ساهر عريبيمقالات

كيف تستقبل بغداد مجرم حرب؟

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: ساهر عريبي

إعلامي عراقي مقيم في لندن

تسرّبت أنباء من العاصمة العراقية تفيد بقرب قيام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بن عبدالعزيز بزيارة إلى بغداد، هي الأولى من نوعها لمسؤول سعودي بهذا المستوى منذ قرابة الثلاثة عقود. أثارت هذه الأنباء جدلا كبيرا على الصعيد الشعبي في العراق أكثر مما أثارته على الصعيد الرسمي، إذ يبدو أن القوى السياسية العراقية في أشد الترحيب بهذه الزيارة التي لن تعود بنفع على العراق بالقدر الذي ستعود به على ولي العهد السعودي، الذي تتصاعد الأصوات في الدول الغربية المنددة بالحرب التي أعلنها على اليمن، والتي توشك أن تدخل عامها الرابع على التوالي.

وتأتي في مقدمة هذه الدول المملكة المتحدة التي زارها قبل أيام ولقي خلالها ترحيبا رسميا قابله غضب شعبي اعتراضا على فرش رئيسة الوزراء البريطانية ”تيريزا مي“ السجادة الحمراء احتفاءا بمن وصفه ناشطون بريطانيون مناهضون لتجارة الأسلحة بـ”مجرم حرب” و”مهندس الحرب العدوانية” على اليمن. إذ خرجت احتجاجات في مدينة لندن، وعُقد مهرجان خطابي أمام مقر رئاسة الوزراء في الوقت الذي كان يجري فيه ابن سلمان مباحثات داخله مع مي. وشارك في الإعتصام نواب وناشطون بريطانيون، وفي مقدمتهم النائب العمالي ”كريس ويليامسون“، وعضوة تحالف وقف الحرب ”ليندسي جيرمن“، حيث أُلقيت كلمات منددة بالزيارة، وتدعو الحكومة البريطانية إلى الوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ فيما يتعلق بالحرب الوحشية على اليمن.

تلك الحرب التي تقود فيها السعودية تحالفا من عشر دول؛ نفذت خلالها عشرات الآلاف من الطلعات الجوية التي أحالت اليمن إلى خراب، وتسببت بمقتل آلاف اليمنيين، ووضعت البلاد على حافة المجاعة، مع تقشي وباء الكوليرا في أكبر كارثة إنسانية من صنع بني البشر في القرن الحالي وفقا لهيئة الأمم المتحدة.

لكن السعودية – وبرغم كل هذا الدمار وبرغم كلفة الحرب الباهظة التي تقدر بعشرات المليارات من الدورلات؛ فإنها فشلت فشلا ذريعا في تحقيق مكاسب على الأرض، وعجزت عن إعادة حكومة الرئيس المخلوع عبد ربه هادي منصور إلى السلطة في صنعاء، التي يحكم “الحوثيون” قبضتهم عليها، صامدين بوجه الآلة العسكرية التي تتفوق عليهم بعشرات المرات، لكنها عجزت عن كسر إرادتهم في مقاومة أسطورية قل نظيرها في العصر الحديث.

ونتيجة لهذا الدمار؛ تتعالى الأصوات في بريطانيا وفي دول غربية أخرى تطالب بوقف تزويد السعودية بالأسلحة، وتدعو إلى إجراء تحقيق دولي في جرائمها باليمن، وبالتالي معتبرة ابن سلمان شخصية غير مرحّب بها. لكن الحكومة البريطانية لم تعط هذه النداءات آذانا صاغية، غير انه يمكن تفهم الموقف الحكومي البريطاني! فحكومة حزب المحافظين – وبعد ان مهّدت البلاد للخروج من الإتحاد الأوروبي، وبعد أن خسرت هذه الحكومة أغلبيتها البرلمانية في الإنتخابات الأخيرة؛ فإنها وجدت نفسها في مهب الريح بعد أن بات الخروج من الإتحاد الأوروبي يؤدي إلى فقدانها أكبر منظومة اقتصادية في العالم يقطنها نصف مليار إنسان، كانت تتمتع في داخلها بحرية التصدير وتنقل رؤوس الأموال والقوى العاملة.

وأما اليوم؛ فإن الخروج من هذه المنظومة سيلقي أعباءا كبيرة على الإقتصاد البريطاني، ولذا فإن حكومة المحافظين تسعى إلى إزاحة تلك الأعباء عبر تعزيز العلاقات مع دول الخليج وخاصة السعودية، وتحتل مقدمة ذلك صادرات الأسلحة والعقود التجارية. ومن جهة أخرى؛ فإن السعودية لم تلحق أي ضرر بالمملكة المتحدة إذا ما استثنينا بضعة عمليات إرهابية محدودة تتحمل السعودية مسؤوليتها بشكل غير مباشر. ولذلك فيمكن تفهّم الترحيب الحكومي بمحمد بن سلمان الذي حمل في جعبته عقودا بقيمة 100 مليار دولار أمضاها مع بريطانيا. وهكذا ضحت الحكومة البريطانية بسمعتها عبر استقبالها لمجرم حرب، وعبر غض الطرف عن الإنتهاكات الجسيمة التي ارتكبها في اليمن إكراما لعيون منافع اقتصادية ضخمة تحرك عجلة الإقتصاد البريطاني.

وأما العراق، فما الذي يجنيه من زيارة محمد بن سلمان؟ وما الذي سيقدمه للعراق الذي ساهم نظام عائلته في تدميره طوال السنوات الماضية؟ بعد أن ناصبت السعودية العداء للتغيير الذي أطاح بحليفها صدام حسين الذي دعمته طوال سنوات حربه مع إيران التي دمرت العراق قبل إيران. وكيف يسمح المسؤولون العراقيون – ممن اكتووا بنار الديكتاتورية الصدامية التي أطالت عمرها السعودية – كيف يسمحون لأنفسهم باستقبال دكتاتور يقمع شعبه بالحديد والنار ويلقي بحمم أسلحته على شعب عربي مسلم لا ذنب له سوى أنه أراد أن يحكم نفسه بنفسه بعيدا عن هيمنة العائلة السعودية التي طالما اعتبرت اليمن حديقة خلفية لها؟

لا شك بأن المستفيد الوحيد من هذه الزيارة هو ابن سلمان التي ستلمع صورته في المنطقة باعتباره شخصا مرحّبا به، وستضفي شيئاً من الشرعية على حربه العدوانية على اليمن وعلى احتلال بلاده للبحرين، وعلى دعمها للجماعات الإرهابية في المنطقة وخاصة في العراق.

إن هذه الزيارة فيما لو تمت؛ ستكون وصمة عار في جبين الحكومة العراقية التي لا يطالبها أحد بدعم الشعب اليمني أو البحراني أو معاداة السعودية؛ ولكن على الأقل أن تتبنى موقفا يندرج في خانة أضعف الإيمان، ألا وهو اعتبار ابن سلمان شخصا غير مرغوب به في بغداد التي ثارت بوجه الطغاة، وكانت جراح ضحاياها فماً ينطق بكلمة الحق أمام سلاطنة الجور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى