مقالات

حمد.. ليس مرحبا بك في لندن

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: باقر المشهدي

كاتب متخصص في شؤون الخليج

 

هو الأكثر ترددا على زيارة المملكة المتحدة من بين زعماء دول الخليج، كما إن عائلته هي الأكثر انتظاما في كلية ساندهيرست العسكرية، في الوقت الذي يعد حمد عيسى الخليفة الأفقر ماليا بين زعماء دول الخليج، ولا تتعدى ممتلكاته في بريطانيا المليار دولار مقارنة مع ممتلكات زعماء قطر أو الكويت. ثلاثة أمور يحرص حمد عيسى الخليفة على الاعتناء بها في كل زيارة يقوم بها إلى لندن، الأمر الأول هو حرصه على أوسع تغطية إعلامية لزيارته، حيث يلقى هناك حفاوة بالغة على المستويات كافة، ويتوج بلقاء مع الملكة اليزابيث الثانية. الأمر الثاني هو مرافقة نجله ناصر معه في كل زيارة. الأمر الثالث والأخير هم أن يتابع العقارات التي تملكها العائلة في بريطانيا والتي تقدر بأكثر من 900 مليون دولار إضافة إلى جملة الأصول المصرفية الخاصة بالبحرين الموجودة في المملكة المتحدة البالغة حوالي (11.1 مليار دولار)، عدا عن الاستثمارات الأخرى في المملكة المتحدة.

في المقابل، فإن حمد نفسه يتحاشى في زيارته أيضا ثلاثة أمور تعتبر مزعجة بالنسبة له ولعائلته. الأول هو هروبه من تظاهرات النشطاء والمحتجين على زيارته. والثاني حرصه على عدم الحديث في القضايا السياسية التي تخص البحرين. أما الأمر الأخير الذي يتحاشاه فهو الملاحقات الحقوقية التي تطاله وتطال نجله ناصر الذي يرافقه بشكل دائم.

 

الترحيب بالاستعمار

 

في زيارته لبريطانيا العام 2013 نشرت المواقع الخبرية كلمة حمد عيسى الخليفة كلمة ألقاها خلال حفل استقبال أقامه في لندن لحضور “مهرجان ويندسور” الدولي للفروسية، تطرق فيها إلى الأوضاع في البحرين وعبّر عن ارتياحه لتجاوز الأزمة، وعن أسفه لأن البحرين تواجه “فئة تخريبية قليلة تمارس العنف وتتلقى الدعم والتحريض من عناصر معادية خارج المملكة”. وقال حمد عيسى الخليفة، إن بلاده منحت جنسيتها لـ(240) بريطانيا من أصل تسعة آلاف يقيمون على أراضيها، كما أن إجمالي أصول المملكة المصرفية في لندن تجاوزت (11 مليار دولار)، وانتقد في الوقت نفسه أداء الإعلام الغربي تجاه بلاده، معتبرا أنه لا يعكس ما يجري في البحرين بشكل إيجابي. وأشار حمد إلى مسيرة العلاقات بين البلدين حتى انسحاب بريطانيا من منطقة الخليج عام 1971 قائلا: “وقد تساءل والدنا عن سبب اتخاذ بريطانيا لذلك القرار من جانب واحد قائلاً: لماذا؟ هل طلب منكم أحد الذهاب؟ وفي الحقيقة ظل الوجود البريطاني حاضراً ومن دون أي تغيير في جميع الأغراض الاستراتيجية والعملية، ونحن نظن بأننا لن نستغني عنه”.

 

العسكرة أساس الملك

 

مع بداية تشكيل قوة الحرس الوطني في 1968 والتي تحولت لاحقا إلى قوة دفاع البحرين تم اختيار حمد عيسى الخليفة ليكون رئيسا لتلك القوة بعد تخرجه من كلية “مونز” العسكرية في بريطانيا، وهو نفس التاريخ الذي تخرج منه قائد قوة الدفاع الحالي المشير خليفة احمد الخليفة من كلية “ساندهيرست” في بريطانيا أيضا برتبة ملازم.

ستكون هذه الكلية بوابة العلاقات العميقة بين العوائل الحاكمة في الخليج والرؤساء في العالم، فأموال أمراء الخليج السخيِّة ليست خارج المعادلة؛ فقد تلقَّت أكاديمية «ساندهيرست»، خلال العامين السابقين فقط، تبرعًا بقيمة 15 مليون جنيه إسترليني من الإمارات لإنشاء مبنى سكني جديد يحمل اسم الشيخ زايد آل نهيان مؤسس دولة الإمارات، وفي مارس 2013، أعيد افتتاح المركز الرياضي بالأكاديمة “مونس هول” صالة مونس (نسبة الى المعركة الشهيرة في الحرب العالمية الاولى)، باسم “كنج حمد هول” (صالة الملك حمد)، بعد تبرع حمد بن عيسي، الذي درس في كليات تابعة للأكاديمية، بمبلغ 3 مليون استرليني لتشييدها. ورغم شيوع مشاعر الغضب حول استبدال التسمية وقتها وما اعتبر أنه انتهاز سياسي وابتزاز قام به حمد عيسى الخليفة استغل فيها حاجة الكلية للأموال لفرض اسمه بديلا عن رمز بريطاني راسخ في الذاكرة البريطانية، إلا أن حمد عيسى الخليفة دائما ما شعر بأن ساندهيرست مكانا رائعا، “وهناك 20 من أفراد عائلته يدرسون في الأكاديمية. إضافة لذلك فإن 40% من الطلاب الأجانب عن بريطانيا في الأكاديمية في 2013 كانوا من أنباء وعوائل حكام الخليج، وذلك يعود للكلفة العالية للفرد حيث مدة الدراسة في ساندهيرست 44 أسبوع أي أقل من سنة وتكلفة الدراسة فيها105,000£ (جنيه استرليني) أي مايعادل220,000$ (دولار).

أكثر من ذلك فإن خريجي هذه الكلية يعتبرون زعماء الإنقلابات في دولهم وفي دول الخليج؛ قاد أكثر من متخرج انقلابا في بلده كما في حالة قابوس الذي انقلب على أبيه، ومحمد بن زايد الذي انقلب على أخوته، وحمد بن جاسم الذي انقلب على أبيه، الأمر الذي يثير الشكوك كثيرا حول رغبة المشير خليفة أحمد بقيادة انقلاب أبيض في البحرين أيضا، أو إمكانية انقلاب ناصر حمد عيسى على أخيه ولي العهد. بقي أن نعرف أن عدد الذين تخرجوا من كلية ساندهيرست من البحرين يقدر بحوالي 60 شخصا، 49 من عائلة آل خليفة والبقية من القبائل الداعمة لهم.

وعبر هذه العلاقة تنسج علاقات تجارية أوسع من بينها صفقات الأسلحة ومبيعات السلاح بين زعماء الخليج وشركات السلاح البريطانية، حيث كانت زيارة حمد عيسى في 2006 قد تركزت على قضايا الدفاع والأمن، “ولا غروَ فـالسياسة البريطانية في الخليج تجارية في المقام الأول، أما القلق حول حقوق الإنسان والإصلاح فيأتي في مرتبة ثانوية”، على حد قول كريستيان كوتس أولريكسون، من معهد باكر في هيوستن بتكساس.

يشار هنا إلى أن حمد عيسى تعمقت علاقته بالعائلة المالكة في 1986 خلال زيارة الاميرة ديانا والأمير فيلب البحرين وعمان وقطر وقتها، وكانت مراسلات السفارة البريطانية مشغولة جدا بحالات التعذيب والقتل في السجون الخليفية، وحول أهمية إبقاء الشخصية المثيرة للجدل ايان هندسون رئيسا لجهاز الاستخبارات رغم كونه بريطاني الجنسية.

 

الخيول أهم من السياسية

 

يحاول حمد عيسى في كل زيارة أن يقرب نفسه من الملكة اليزبيث الثانية، ويبتعد عن اللقاءات السياسية مع السياسيين البريطانيين الداعمين لحكومته رسميا. فالزيارات التي دأب على تكرارها كل عام منذ 2012 تأتي ضمن مشاركته في سباق الخيول المقام في قلعة وندسور الشهيرة، والتي تعد من أهم سباقات الخيول في أوربا. وكانت الملكة البريطانية قد أهدت حمد عيسى خيلا عريبا أصيلا في 2014. بدوره كانت عائلة آل خليفة تغدق الهدايا والمجوهرات الثمينة على أعضاء العائلة الملكة البريطانية وعلى المسؤولين ونواب البرلمان ومجلس اللوردات عند زيارتهم للبحرين. وقد شن وزير الخارجية الأسبق “دينيس ماكشين” في 2012 هجوما عنيفا على زوجة الأمير ادوارد بسبب قبولها مجوهرات نفسية من العائلة الحاكمة في البحرين. يشار هنا إلى أن حمد عيسى فضل في العام 2015 حضور مهرجان الخيول على لقاء قمة أوباما وأناب ولي عهده سلمان لحضور تلك القمة.

عبر هذه الوسيلة يحاول حمد عيسى أن يظهر نفسه كأحد أصدقاء العائلة المالكة في بريطانيا ليتجنب في كل زيارة الاحتجاجات التي يقوم بها نشطاء بحرانيون في لندن ضد زيارته وزيارة نجله المدلل ناصر الذي يُعتقد أن تعلقه برياضة سباق الخيول هي التي جعلت من أبيه يجلبه معه كل مرة يشارك فيها في سباق وندسور، خصوصا وأن هذا السباق يشارك فيه صهره محمد بن راشد بن مكتوم.

 

مطالب المحتجين

 

في كل زيارة لحمد عيسى للندن ينشط البحارنة المضطهدين في مملكته والمقيمين في لندن للاحتجاج على زيارته، ويقوم جهاز الاستخبارات التابع لحمد بملاحقة عوائل النشطاء في البحرين واحتجازهم كرهائن والطلب منهم الضغط على أبنائهم في لندن لعدم تنظيم الاحتجاجات، وقد رفع عدة نواب في مجلس اللوردات عريضة هذا العام لمساءلة الحكومة البريطانية حماية المحتجين وعوائلهم، وإلا منع الزيارة، لأنها تشكل خرقا أخلاقيا فاضحا وتدخلا في الأعراف الديمقراطية البريطانية. وتكاد مطالب المحتجين تتفق على أهمية وضرورة إنجاز التحول الديمقراطي الكامل في البحرين، والبدء في إجراءات العدالة الانتقالية ومحاكمة المسؤولين عن جرائم التعذيب وجرائم القتل خارج القانون. وهي مطالب صحيحة في ذاتها وصحيحة من أجل بناء استقرار أكثر أمنا في منطقة الخليج، خصوصا بعد تورط حمد عيسى في الحرب الظالمة على اليمن، والمشاركة في فرض حصار على دولة قطر، فضلا عن إستراتيجيته الداخلية الخاصة بالتغيير الديمغرافي للسكان في البحرين والتخطيط لتشكيل شعب جديد في البحرين من أصول مختلفة غير بحرانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى