مقالات

ليس ضد عريضة “المجلس التأسيسي”.. ولكن

 

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: كريم العرادي

كاتب من البحرين

 

ورث إئتلاف شباب ١٤ فبراير تاريخا مهما تراكم منذ بدء ثورة العام ٢٠١١م. لا شك أن نشأة الإئتلاف لها حكاية ليس هذا الوقت المناسب لروايتها، ولكن المؤكد أن هذا الفصيل الثوري سجل محطات مهمة في تاريخ الثورة، وكان له الفضل في حمل الراية والحفاظ عليها، وخاصة في السنوات الثلاث التي أعقبت الاحتلال السعودي للبحرين في مارس ٢٠١١م.

ومن المفيد أن نتذكر هنا أن الإئتلاف كان مفيدا، وحيويا، وهاما، باعتباره قوة ثورية، معنية بالحضور الميداني، والإبقاء على جذوة الثورة في الشوارع وفي الوجدان الشعبي العام. ولكونه وليد ثورة ١٤ فبراير، فقد كان من الطبيعي أن تكون هويته مطبوعة باللؤلؤة والمنصة التي كانت شهدت أهداف الثورة. ولأن الوضع، حتى الآن، لازال بحاجة ماسة للدور الثوري الذي به برز الإئتلاف، ولأن الواقع المحلي لم يفرز حتى الآن مجموعة أو تكتلا أو تحالفا سياسيا، يكون معنيا بالدور السياسي، فقد تسارع – وربما تسرّع – الإئتلاف في طرح مبادرات ذات طابع سياسي، والدخول في هذا المعترك الذي يحتاج إلى ظروف ومواصفات غير متحققة في الواقع العام، ولا ينبغي للإئتلاف الانخراط فيها.

هذا الكلام موجه خاصة إلى الإئتلاف، من بين القوى الثورية الأخرى، لأن هذه القوى الأخرى هي بالأصل جماعات أو كيانات سياسية لها رموزها ومنشأها المعروف، وحملت على عاتقها أهدافا ومشاريع ثورية، ولكنها في الأساس تعتبر تكوينات سياسية – بعضها بأبعاد دينية ثورية، وبعضها بأبعاد وطنية ثورية – لاسيما وأن بعض هذه القوى دخل في مشروع سياسي مشترك (التحالف من أجل الجمهورية)، وكان من الصحيح ألا يكون الإئتلاف في مثل هذا التحالف، وألا ينضم إليه، وأن يبقي على هويته الثورية الميدانية، بما هو قوة على الأرض، وذراع تعبوي في الميدان، وليس تنظيما سياسيا له أساسه الحزبي، وشخوصه الرمزية، وأدواته في التفاوض العام.

في السنوات القليلة الماضية، زاوج الإئتلاف بين دوره الأصيل بما هو رافعة للعمل الميداني، وبين الدور السياسي، ولأسباب كثيرة ليس هنا مكان الخوض فيها. ظهرت هذه المزاوجة من خلال تبني أو إعلان الإئتلاف لمشاريع وبرامج ذات طابع سياسي خالص، ولها عناوين مرتبطة ارتباطا مباشرا بالتخطيط للمستقبل السياسي وآليات معالجة “الأزمة” السياسية. وهذه العناوين، كما هو معروف، لا يمكن أن تكون ذات مغزى ما لم تكن قائمة على متطلبات العمل السياسي الناجح، وأولها إتمام المشاركة الواسعة في إدارة هذا العمل، ووجود منبر سياسي موحد ومشخص للتعبير عنه، والاتفاق الواضح على الآفاق المرحلية للمضي بهذا العمل، بما في ذلك المشاريع السياسية الرديفة المطلوبة، والبدائل السياسية المقترحة، وصولا إلى مخطط التواصل الإقليمي والدولي. وكل ذلك بحاجة إلى حيوية سياسية، ونشاط إقليمي ودولي واضح المعالم والأهداف. ونظرا لطبيعة الإئتلاف، هويةً ونشأةً، فإنه لا يتوافر على ذلك، وليس مطلوبا منه ذلك أصلا.

لعل مشروع العريضة الشعبية التي يبدو أن الإئتلاف هو الرافعة الأساسية لها – إضافة إلى فصيل سياسي معروف له إشكالاته الداخلية – يمكن أن يكون مثالا توضيحيا على هذا الإشكال الذي ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار.

تدعو العريضة إلى إنشاء مجلس تأسيسي، يتولى بناء قواعد الدولة الجديدة. وكما يبدو من الإعلام، فإن العريضة سترفع إلى هيئات الأمم المتحدة، والجهات الدولية. هذا الخطاب هو عمل سياسي بحت، ولأن مشروع العريضة يتوجه إلى الناس وإلى العالم معا، فإن طابعه السياسي يتطلب كل احتياجات العمل السياسي – المذكور بعضها أعلاه – وهي كما نرى غير منجزة، ولا يبدو أن الإئتلاف قادر على توفيرها، ولو بالحد الأدنى المطلوب لإنجاح الفعل السياسي لمشروع العريضة. فهذا الأمر لا يمكن أن يتم إلا بوجود قوى سياسية، وتوافق معلن وحقيقي من قبل مجموع الشخصيات والقيادات السياسية، التي يُناط بها أن تضع أمام الرأي العام صورة واضحة للمشروع، وأن تدفع به ليكون محطة جوهرية، وآلية، نحو عمل سياسي جدي ودؤوب.

على الأخوة في الإئتلاف والداعمين للعريضة أن يدركوا أن أهميتهم وضرورتهم الأكبر هي في تطوير جوهر عملهم الأصيل، وهو العمل الثوري والجماهيري والتعبوي والميداني، وأنّ الدخول في العمل السياسي يعني التفريط في هذه الضرورة التي يحتاجها أي عمل سياسي معارض. أي أن هناك خسارة أو تأثيرا سلبيا في الاتجاهين. لا يعني ذلك بالطبع عدم طراوة وأهمية فكرة المجلس التأسيسي، ولكن هذه مهمة سياسية بامتياز، وأنْ يتولاها فصيل ميداني ثوري، وبأدواته الخاصة – السرية – هو إضعاف لها، وربما إساءة لها. ولذلك، مثلا، من حق الناس أن تسأل عن مصير العريضة السابقة التي كانت تطالب بتقرير المصير! فالمسألة هنا لا يجب أن تكون مجرد رغبة في “تخريب” مشاريع النظام، والتشويش عليها، وهذا أمر جيد ومطلوب، ولكن لا يجب أن يكون عبر استعمال أوراق سياسية لم تكتمل شروط نجاحها، واكتمال ظرفها التاريخي، ما يعني احتراقها سريعا، وتفويت فرصة تحريكها على الجيل المقبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى