مقالات

منْ هو “مانديلا البحرين”؟

 

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: كريم العرادي

كاتب من البحرين

 

لستُ معنياً هنا بالسجال وإثارة الموضوعات الهامشية، وأعرف تماما أن الوقت والظرف الراهن ليس مناسبا لاختبار المعارضين “في الخارج”، ولا في تقييم المعارضين “في الداخل”. الأمور كلها في البحرين، باعتقادي، لازالت في “المرحلة الانتقالية”، والوقت مبكّر قبل الاستعجال في محاكمة المواقف والآراء التي يريد البعض أن يقنعنا بأنها تمثل البحرين وأهلها، بما في هذه المواقف والآراء من استعلاء وإقصاء. الوقت مبكر جدا لوضع هذه المعارضة السياسية في دائرة الحساب الكبير، وعلينا – نحن المساكين – أن نتصبّر ونعض على الأيدي تحمّلا لكل ما يُقال وما يُروّج له من منابر هذه المعارضة أو تلك. فالوجهة، كما نعلم جميعا، هي النظام وأعوانه، والبوصلة هي باتجاه هذه العائلة الخبيثة التي تُفسد وتقتل وتضطهد. ولكني لستُ معارضا سياسيا، وبالتالي لا أتحمّل خياراتها وحساباتها، ولست مؤمنا بأي مشروع سياسي تعرضه المعارضات في البحرين، فلم أقرأ حتى الآن مشروعا يجعلني أؤمن به، وأكون منسجما معه. كل مشاريع المعارضة – وبعد هذه السنوات – هي مجرد أوراق يصلح الطنطنة عليها لإشغال فراغ البعض ونشوة البعض الآخر. ولكنها تبقى جهودا مشكورة، ولا شك!

والجديد في الأدلة هو ما سمعته اليوم من أحد “المستشارين القانونيين” بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمناضل المعروف نيلسون مانديلا. الأخ قال بأن المعارضة السياسية “السلمية” تمثل مانديلا البحرين، وذكر اسما لرمز سياسي “سلمي”، وآخر حقوقي “سلمي”، وقال بأنهما “نيلسون مانديلا البحرين”. ولا يهمني هنا الطبْع “الحصْري” الذي يشغل أخونا العزيز، ولكن الأكثر إثارة هي المغالطة التي وقع فيها حينما استبعد ذكر أسماء قيادات ورموز معتقلين هم أقرب لأن يكونوا شبهاً بمانديلا، ليس بسبب السنوات الأطول التي قضوها في المعتقلات – منذ التسعينات – أو بسبب العذابات المهولة التي تعرضوا لها والتي تعتبر غير مسبوقة بالنسبة لقيادات معارضة، وكذلك ليس لأن هذه الرموز شقّت على الأرض نضالا طويلا وصدحت بحقيقة المشروع التخريبي لآل خليفة، وقبل غيرها من “المانديليين الجُدد”.. ولكن أيضا لأن مانديلا لم يكن “سياسيا” أو “حقوقيا” أصلا، بل كان ثوريا، وبالمعنى الجذري.

الذين قرأوا تاريخ مانديلا يعرفون أنه وصل، على الأقل في العام ١٩٥٥م، إلى تصور حول حزب المؤتمر الوطني الأفريقي يقضي بأنه “لا بديل عن مقاومة مسلحة وعنيفة”. وقد عمل على إنشاء مجموعة مسلحة لتنظيم العمل العنفي، وتزعم جماعة مسلحة (رمح الأمة) وأصبحت لاحقا الجناح العسكري لحزب المؤتمر الوطني. لست هنا أدعي – بالطبع – بأن الرموز المعتقلين في البحرين كانوا يحملون هذا التصور، أو يؤمنون به، ولكني أريد أن أقول إن سيرة النضال الثوري التي عُرف بها مانديلا لا تشابه في شيء بما تُعرف به المعارضة السياسية في البحرين، وهذا ليس نقيصة فيها، أو مسبة لها، ولكن كل ما هنالك هو أن سيرتها وخيارها وأداؤها لا يلتقي في شيء كثير مع المعروف عن مانديلا. ربما تكون شبيهة في حدود معينة بنضال الزعيم الهندي غاندي، ولكن ليس بالتأكيد مانديلا. بالنسبة لرأيي الشخصي، فأنا سأكون سعيدا لو أن هذه المعارضة تشبّهت بمانديلا، بالفعل، وأخذت بتجربته الثورية على المستوى العملي، ولكنها حتى الآن أبعد ما تكون عن ذلك، رغم احتفائها بهذه التجربة، وهو احتفاء رمزي كما نعلم، ويُراد منه الاحتفال باستمرار النضال الذي مثله مانديلا، وليس في خيارات النضال الثوري التي آمن بها قبل اعتقاله ومحاكمته في العام ١٩٦٢م.

من زاوية أخرى، فإن الاحتفال الذي أقامه ناشطون حقوقيون يوم الأربعاء ١٨ يوليو ٢٠١٨ في العاصمة اللبنانية بيروت، بمناسبة اليوم العالمي لمانديلا، يدعونا جميعا إلى أن ننتفح أكثر في خيارات العمل الثوري، وربطه بالرؤية السياسية أو المشروع السياسي المعارض. أكرر القول بأنه ليس مطلوبا المطابقة الكاملة مع ثورية مانديلا المسلحة (التي كانت سرية ردحا من الزمن)، وأعلم أن مجرد الإفصاح عن الإيمان بهذا الخيار اليوم سيفتح أبواب جهنم ولوائح الإرهاب، ولكني أعتقد أن أهم درس قدمته تجربة مانديلا لم يتم استيعابها من المعارضين السياسيين في البحرين، وهو درس توسيع دائرة الخيارات، والكفّ عن إطلاق “الحصريّات”، سواء في التمثيل الرمزي أم في مروحة الخيارات الثورية. أما من ناحية الإرادة، والصمود، والإباء الذي لا ينكسر في النضال، فأظن أن في البحرين وسجونها اليوم منْ هم أعظم من مانديلا، وأكثر إبهارا من غاندي. ننتظر فقط التاريخ المقبل ليروي لنا قصص بعض هؤلاء الذين يترفّع صاحبنا عن ذكر حتى أسمائهم وهو يعدّد قيادات البحرين ورموزها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى