مقالات

المودة بين آل خليفة والإسرائيليين: الفرصة السانحة لإطلاق ملف “الإبادة الثقافية”

 

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: كريم العرادي

كاتب من البحرين

 

كلما ضافت السُّبل بالطغاة، وتقطعت بهم، كلما وجدوا أنفسهم ملزمين بأن يتشبهوا ويلتحقوا بمن هم أسوأ منهم، وأكثر وحشية وإجراما. ومتى تضيق السّبل بالطغاة القتلة؟ عندما يكونوا عاجزين حد الإفلاس، وتكون كل تجاربهم في القتل والاضطهاد غير مجدية في إشباعهم بالأمن والاستقرار وحُسن الحال. يندفع هؤلاء في هذه الحال لأن يلتصقوا أكثر بمن هم أسوأ منهم، والذين يمدونهم بشعور دفين يقول: “لا بأس، لا ينبغي أن نلوم أنفسنا كثيرا، هناك من هم أسوأ منا، ولا يكفون عن دعمنا ومد الأيدي إلينا”. هذه باختصار طبيعة الأسباب التي تدفع آل خليفة لأن يلتحقوا بآل سعود، ولأن يكونوا أجرأ الخونة في الانفتاح مع الصهاينة.

لن يكون، إذن، الوفد الإسرائيلي الذي سيحضر البحرين في ٢٤ يونيو ٢٠١٨م، تحت غطاء اجتماعات لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة (اليونسكو)، آخر الوفود التي يسارع الخليفيون لفتح الأبواب لها، ومن المؤكد أن مزيدا الفشل الداخلي وانغلاق الأبواب والعجز عن إركاع المعارضة، سيصعّد من نمو جينات التصهين، وستدفع آل خليفة للمزيد من الوقاحات العلنية على هذا الصعيد.

من المثير للاشئزاز، من جانب ما، أن الوفد الإسرائيلي المرتقب سيحضر البحرين لمناقشة أمور تتعلق بالتراث العالمي، وهو أمر لا ينبغي أن يمر مرور الكرام بالنسبة للمعارضين والنشطاء، ويُفترض أن يكون فرصة سانحة لإثارة واحد من أهم الملفات التي تؤكد التطابق بين الخليفيين والإسرائيليين، وهو الضلوع في الإبادة الثقافية بحق السكان الأصليين، وتنفيذ أكثر من مخطط، متصل ومنفصل، لسحق التراث الأصيل للأهالي، بما في ذلك التراث الديني والثقافي. لست أدري لماذا لم يحرك النشطاء البحرانيون حتى الآن هذا الملف الحساس على المستوى الدولي، بما في ذلك داخل آليات منظمة (اليونسكو)، والانطلاق منه لإفشاء جوانب غير مسبوقة في الوقت الحاضر من الإبادة الفعلية على أرض البحرين. لا يقتصر الأمر عند هدم مساجد تاريخية، مثل مسجد البربغي، والتعرُّض الممنهج للآثار الدينية والتاريخية ذات الصلة بالتاريخ الشيعي في البحرين، ولكن أيضا في موضوع لا يقل أهمية، وخطورة، وهو تأجيج الكراهية الدينية على أكثر من مستوى، وهي فعلة شنعاء ترقى لدرجة الأفعال المصنفة تحت خانة الجرائم الإنسانية المستحقة للملاحقة الدولية.

لاشك أن هناك شكوكا مبرّرة من جدية تعاطي المجتمع الدولي ومؤسساته لمثل هذه القضايا، ولاسيما مع ملاحظة ردود الفعل بالنسبة للإسرائيليين والإخفاق الدولي في جرجرتهم إلى المحاكم الدولية برغم وضوح الجرائم الإنسانية التي تورطوا فيها منذ أكثر من ستين عاما، وبلا غطاء أو مستورات تبريرية. إن تقاطع المصالح الذي منع من ملاحقة الإسرائيليين بشكل جدي، هو نفسه منظور بشأن آل خليفة وطغاة الخليج، وليس هناك حاجة لإثبات ذلك مع هذا الانسجام الصلف الذي أبدته إدراة ترامب مع الخليفيين، ومع ما تقوم به المملكة المتحدة من وقاحات مقززة في التعاطي مع انتهاكات النظام الخليفي وجرائمه. إلا أن ذلك، ولأسباب كثيرة، لا ينبغي أن يكسر همّة النشطاء في تحريك ملف الإبادة الثقافية على أعلى مستوى، واستئناف جولات حقوقية وسياسية متبادلة في هذا الميدان الحيوي، والذي ينتهي في خاتمة المطاف إلى المنبع المشترك بين آل خليفة والصهاينة.

جوهر الصراع مع آل خليفة يُحيلنا جميعا إلى هذا الملف، وسوف نختصر الكثير من الوقت والجهد في إثبات عدم جدوى التعايش معهم حين ننجح في تظهير الجرائم المرتكبة بحق وجود السكان الأصليين في البلاد وهويتهم الثقافية والتاريخية. كما أن مفاهيم المفاصلة والممانعة التي رسخت القطيعة الجذرية مع الخليفيين؛ ستجد أساسها الصلب في هذا الموضوع، وأكثر من غيره. وأكاد أجزم بأن خوض هذه المعركة، حقوقيا وسياسيا وإعلاميا، وبتخطيط ملائم وتعاون وثيق بين فصائل المعارضة؛ سيدد ضربات موجعة لآل خليفة وللداعمين الغربيين، كما أن آثاره وتداعياته المتوقعة ستوضح للرأي العام العربي خاصة إلى أي مدى يتاشبك الإرث الدموي بين الخليفيين والإسرائيليين، ما يجعل من الجانبين على مودة واحدة، وفي شغف لا حدود له لتبادل المحبة والامتنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى