ما وراء الخبر

زيارة السيسي إلى البحرين: رفْع اليد عن المخلوع مبارك.. وانتظار “الجائزة” الثمينة من السعودية

 

البحرين اليوم – (متابعات)

“ليس هناك الكثير من السياسة الحقيقية”. هذا هو العنوان العام الذي يفضل مراقبون وضْعه لاختصار “دلالات” الزيارة السريعة التي قام بها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى البحرين، وانتهت اليوم الثلاثاء، ٩ مايو ٢٠١٧م. وبحسب المصادر السياسية التي تحدثت إلى (البحرين اليوم)؛ فإن الزيارة كانت “بمثابة إعلان مصغر للاحتفال بإنجاز اتفاقٍ خاص سابق بين حمد والسيسي، وبحضور ظلال طاغية من السعوديين”، وتمثّل في “رفْع” اليد عن الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي تربطه علاقة خاصة مع الحاكم الخليفي حمد عيسى، وعمل الأخير خلال زيارات متتالية للقاهرة في السنوات الثلاث الماضية لإتمام هذا الاتفاق بموافقة من آل سعود، إلا أن المصادر لا تتحدث عن “مقابل مجزٍ” يترقب السيسي الحصول عليه من حمد، مشيرين إلى أن الجائزة التي يتأملها لها السيسي ينتظرها من السعودية، ومن الإمارات، رغم جُدران الخصومة المضمرة بينهما على أكثر من ساحة، وبينها الساحة المصرية.

وقد حرص الخليفيون على تقليد السيسي الأوسمة وإحاطته بـ”حرارة الاستقبال” ولكن من “غير مضامين سياسية” ذات معنى رغم طبيعة الزيارة التي جاءت في “سياق مضطرب” متشابه بين البلدين، حيث اعتادت التقارير الدولية أن توردهما معاً في مرمى توثيق الانتهاكات ورسم معالم “اللحظة الراهنة” للوضع العربي، كما هو الحال في تقريري (مراسلون بلا حدود) و(فريدوم هاوس) الأخيرين. وعلى ذات الطاقة التي يعمل عليها نظام السيسي، وبمعرفةٍ لصيقة بما يتقاطع فيه النظامان؛ فقد عمل النظام الخليفي على إطلاق حملة “دعائية” في استقبال السيسي بالبحرين، مستعيناً ببعض المصريين الذين يعملون ضمن “رابطة الجالية المصرية”، والمرتبطة بالسفارة المصرية في المنامة؛ والتي تولت مهمة نشْر حملات إلكترونية تمجيدا للسيسي وإبداء “الحبّ الكبير” له، وهي حملات لاحظ متابعون بأنها “بدت هزيلة، ولم تأخذ تجاوباً بين عموم المصريين في البحرين ومصر على حد سواء”.

يضيف محللون بأن “السيسي يعرف جيداً أن آل سعود معنيون بإمساك الوضع في البحرين، وهو اختار أن يُقدِّم رسائل الشكر – مقدَّماً ومؤخراً – إلى السعوديين وأن يلوّح بالعربون المفتوح لمنْ (يدفع أكثر) من خلال ساحة البحرين”، فبادر إلى ترديد “العبارات المحنطة” التي يتم توزيعها في أروقة جامعة الدول العربية، في مقرها بالقاهرة، كلما وقعَ حدث في البحرين أو أُعلن عن عملية تستهدف قوات آل خليفة أو صدرت إدانة من إيران على الانتهاكات في البلاد. ولكن آل خليفة، وآل سعود بالطبع، يعلمون أن عبارات من قبيل “الالتزام بأمن البحرين” لا تُطلق “في الهواء” في الحالة المصرية، حيث إن هناك “الكثير من الخبرات الأمنية والعسكرية” التي يتأهَّل – ويتأهّب – النظام المصري لتقديمها للخليفيين، وليس التدريبات المشتركة – المعلنة وغير المعلنة – غير “غلاف روتيني” لما هو أكثر من ذلك، ولاسيما في هذا الظرف الذي قرر السعوديون فيه توجيه “كل القبائل المقاتلة” إلى البحرين وإشراكها في عمليات القمع والاضطهاد الممنهج، وتوزيع دماء البحرانيين بينها، تحسباً لأي تطورات مقبلة من “ردود الأفعال المؤلمة”، التي لا يُستبعد أن تكون “أوسع حجماً وارتداداً من خارطة البحرين الجغرافية”.

من جهة أخرى، وفي الوقت الذي قد لا يجد السيسي الكثيرَ من الكويت – والتي أخذ منها الرئيسُ التركي أردوغان – العدو الفاضح للسيسي – الكمَّ الأكبر من “الذهب” بعد تدشين مشروع توسعة المطار الذي تتولاه شركات تركية – فإنه لا يجد بُدا من التوجه إلى منْ/ ما هو “أدنى” من أجل اقتناص وسائل انتزاع وامتصاص “الأرقام السعودية المغرية”، لاسيما وأن آل سعود في وضع يسمح لكلّ الراغبين في الاستنزاف أن يجرّوا حظوظهم، ومن غير “كثير من جهد الإقناع السياسي ومهارات التفاوض”.  وعلى خلاف ما يظهر عليه السيسي، أو كما يحلو لخصومه أن يروّجوا، فإن الرّجل – والفريق الذي يعمل معه – ليسوا على درجة “ساخرة” من البساطة و”ضعف الهيبة”. فالإستراتيجية التي اتبعها “فراعنة” مصر على مرّ التاريخ كانت تقوم على قاعدة الظهور بلباس البساطة وارتداء قناع “الأبويّة العطوفة”، إدراكاً منهم أن الشريحة الأكبر من ملايين المصريين هم من عموم الناس، ومن أولئك الذين يؤثر عليهم سريعاً، وبالتنويم التلفزي، نجومُ الـ”توك شو” الذين يتلقون تعاليم وتقارير محدّدة من المخابرات العسكرية قبل الظهور على الشاشات التي لا تنقطع عن المقاهي المصرية، الشعبية والمودرن على حد سواء.

على هذا النحو، فلا فائدة من قراءة زيارة السيسي للبحرين من باب بيانات “التصدي المشترك للتدخلات الخارجية”، أو من لمعان “أعلى وسام رُصّع على صدر السيسي”. وبدلاً من ذلك، فمن المفيد العودة للوراء قليلاً، أو كثيراً، واسترجاع شريط “الخصوصية” التي أصرّ عليها الخليفيون في العلاقة مع المخلوع حسني مبارك، منذ لحظة الاهتزاز الذي دبّ في القاهرة عشية ٢٥ يناير، ومرورا بيوم وُضِعَ أكثر “فراعنة مصر شبهاً بخليفة سلمان” داخل قفص المحاكمة، وانتهاءاً بالنهايات المتدرجة يوم هنّأً حمد مبارك بصدور أول حكم براءة، وزيارته السرية في بيته بمصر الجديدة يوم إطلاق سراحه الشهر الماضي.

على مدى تلك السلسلة؛ كان حمد يزور مصر مرتين في السنة على الأقل، وأراد أن يكون “مصرياً أكثر من المصريين” بتملُّك عقار في شرم الشرخ، والتنزُّه في خليج نعمة بين السّياح الأجانب، وإدخال بعض الأنفاس إلى صدره “المخنوقة من شعبه” على رمال شواطيء شرم الشرخ ودهب، وبمعية أبنائه، الجلادين، ناصر وخالد. كانت تلك الزيارات، كما تتحدث المصادر، “ستاراً للقاءات مكثفة وحميمية مع مبارك” وتخللتها “وعود بإنهاء المحنة، ونقْل رسائل المحبة الأكبر من آل سعود”. وغير بعيد – تتابع المصادر – أن هناك “مشروعاً سعوديا يتم إعداده لتهيئة وضع جديد في مصر، لإفشال المشروع الإماراتي في وجهه السياسي والاقتصادي”. ومن المعروف بأن هناك “تنافسا” بين الرياض وأبوظبي في حركة الاستثمار داخل مصر، بالتوازي مع تنافس “أكثر احتداماً” في المربع السياسي، حيث تذكر أوساط إعلامية بأن الإمارات تعمل على إعداد “شخصية قريبة منها” للدفع به في الانتخابات الرئاسية المقبلة، في حين تشير هذه الأوساط إلى السعوديين والخليفيين يعملون على “إعادة تصدير عائلة حسني مبارك إلى داخل المسرح السياسي، وربما خوْض الانتخابات التي قد تحمل نتائج غير متوقعة على وقع الوضع الأمني غير المستقر في البلاد، والذي قد يُؤجج رفضا شعبياً للوضع القائم”.

في النهاية، تضيف المصادر لـ(البحرين اليوم)، “فإن الطبخة باتت شبه جاهزة”، والمطلوب حالياً من النظام المصري أن يتخلص من مشكلة “العائق القطري” من ناحية، ويتجاوز من ناحيةٍ أخرى “عدمَ الرغبة السعودية في التصادم مع الأتراك”، وبعد ذلك فإن السيسي ومنْ معه لن يترددوا في “تقديم ما هو مطلوب منهم، وبما يكسر كلّ نتائج ما بعد ٢٥ يناير، وعلى نحو أكثر خفة من ٣٠ يونيو”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى