ساهر عريبيمقالات

مشاهدات من جلسة محاكمة ناصر بن حمد الخليفة

ساهر عريبي - إعلامي -  لندن
ساهر عريبي – إعلامي – لندن

كان صباح يوم الثلاثاء الماضي السابع من أكتوبر مشمسا وجميلا، وعلى غير العادة في مدينة الضباب. خرجت من البيت حاثا الخطى نحو المحكمة الملكية البريطانية، التي يتوسط مقرها العاصمة لندن. وأما الحدث فكان نظر المحكمة في القضية التي رفعها مواطن بحراني أُعطي اسما رمزيا هو (FF ) ضد ناصر حمد الخليفة، نجل حاكم البحرين، على خلفية اتهامه بتعذيب مواطنين بحرانيين إبان فترة الاحتجاجات الجماهيرية التي اندلعت في ١٤ فبراير من العام ٢٠١١.

أفكار عديدة كانت تجول في خاطري حول المحاكمة وحول عدالة القضاء البريطاني، ومدى تأثير الحكومة على القضاء. فالمدعي اليوم هو مواطن بحراني بسيط، لا يملك سوى إيمانه بعدالة قضيته. وأما المتهم فو ابن “ملك” تحتفظ عائلته بعلاقات وثيقة وتاريخية مع بريطانيا التي تعتبر اليوم الحامي الأكبر لنظام حكم عائلة آل خليفة في البحرين. فهل سيصدر القضاء قرارا دون الأخذ بنظر الاعتبار تلك العلاقات التاريخية التي تعود جذورها إلى القرن الثامن عشر؟

لم أستطع التنبؤ بفحوى القرار، فتركت التفكير في الأمر، وحتى موعد المحاكمة في تمام الساعة العاشرة والربع صباحا. وآثرت التفكير في شخصية ناصر بن حمد. هذا الشاب الذي يلقي القصائد الشعرية، والفارس الذي يخوض سباقات الفروسية! هل أن هذا المظهر الوديع يخفي وراءه شخصية سادية تستهوي تعذيب البشر، وتهدد بإلقاء الجدران فوق رؤوس كل من يطالب بحقه في العيش الكريم أو بحرمانه من حريتهم خلف القضبان؟؟

لم أستطع تصديق ذلك لولا التجربة التي عشتها في العراق! فناصر بن حمد ذكرني بعدي نجل الطاغية المقبور صدام حسين. فعدي كان كناصر، يرأس اللجنة الأولمبية، وكان مشهورا بتعذيبه للرياضيين، فلم لا يفعلها ناصر وهو الذي يدافع عن ملك عقيم لم يدم لغيره، وله في عدي عبرة، غير أن الحكام دوما لا يتعظون من دروس التاريخ، ويظنون أن حصونهم مانعتهم، حتى تدور عليهم الدوائر، ويأتيهم الله من حيث لا يحتسبوا. وكما فعل بصدام والقذافي ومبارك وأولادهم الذين توزعوا بين المقابر والسجون والمنافي.

ما أن تقترب من مقر المحكمة الملكية البريطانية إلا ويبهرك بناؤها الصخري الشامخ الذي يعود إلى العام ١٨٧٠. وما أن تلج بوابة المبنى وتنتهي من إجراءات التفتيش إلا وتجد نفسك وسط بهو المحكمة الواسع ذي السقف العالي. وكان الموعد في المحكمة رقم ٣ في الطابق الأول. كان هناك حضور منوع داخل المحكمة، شعبي ورسمي. فالمحاكم في بريطانيا مشرعة أبوابها أمام العموم ما لم تقرر المحكمة سريتها. كان هناك بحرانيون، بالإضافة إلى فريق الدفاع عن الضحية، وممثليين عن الإدعاء العام البريطاني المقامة الدعوى ضده. فالإدعاء العام رفض طلبا تقدم به الضحية لإلقاء القبض على ناصر عام ٢٠١٢، أثناء حضوره لدورة الألعاب الأولمبية حينها، وأما الذريعة فكانت تمتع ناصر بالحصانة الدبلوماسية التي تحول دون ملاحقته.

وكان اللافت في المحاكمة هو حضور ممثلين لوسائل الإعلام العالمية، وفي طليعتها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) ووكالة أنباء (اسيوشيتدبرس) والقناة الرابعة البريطانية، وأما على الصعيد البحراني فقد حضرت المحكمة وكالة أنباء (البحرين اليوم).
فيما كان هناك حضور لأشخاص بدا من محياهم إنهم حكوميون. قال لي أحدهم بأنه يمثل المجموعة البرلمانية المؤيدة للبحرين في البرلمان البريطاني، فيما كان آخرون مشغولون بتطلع الوجوه وتسجيل كل شاردة وواردة. بدأت المحكمة مع دخول قاضيين إلى القاعة، وهما يلبسان ثياب المحاكمات الانكليزي التقليدي، حيث يعتمر القضاة والمترافعون باروكة شعر بيضاء يعود موديلها إلى القرون الوسطى، ويلبسان الثياب الخاصة السوداء الخاصة بهم.

بدأت الجلسة بمرافعة محامي الضحية التي شرح فيها حيثيات الطعن بقرار الإدعاء العام الذي أعلن بأنه لم يعد مصرا على موقفه المتعلق بحصانة ناصر. وبعد مشاورة لم تستغرق سوى بضع دقائق أعلن القاضي البريطاني حكمه بأن ناصر حمد الخليفة لا يتمتع بالحصانة التي تحول دون ملاحقته قضائيا بتهمة ممارسة التعذيب. كما وأصدر القاضي أمرا بأن يتحمل الإدعاء العام تكاليف المحكمة التي استمرت لمدة عامين.

كان حكما قضائيا فتح الباب على مصراعيه أمام التحقيق مع ناصر الخليفة في الاتهامات الموجهة له، وهو الأمر الذي أكدت عليه لاحقا محامية الضحية التي أعلنت إنها بصدد إرسال جميع الأدلة التي تدين ناصر إلى قسم التحقيق في جرائم الحرب في شرطة سكوتلانديارد.

كان يوما مشهودا انتصف فيه المستضعفون من الطغاة، وحققوا فيه نصرا عليهم يثبت مقولة (ما ضاع حق وراءه مطالب)، فالمطاردون في البحرين والذين يعيشون في المنافي؛ ها هم يطاردون جلاديهم، وأما المحكمة البريطانية؛ فقد بعثت رسالة مفادها ألا أحد بمأمن من الحساب، مهما علا شأنه، وتعددت ألقابه ومناصبه ومواهبه المزعومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى