المنامةتقارير

الجسد السياسي غير المرئي: محمد خاتم وحصار المعيشة

 

البحرين اليوم – (خاص)

يدافع محمد خاتم عن عائلته كما يدافع الفارس الروماني عن مملكته، وهو يستعدّ لأن يُزجّ به في السجن مرةً أخرى بعد أن قضى 14 يوما في السجن بتهمة التجمهر. الحقيقة أن محمد خاتم لم يتجمهر، بل احتجّ بمفرده وكَتبَ على ثوبه معاناته، ولكن القانون الأمني في البحرين يمتلك من المطاطية ما لا تمتلكه الأنظمة الشمولية والاستبدادية، لجهة القدرة على تمطيط القوانين وتكييفها حسب كل قضية.

في أغسطس 1993 تجمّع عدد من العاطلين أمام بوابة وزارة العمل بالبحرين بناءاً على دعوة أطلقها الشيخ علي سلمان من مسجد الخواجة بالعاصمة المنامة، دعا فيها العاطلين لإظهار مشكلتهم أمام المسؤولين الذين كانوا ينكرون وجود البطالة وأنها مشكلة اقتصادية واجتماعية. في 2005م أعاد الحقوقي عبدالهادي الخواجة مسألة البطالة إلى الواجهة بعد أن تفاقمت أعداد العاطلين، بالأخص الجامعيين منهم. لم يكن تعامل الأجهزة الأمنية التي تدير شئون الجزيرة الصغيرة قد اختلفت في تعاملها مع المحتجين ضد البطالة، سواء في 1993 أو 2005م، وإذا ما أسعفنا التاريخ فإن قضايا العمال الذين احتجوا على سوء أوضاعهم في شركة ألبا في 1974 واجهوا نفس المسار العنيف، بالسجن والاعتقال.

خاتم ربٌّ عائلة مكونة من خمسة أطفال، تعرض للفصل التعسفي من العمل، وخلّف وراءه قروضاً بنكية لم يكن بوسعه تسديدها، الأمر الذي فرض عليه حصار بنكي لمصادرة كل أمواله والحجز عليها. سعى كثيرا لأن يحصل على عمل يعينه على تسديد قروضه، لكنه وجد أمواج بحر البطالة عاتيةً جدا، وأكبر من أن يصارعها بحسده وحيداً.

 

السجل المعاند

 

يمتلك محمد خاتم سجلا معاندا مع النظام يعود لفترة الانتفاضة الدستورية في 1994 حيث تمّ الحكم عليه بالمؤبد، وأُعبر المتهم الثاني مع الشهيد عيسى قمبر، الذي حُكم عليه بالإعدام. وشاءت الأقدار أن يُفرج عنه في 2001 مع كافة المعتقلين وقتها. كان الإنفراج الأمني وقتها يكفي للتغطية على أمورٍ كثيرة عالقة لم يجد النظام حلولا لها،  أو بالأحرى لم يرد أن يُقدم على خطواتٍ عملية لحلّها، من بينها قضية البطالة.

الذين تمّ الإفراج عنهم حملوا معهم ندبات السجن والتعذيب، لتكون شواهد وعلامات تاريخية باقية، وحملوا معهم أيضاً شفرة التمييز الذي سيقع عليهم، أينما وُجدوا. لهذا، ظلّ محمد خاتم عاطلا عن العمل لأكثر من 4 أعوام، بعد الإفراج عنه بسبب سجله المعارض.

في خطوةٍ رائدة؛ أقدم خاتم على الاعتصام أمام الديوان الملكي في 2004م وصادف اعتصامه مرور موكب حمد عيسى، فحاصره رجالُ الشرطة، وتمّت تعريته من قميصه لإبعاده عن مسار الموكب الملكي. تفاعلت وسائل الإعلام الشعبي مع قصته وقصص ناشطين آخرين يعتصمون ضد البطالة، فتم توظيفه “مراسلا” في إحدى الوزرات الحكومية تفادياً لأي فضيحة.

في 2018م، وبعد أن فُصل من عمله، وبقي عاطلا لعدة شهور، عجز خلالها عن توفير لقمة العيش لأطفاله؛ أعاد خاتم تجربة احتجاجه على أمل أن تكون مأساته الاقتصادية وسيلة لرؤيته والنظر إليه. ولكن النظام يدرك تماماً أن جسد السياسي يجب أن يظل غير مرئي دائما، وأن يكون جسده علامةً على الخضوع لا أن يكون علامة على الاحتجاج. وهذا ما حدث قبل عدة أشهر مع بائع السمك فلامرزي، الذي تم تطويع جسده ليكون علامة على كرم الحاكم وعطفه لأنّ جسده لم يكن جسدا سياسيا.

اما جسد خاتم فهو جسد سياسي، ويجب أن يكون مختفيا وغير مرئي، ولهذا تم اعتقاله قبل أن يُنهي اعتصامه، وكتب على حسابه في توتير اثناء اعتقاله أنه قد يواجه الموت أو الاعتقال الطويل.

بعد الإفراج عنه أعاد خاتم احتجاجه ليكون شاهد إثبات على معاناة أبناء شعب الجزيرة الصغيرة، والتي توشك أن تقع في الإفلاس نتيجة لبذخ الحاكم الخليفي وعائلته. ونتيجة لسياسات الإفقار المعتمد ضد المواطنين الأصليين.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى