عباس بوصفوانمقالات

البحرين على وقع الانتخابات: مزيد من خيبة الأمل

عباس بوصفوان إعلامي - لندن
عباس بوصفوان
إعلامي – لندن

توقع متفائلون أن تجري السلطات الرسمية في البحرين تعديلات معقولة على الدوائر الانتخابية، من أجل استقطاب “الوفاق” وجمعيات المعارضة الأخرى للمشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية المرتقبة، وأن تشمل الإجراءات الإيجابية الأخرى تحسين شروط العملية الانتخابية، بما في ذلك الإعلان عن هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات.

لقد خاب هذا الظن كليا، في 22 سبتمبر، بعد صدور جملة من القرارات والمراسيم، التي حددت موعد الانتخابات في 22 نوفمبر المقبل، وإعادة تشكيل الدوائر الانتخابية على نحو تمنح الجماعات الموالية للنظام 22 مقعدا من أصل 40، أي أغلبية واضحة في مجلس النواب المنتخب، مقابل 16 مقعدا للمعارضين، يمكن أن يضاف إليهم مقعدين آخرين، واقعين في دائرتين يرجح أنهما قد تشهدان منافسة بين المعارضين والموالين.

وبطبيعة الحال، يجب أن ندرك أن مجلس النواب لا يمثل إلا نصف المؤسسة التشريعية، نصفها الثاني مجلس الشورى المعين المكون من 40 عضوا، عادة يقوم الملك حمد، ذي الصلاحيات المطلقة، باختيارهم من الأجنحة الموالية للنظام، ولا يوجد خلال تجارب مجلس الشورى المتتالية أي استثناء لهذه القاعدة.

ولذا، فإن العدد الفعلي لمقاعد الموالين في البرلمان هو في حدود 62 مقعدا، وللمعارضين 18 مقعدا، في أحسن الظروف، من أصل 80، هو مجموع أعضاء مجلسي الشورى والنواب.

في الواقع، فإنه يفترض أن تكون خيبة المتفائلين قد أصيبت في مقتل، حين أعلن ولي العهد سلمان بن حمد، وثيقة الوجهاء والأعيان، دون أي مشاورة أو نقاش، إنما خطب ولي العهد في الحضور وطلب منهم البصم على الوثيقة، التي هي عبارة عن تعديلات دستورية مقترحة من طرف الديوان الملكي، يفترض أن يتم تمريرها من خلال البرلمان المقبل، لكن هذه التغييرات لا تغير من تركيبة المؤسسة التشريعية، ولا تعلي من شأن المنتخبين على المعينين، ولا تضيف أي صلاحيات ذات مغزى لمجلس النواب المنتخب.

كما لا تغير “الإصلاحات” المفترضة من هيكلة السلطة التنفيذية التي ستظل تحت هيمنة الأسرة الخليفية الحاكمة. وكذا لا تلامس الوثيقة موازين القوى في المؤسسة الأمنية التي يحتكرها النظام، وعمادها من المجنسين. ولا تقترح الوثيقة أي تعديلات  تدعم استقلال القضاء، أو تخفف من كونه أداة بيد الأسرة الحاكمة.

إن وثيقة الأعيان، والفرمانات التي تلتها، قد حسمت شكل البرلمان المقبل، كما حددت مسار العملية التشريعية، ومخرجاتها، في بلد تتم فيه أغلب التدخلات في العملية الانتخابية ليس في يوم الانتخابات، وإنما قبلها عبر (1) التحكم في رسم الدوائر، التي تمنح أقلية عددية للمعارضين، و(2) السيطرة على مدخلات المرشحين المحتملين من الموالين، لمنع وصول صوت على شاكلة أسامة التميمي من جديد، وقلما يتم التلاعب أو التزوير في أصوات الناخبين في يوم الانتخابات، إلا في عدد محدد من الدوائر عبر الزج بالعسكريين والسعوديين وغير السعوديين المجنسين.

وإن كانت الانتخابات المرتقبة استثناء لأنها يرجح أن تشهد  مقاطعة واسعة، ولعل النظام سيكون معنيا بزيادة وتيرة المشاركين، وتزوير نسبة المشاركة، ولذا لن نستغرب وجود رقمين لنسب المشاركة كما حدث 2002، و2011، أحدهما تتبناه وسائل الإعلام العالمية والمعارضة، وآخر تروج له السلطة، التي تريد القول أن المشاركة فوق  50%، في محاولة لمنحها شرعية مفقودة.

ومع ذلك، فإن بعض أطراف المعارضة مازالت ترى أن وثيقة ولي العهد فرصة سانحة للحوار، خصوصا تلك القوى المحدودة التأثير، لكنها المعبرة عن مزاج مهم، داخل “الوفاق” التي تنادي بـ “اغتنام الفرصة، وعدم تضييع المتاح،” عبر المشاركة في الانتخابات، وعدم ترك فراغ في المؤسسة التشريعية، على علاتها.

ورغم إن الكثيرين يلومون جمعيات المعارضة على موقفها المثير للجدل ذاك، فإني أظن أن الخطاب الرئيسي للجمعيات، الذي يعبر عنه الشيخ علي سلمان أمين عام “الوفاق”، لا يهدف من تكرار دعوات الحوار إلاّ إلى رمي الكرة في ملعب السلطات، وينطبق ذلك على الرسالة التي بعثتها الجمعيات إلى ملك البلاد مؤخرا، تحمله مسئولية الأزمة المتفاقمة، وتدعوه للبحث عن توافق سياسي، تم فقدانه منذ اختار الشيخ حمد آل خليفة، في 2002، أن يصدر دستورا دون مشاورة القوى السياسية، واستفتاء الشعب.

هذا النهج ذاته يمضي دون هوادة، فقد صدر مرسوم رسم الدوائر الانتخابية وتحويل البلاد إلى 4 محافظات بدل 5، بإلغاء المحافظة الوسطى، لتفاجئ الجميع في البلاد: معارضين، وكذا موالين اعتقدوا لحظة أنهم قد يكونون شركاء في القرار.

وفي الواقع، فإن أطراف النظام تكاد تكون مجمعة على رفض تشكيل دوائر انتخابية عادلة، ومبنية وفق مبدأ “صوت لكل مواطن”، لأسباب عدة:

أولا، أنها ستتيح انتخابات عالية الوتيرة والسخونة، وذات نبرة وطنية جلية. وقد تدفع مثل هذه الدوائر القوى السياسية المختلفة، الشيعية والسنية، الإسلامية والليبرالية/ الوطنية، للتحالف في بعض الدوائر، وإعلان مرشحين مشتركين (قائمة انتخابية واحدة) من أجل الفوز بأصوات الناخبين الذين سيكون بالضرورة في دوائر مشتركة، إذا ما رسمت دوائر وفق اعتبارات وطنية.

إن ذلك يعني أن يتحالف الشيعي مع السني على برنامج وطني، وبذا يبدأ مسار قد يفضي إلى سقوط ذرائع الطائفية المقيتة، أحد أهم بنود الثورة المضادة، التي تروج كذبا بأن المطالب الديمقراطية في البحرين ليست أكثر من مقولات طائفية.كما يمكن أن يفضي برنامج الإصلاح المشترك الشيعي السني إلى عزل النظام داخليا.. وخارجيا.

ثانيا، إن وجود دوائر عادلة، سيعني تلقائيا بروز أغلبية شيعية في مجلس النواب، وهو أمر يمقته النظام، الذي يحاول مرارا ـ من دون أن ينجح ـ يحاول نفي ما هو متعارف عليه عالميا، وما تثبه جميع الدلائل، من إن البحرين لها هوية مشتركة شيعية سنية، وأغلبية سكانية من المسلمين الشيعة.

ولمن يعتقد أن إجراء تعديلات في الدوائر تقل حيوية عن تعديلات في البرلمان، فلعله لا يدرك عمق الإشكال الديمغرافي الذي يؤرق الملك حمد، والذي يدفعه لاتخاذ إجراءات تودي بالبلد إلى الهاوية، بما في ذلك القيام بعمليات تجنيس بوتيرة متصاعدة، زادت من حنق الشيعة والسنة، ودفعت الموالين السنة للهجرة إلى قطر، فيما لا يجد الكثير من الشيعة خيار إلا الدعوة لرفع شعار “يسقط حمد”.

في ظل ذلك، لعل المعارضة تكون مشغولة بتفعيل مقولات المقاطعة، وجمع أوراقها للضغط على  النظام، والاستعداد لفترة طويلة تكون فيها البحرين تحت الأضواء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى