتحمل “تبعات موقف الفيصل الصريح في دعم معارضة إيرانية مسلحة، ودعوته لإسقاط النظام الإيراني”.

الإعلامي العراقي نجاح محمد علي قال بأن مؤتمر منظمة “خلق” يُعقد منذ ٣٥ عاما “بدعم استخباري غربي إسرائيلي”، وفي حين أشار إلى تورط المنظمة في تفجيرات إرهابية داخل إيران وأسْرها لمدنيين إيرانيين؛ أوضح محمد علي بأن الدعم السعودي لها سيورّط الرياض “أكثر مع واشنطن، التي وضعت يوما (خلق) في لوائح الإرهاب”، مؤكدا بأن المعارضة الموجودة داخل إيران لا تتبنى مواقف “خلق”، وتعتبرها “إرهابية”.
من جانب آخر، يُرصَد التدخل السعودي الجديد في الشأن الداخلي لإيران، باعتباره “تطوّرا” في التصعيد السعودي ضد إيران، والذي أخذ مداه التصاعدي بعد إعدام آل سعود للشيخ نمر النمر في يناير ٢٠١٦م، وما تلاه من قطع الرياض لعلاقاتها مع طهران بعد الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها إيران ضد جريمة الإعدام، وامتدّت للهجوم على سفارة آل سعود في طهران من قبل محتجين غاضبين.

وقد دخلت السعودية خط التصعيد ضد إيران ودعم “المعارضة” الإيرانية المسلحة منذ عامين على الأقل، حيث فتحت وسائل الإعلام السعودية الرسمية الأبواب لشخصيات إيرانية تدعو للقيام بانقلاب عسكري في إيران، وانطلاقا من منطقة الأهواز الإيرانية، وسعت الرياض – بوسائل مباشرة – لافتعال اضطرابات في تلك المنطقة، وجندت عددا من المرتزقة في البحرين وبريطانيا وفرنسا والدنمارك للقيام بهذه المهمة، ورعت عددا من المؤتمرات التي أقامتها هذه الجماعات، وبينها المؤتمر الذي عُقد مؤخرا في كوبنهاجن، وشارك فيه نوّاب في البرلمان الخليفي، أعلنوا فيه “ضرورة دعم المعارضة المسلحة لإسقاط النظام في إيران”. وجاءت مشاركة الفيصل في مؤتمر “خلق” لتمثل “الدرجة القصوى” في هذه المواقف السعودية ضد إيران.

إلى ذلك، يرى مراقبون بأن “تورّط” السعودية في “التدخل المباشر لشؤون إيران”، يمثل “تناقضا صريحا” في الخطاب السياسي لآل سعود وآل خليفة، والذي “ينتقد” إيران بسبب ما يصفه المسؤولون في البلدين بـ”التدخل في شؤون البحرين والسعودية”، وذلك تعليقا على المواقف السياسية والإعلامية التي تصدر عن المسؤولين الإيرانيين، والتي تنتقد انتهاكات حقوق الإنسان في المنامة والرياض.

ولا تستبعد أوساط متابعة من “ارتداد متعدد المستويات” للتدخل السعودي “السافر” في الشأن الإيراني، ولاسيما في ظل “الصراع الإقليمي المحتدم” بين طهران والرياض، والذي يأخذ عادةً وتيرته “الساخنة” في الملف البحراني.
ماذا عن البحرين؟
أوساط سياسية بحرانية تقرأ الموقف السعودي الذي ظهر على لسان تركي الفيصل، من زاوية أخرى تتعلق بدعوتها لبعض أطياف المعارضة السياسية في البحرين لإعادة النظر في مفهومها للتدخل الخارجي، وخاصة بعد المواقف الإيرانية الأخيرة التي صدرت ضد نظام آل خليفة، وبعد تصعيدهم الحرب الوجودية على السكان الأصليين واستهداف آية الله الشيخ عيسى قاسم.

وفي هذا السياق، شكل الموقف “السلبي” الذي أعلنته جمعية التجمع القومي الديمقراطي مما وصفته بـ”التدخل الخارجي”؛ (شكلّ) إحالة على ” الالتباس” الذي يستولي على الجماعات السياسية في البحرين بشأن مفهوم “التدخلات الخارجية”، ومدى أثر هذه “التدخلات” أو صلتها بمجريات الحدث السياسي المحلي.

“التجمع” الذي يمثل امتداداً لحزب البعث (العراقي)؛ دان في بيان صادر في ٢٤ يونيو ٢٠١٦م؛ ما وصفها بكافة “التدخلات الخارجية في البحرين”، وذلك عقب المواقف المندِّدة لقرار الخليفيين إسقاط الجنسية عن الشيخ عيسى قاسم، ووصف “التصريحات والتدخلات الخارجية” بـ”المشينة” والتي “لا يمكن القبول بها”. وفي حين لم يحدِّد البيان جهة هذه التدخلات، إلا أن المقصود بها تلك المواقف التي صدرت عن إيران على وجه الخصوص، ولاسيما التصريحات التي أصدرها اللواء قاسم سليماني، قائد لواء القدس في الحرس الثوري.

ظل مفهوم “التدخل الخارجي” أداة بيد النظام في مواجهة الثورة البحرانية منذ انطلاقتها، واعتاد على التشنيع الدائم بها عبر اتهامها بالإرتهان بالخارج، وتحديداً إيران وحزب الله، وسعى لتكثيف هذه التهمة وتعبئة أتباعه والمحافل الخارجية بقصص وفبركات بغرض تثبت هذه التهمة، وانتزاع طابعها الوطني والمحلي. وبمعونة من الضغط الإعلامي، والابتزاز السياسي، وبتحريك من الوسط السياسي “المتذبدب”؛ أن يمرّر هذه “التهمة” إلى الذهن السياسي العام، وتلبيسها بعض الفاعلين، فضلا عن قطّاع من الجمهور “الرمادي”. وكان لافتا أن فصائل سياسية، مثل “التجمع القومي” وجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) – وجمعية الوفاق، قبل أن تخفف من هذا الخطاب قبل عامين – أبدت حرصاً على إشباع هذا الخطاب الرسمي والممالأة معه، عبر تكرار الإعلان عن التمسك “برفْض التدخل الخارجي، وبمعية التأكيدات “المتكلفة” حول الإيمان بالعمل السياسي السلمي، في الوقت الذي تعقد هذه الجمعيات والفصائل لقاءات مع مسؤولين أجانب، والتبادل معهم في شؤون البحرين.

بالنظر إلى “الإشكالية القانونية” المعقدة التي تحيط بمسألة “التدخل الخارجي”، وعلاقتها بالمواثيق الدولية وطبيعة القوانين الناظمة للعلاقات بين الدول؛ فإن الجماعات السياسية أبدت تخبطا متكررا في تعاطيها مع الاتهام الخليفي بوجود تدخل خارجي في أحداث الثورة، وبرز هذا التخبط جليا في تلك الفترات التي كان الخليفيون يبذلون كل الطرق والفبركات للقوْل بأن كل احتجاج، وكلّ تظاهرة، وكلّ صوت ناقد في البلاد؛ هو تحريض من الخارج، وتنفيذ لأجندة أطرافٍ أجنبية.

لم يقتصر الاتهامُ بالخارج – عمالةً أو ارتباطاً أو استقواءاً – على إيران فقط، بل كان لافتاً أن النظام وسَّع ذلك لتشمل دولاً غربية، وخاصة الولايات المتّحدة الأمريكية، وهو ما ظهر في السنة الأولى للثورة، وعلى لسان وزير الدفاع الخليفي، الذي تحدّث عن مؤامرة “أمريكية صهيونية إيرانية” على البحرين. إلا أن إيران ظلت المتّهم الرئيس بالتدخل في البحرين، واستمر ذلك طيلة سنوات الثورة، وأضيف إليها – بالتبعية – حزب الله، وهو ما ترسخ في كلّ مرة يعلن فيهم الخليفيون عن “خلايا” مزعومة يتم فيها الزجّ بشبان في اتهامات مفبركة تتعلق بالتدريب والتسليح من إيران والحزب.

مراقبون يرصدون هذا الاتهامات الخليفية بالنظام السعودي مباشرةً، والذي يظل الحاكم الفعلي بنظام آل خليفة، وهو منْ يرسم السياسة الداخلية والخارجية للبحرين، وخاصة بعد دخول قوات آل سعود إلى البلاد في مارس ٢٠١١، وتحوّل إدارتها إلى “وزارة الخارجية السعودية”، وباعتراف الوزير الخليفي خالد الخليفة. وقد عبّر السعوديون عن خلافاتهم مع إيران، وفقدانهم لمواقع الصراع الإقليمي، من خلال زيادة الضغط على الثورة في البحرين وربطها بإيران، كما استغل آل سعود حساسية الوضع الداخلي في البلاد لأجل “تأجيج” الطائفية، وتخريب الثورة من خلال الزعم بأنها تتبع “أجندة مذهبية خارجية، وتحديدا في إيران وحزب الله”.

من المؤكد بأن موقف تركي الفيصل الجديد ضد إيران؛ سيكون له أثره الكبير في “تعديل” مفهوم “التدخل الخارجي” داخل العلاقات الإقليمية بالمنظقة، إلا أن على المعارضة السياسية في البحرين أن تبادر بدورها في إجراء “معالجة” مشابهة في خطابها السياسي بشأن هذا المفهوم، وأن تعمل على تصحيح مقاربتها للمواقف الداعمة التي تصدر من “أصدقاء” الشعب البحراني، والذين لا يجب أن يُعامَلوا “معاملة مزدوجة”، فيكون الموقف الداعم من إيران تدخلا غير مقبول، فيما يصبح هذا التدخل مطلوبا حينما يكون من الأمريكيين والأوروبيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى