إقتصاد

أزمة الدين العام في البحرين, الأسباب والتداعيات…(1)

من المنامه-البحرين اليوم

دخلت أزمة الدين العام في البحرين مرحلة حرجة بعد أن وصل الدين الى مستويات تاريخية عند23.7 مليار دولار وفقا لأحدث بيانات نشرها مصرف البحرين المركزي، وكشف فيها أن الدين العام قارب عتبة التسعة مليار دينار (23.7 مليار دولار) بنهاية شهر نوفمبر الماضي. ويعادل الدين العام في البحرين نحو 74 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي والبالغ 11.70 مليار دينار (31 مليار دولار).

ويعتبر مستوى الدين الحالي، الأعلى في تاريخ البلاد إذ شهدت الديون قفزات متتالية في البحرين، فخلال 10 سنوات نما الدين العام  بنسبة 1381%، إذ قفز من نحو 1.6 مليار دولار في العام2007 إلى نحو 23.7 مليار دولار في الأشهر الأولى فقط من عام  2017. وكان الدين العام سجل في 2016 نحو 23 مليار دولار و18.7 مليار دولار في 2015.

وتوضح البيانات التي أصدرها مصرف البحرين المركزي أن الزيادة جاءت نتيجة ارتفاع إصدارات سندات التنمية الحكومية فى فبرايرمن العام الماضي ، إلى 5.3 مليارات دينار (14.1 مليار دولار)، مقارنة بنحو 3.8 مليارات دينار (10.2 مليار دولار). وتوزعت الديون بين الأدوات التقليدية (سندات التنمية الحكومية وأذونات الخزانة) بقيمة 7.1 مليارات دينار (18.8 مليار دولار)، والأدوات الإسلامية (صكوك تأجير وصكوك السلم) 1.81 مليار دينار (4.8 مليارات دولار)، وتنوع حكومة البحرين قروضها بين الأدوات التقليدية والإسلامية.

وأما العوامل التي تقف ارتفاع الدين العام في البحرين بهذا الشكل غير المسبوق خلال السنوات السبع الماضية فأرجعها خبراء ومحلّلون اقتصاديون الى تفشي الفساد المالي والوضع الأمني وضعف الإجراءات الحكومية لمعالجة هذا الملف .

الفساد وانعدام الشفافية

إذ يرى محللون أن الهدر والفساد في البحرين يستنزف ثلثي موارد الدولة. ومما يؤكد ذلك هو تراجع ترتيب البحرين على مؤشر مدركات الفساد خلال الأعوام الماضية الذي يشير وبشكل واضح الى تفشي الفساد وكما كشف عن ذلك المؤشر الدولي في آخر تصنيف له, إذ أظهر أن البحرين تراجعت عشرين مرتبة خلال عام واحد فقط , لتحتل في العام ٢٠١٦ المرتبة ٧٠ عالميا بعد ان كانت تحتل الترتيب ٥٠ في العام الذي سبقه.

فيما استمر تراجع البحرين خليجيا إذ احتلت المرتبة الخامسة بعد كل من الإمارات وقطر والسعودية وعمان. وحصلت البحرين على ٤٣ نقطة من مجموع ١٠٠ على المؤشر. ويستند مؤشر مدركات الفساد إلى آراء الخبراء بشأن فساد القطاع العام، ويعكس عدد النقاط المتدنية انتشار الرشوة، وغياب المحاسبة والإفلات من العقاب، وعدم استجابة المؤسسات العامة لاحتياجات المواطنين, كما إن هذا التراجع يشير إلى غياب المراقبة والمساءلة والشفافية.

ولعل أهم مظاهر غياب المسائلة والشفافية هي عدم الكشف عن حجم ميزانية الديوان الملكي وميزانية رئاسة الوزراء, إذ يمنع الدستور في البحرين الكشف عن حجم ميزانية الديوان الملكي ومصادرها، فيما تتهرب الحكومة من كشف أي معلومات في هذا الخصوص إذ تعتبرها معلومات ذات صلة بالأمن القومي!

ويقدر مختصون مخصصات الديوان الملكي بما لايقل عن 500 مليون دولار في حين بلغت مخصصات ديوان رئيس الوزراء 300 مليون دولار. وبالعودة الى تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز فيمكن معرفة حجم فساد العائلة الحاكمة, إذ أشار التقرير إلى أن شركات تملكها العائلة الحاكمة استفادت من دفان البحر لتحصيل 40 مليار دولار. فيما تمتد امبراطورية رئيس الوزراء خليفة الخليفة الى انحاء مختلفة من العالم ومنها سلسلة فنادق كمبنسكي التي يملك ٢٠٪ من أسهمها ,وذكرت معلومات صحافية أن رئيس وزراء البحرين يخوض مفاوضات للاستحواذ على 60% من أصول المجموعة وتقدر قيمة الصفقه بمليار يورو. 

الوضع الأمني

واما العامل الأساسي الآخر الذي ادى الى زيادة الدين العام فهو الوضع الأمني , حيث ادى لجوء السلطات الى خيار القمع لمواجهة الإحتجاجات الشعبية المنادية بالتغيير والتي اندلعت في فبراير من العام ٢٠١١, أدى الى استنزاف الموازنة التي بات الإنفاق العسكري والأمني يستنزف ٣٠ بالمئة منها. هذه الحقيقه اعترف بها الموالون للنظام كالنائب خالد الشاعر الذي اعترف خلال احد جلسات البرلمان بأن الدولة تستدين لتحافظ على الأمن بزعمه.

وتكشف موازنة الدفاع والأمن السنوية أن الإنفاق العسكري في البحرين زاد بنسبة 300٪ خلال العقد الأخير،حيث انفقت البحرين 23 مليار دولار على التسلّح وهو رقم يعادل الدين العام. فيما لاتزال الحكومة ماضية في زيادة هذا الإنفاق بالرغم من هذا الإرتفاع الكبير في الدين العام, إذ تسعى لإبرام صفقة لشراء طائرات مقاتلة بقيمة أربعة مليار دولار من الولايات المتحدة.

غياب الإستراتيجية

وعلى الصعيد الإداري فأن غالبية الديون يتم الحصول عليها بناء على آراء وطلبات وليس من منطلق دراسة علمية دقيقة لمعرفة مدى فائدتها والحاجة الحقيقة لها ,كما لا توجد لدى السلطات خطه لمعالجة الدين العام إذ لايوجد قانون ينظم الدين العام ,وتفتقر البلاد الى أساليب علمية في إدارة الدين العام عبر استراتيجية واضحة ودائمة. كما أن الإقتصاد يقع تحت هيمنة الدولة بشكل كلي وتعتبر هذا الظاهرة سلبية جدا لإدارة اقتصاد البلد ووضع السياسات التي تضع حدا للدين العام وتسهم في زيادة النمو زمعالجة العجز في الموازنة.

وأظهرت دراسات قام بها صندوق النقد الدولي أن ٥٪ من الشعب في البحرين(أفراد في العائلة المالكة) يسيطرون على 90٪ من اقتصاد البلاد. لكل ذلك يطالب اقتصاديون بإصدار قانون وتشكيل هيئة لإدارة الدين العام والحد من تفاقمه. وأما تداعيات إزدياد الدين العام على البلاد فسنتناولها في الحلقة المقبلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى