المنامة

خليفة بن سلمان في غياهب النسيان!

البحرين اليومخاص

ليست هي المرة الأولى التي يتوارى فيها أقدم رئيس وزراء في العالم عن الأنظار، لكن تواريه الأخير كشف أن غيابه وحضوره هذه المرةسيّان! إنه رئيس وزراء البحرين خليفة سلمان الخليفة الذي يجلس على سدة رئاسة الوزراء منذ استقلال البلاد قبل قرابة نصف قرن،والغائب عن البلاد منذ عدة أشهر.

خمسة عقود كانت حافلة بالأحداث كان نجم خليفة فيها ساطعا في سماء حكم العائلة الخليفية المميّز بالظلم والإضطهاد والتنكيل بأهلالبلاد الأصليين. خمسة عقود شهدت البحرين خلالها انتفاضة في كل عقد كانت آخرها ثورة الرابع عشر من فبراير 2011.

تحول خلالها خليفة إلى هدف للمنتفضين لا لأنه رئيس وزراء البلاد، ولكن لكونه الثابت غير المتغير في الساحة السياسية! فالبلاد شهدتتولي حاكمين منذ الاستقلال، هما كل من عيسى الخليفة الذي خلفه إبنه حاكم البلاد الحالي، لكن خليفة ظل رئيسا وزراء أوحد للحكوماتالمتعاقبة! مما أوحى للبعض بان العلة هي في خليفة وليس في الحاكم! فكان التعويل على إزاحة خليفة أو موته باعبارها مفتاحا لحل أزمةالبحرين التاريخية.

كانت شخصيته المهيمنة على الحكومة والصلاحيات التي منحها له أخوه الحاكم السابق وإبن أخيه الحاكم الحالي عند توليه الحكم خلفالأبيه عام 1999، وفساده المالي جعلته هدفا للمعارضين البحرانيين.

فقد اعتبره المدافع البارز عن حقوق الإنسان عبدالهادي الخواجة في تصريح عام 2004 أنه أحد أبرز عوامل الأزمات السياسية في البحرين. فكانت أوّل مطالبة علنيّة لتنحية خليفة بن سلمان في تلك الحقبة، تصريح أدى إلى اعتقال الخواجة وتصاعد الدعوات للإفراج عنه مصحوبةبهتافتنحّ يا خليفة“.

لكن خليفة لم يتنحّ وأبى إلا أن يحطم الرقم القياسي كأقدم رئيس وزراء في العالم! وبالتزامن مع تمدده أفقيا في الحكم تمدّد خليفة بنسلمان عموديا في ثرواته التي تعاظمت طوال نصف قرن! لم يعرف الحجم الدقيق لثروته ولكن ظهرت مؤشرات تدل على مدى ضخامتها. فقدتسربت في العام 2016 أنباء حول عزم خليفة شراء حصة شريكه ملك تايلند في مجموعة كمبنسكي الفندقية البالغ قيمتها 2 مليار دولار! استثمارات في الخارج هي القاسم المشترك الآخر بين أفراد عائلة آل خليفة، في وقت تعيش فيه البحرين أزمة اقتصادية متجددة منذ غزوالخليفيين لها.

ومع اندلاع ثورة الرابع عشر من فبراير رفع البحرانيون شعار يسقط حمد! الذي دوى في سماء دوار اللؤلؤة، لكن هناك من تمسك بشعار تنحّيا خليفة الذي أطلق سبع سنوات قبل الثورة وأصبح شعار باليا بنظر البحرانيين، الذين يرون أن لب الأزمة هي الحكم الخليفي ورمزه حمد! فالأزمة بنظرهم لاتحل بتغيير أفراد كما يراهن البعض، ولكن بتغيير نظام حكم عصي على الإصلاح والتغيير.

لكن بعض فصائل المعارضة أبقت شعرة معاوية مع الحاكم وولي عهده سلمان ملقية باللائمة على خليفة ومعتبرة أن إزاحته ستفتح باب الحلعلى مصراعيه في البحرين! غير أن العائلة الحاكمة ظلت متمسكة بخليفة، وخاصة جناح الخوالد الذي يهيمن على الديوان الملكي. فالعائلةالحاكمة لم تضح بخليفة لأن هذه التضحية ستفتح الباب على مصراعيه لتلبية مطالب الشعب الأخرى.

حتى بدأ نجم خليفة بالأفول بعد أن كشّر حاكم البحرين عن أنيابه وكشف عن وجهه الحقيقي الذي أخفاه خلف قناع الإصلاحات عند توليهالحكم مطلع القرن الحالي. فخليفة ماهو إلا منفذ لإرادة العائلة الحاكمة التي يقودها حمد، ونهج هذه العائلة هو قمع الشعب والقضاء علىأي حراك مطلبي له وهذا نهج ثابت يمثل حجر الزاوية في حكم هذه العائلة، سواء أرحل ملك أو جاء رئيس وزراء جديد!

بدأت رحلة اختفاء خليفة عن الأنظار في ديسمبر عام 2016 وسط تكتّم شديد كالمعتاد من أفراد قبيلة آل خليفة، حتى تبيّن لاحقا أنه في رحلةعلاجية بعد أن راجت تكهنات حول موته (84 عاما). ثم جاءت رحلة الإختفاء الثانية قبل بضعة أشهر، حتى تبين أنه في رحلة علاجية بعد أنقرر الحاكم زيارته في ألمانيا قبل أسبوعين في خضم  حالة التصعيد الأمريكيالإيراني في المنطقة!

لكن الغياب هذه المرة لدواعي صحية، صاحبته حملة داخلية ضد خليفة قادها الديوان الملكي على خلفية حدثين. وأما الأول فهو زيارته لرجلالدين السيد عبدالله الغريفي، الذي طرح مبادرة للخروج من الأزمة لم تعرها العائلة الحاكمة آذانا صاغية!  وأما الثاني فهو اتصال هاتفي  أجراه مع أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لتهنئته بشهر رمضان المبارك، وهو الإتصال الأول من نوعه منذ بداية الأزمة الخليجيةوحصار قطر عام 2017.

أصبح خليفة في مرمى الديوان الملكي الذي شن عليه عبر أذرعه حملات حدت  رئيس الوزراء القطري السابق، الشيخ حمد بن جاسم آلثاني، إلى إعلان تضامنه مع خليفة، في وجه الحملات التي يتعرض لها! غادر خليفة ولم يعد إلى البلاد لحد اليوم! لكنه غيابه وحضوره سيّانبعد أن أصبح ورقة محترقة غير مؤثرة!

الطريق باتت سالكة اليوم أمام ولي العهد الذي عينه والده نائبا لرئيس الوزراء، استعدادا لخلافة خليفة! ولعل تعويل بعض فصائل المعارضةعلى إزاحة أو موت خليفة لحل الأزمة، ليس رهانا على غيابه وإنما الرهان على خليفته سلمان، الذي يرى فيه البعض حمامة سلام في سماءالخليفيين المليئة بالكواسر.

غير أن هذا الرهان خاسر هو الآخر بنظر معارضين آخرين، يرون فيه تكرار لتجربة الإصلاح المزعوم التي كان رائدها الحاكم الحالي الذيسرعان مانقلب عليها بعد عام، ليسير على ذات النهج الذي سار عليه أجداده في تعاملهم مع الشعب طوال أكثر من قرنين من الزمن. فموتخليفة او إزاحته ومجيء سلمان لن يغير من هذا النهج المتأصل فهو دستور لكل حاكم خليفي لا يحيد عنه ولكنه قد يجمد العمل ببعض فقراتهانحناء أمام العاصفة، ليعود لتعديل فقراته لتصبح أشد قسوة وتنكيلا بالبحرانيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى