المنامةما وراء الخبر

وحدة المعارضة البحرانية

رأي البحرين اليوم – خاص

أثرنا في مقال سابق موضوع غياب مشروع لوحدة فصائل المعارضة البحرانية، وحمّل المقال جمعية الوفاق الوطني الإسلامية القدر الأكبر من مسؤولية غياب مثل هذا المشروع باعتبارها الأخ الأكبر للمعارضة. كما انتقد المقال تقديم وحدة العمل الحقوقي على حساب العمل السياسي معتبرا ذلك تهربا من تحمل المعارضة لمسؤولياتها. وهنا تنقدح أسئلة مشروعة أخرى عن الدور الغائب لبقية فصائل المعارضة، إذ أن امتناع الوفاق عن الإنخراط في هذا المشروع لا يبرر للقوى الأخرى تقاعسها عن الأخذ بزمام المبادرة والسعي الجاد لرأب الصدع وتوحيد الجهود.

تأتي في مقدمة تلك الفصائل المعنية بهذه القضية حركة أحرار البحرين وحركة “حق” والتيار الرسالي وتيار الوفاء الإسلامي، فهذه القوى أخفقت في طرح أي مشروع ميداني فاعل، ولم تعمل بجد على سبيل المثال لعقد مؤتمرات دورية تدعو لها فصائل المعارضة الأخرى لتتباحث في أوضاعها، وتناقش سبل تقوية جبهة المعارضة للتصدي لمشاريع السلطة الخليفية المستبدة، وظلت جميع الطروحات والمبادرات قيد الدراسة والنقاش خلف أبواب مغلقة، ودون أن تجد طريقها إلى التطبيق على أرض الواقع. بعض هذه الفصائل كان لها تاريخ في طرح المشاريع السياسية وتحريكها، مثل حركة احرار البحرين، التي تمكنت في التسعينات من القرن الماضي من عقد تحالفات قوية، وتثبيت القضية السياسية في المشهد داخل البحرين.

لكن هذه المرحلة تشهد غيابا لمثل هذه المبادرات، ولعل أحد هذه الأسباب أن هناك اعتقادا سائد بأن جمعية الوفاق لا تحبذ العمل الوحدوي، ولاترغب في الدخول بمشروع وحدوي مع الفصائل الأخرى. هذا التوجه أصبح هو الآخر شماعة تعلق عليها الفصائل مسؤولية غياب أي مشروع وحدوي على أرض الواقع تحت ذريعة أن الوفاق لا تريد الدخول بمثل هذا المشروع، فهي ترمي الكرة في ملعب الوفاق ملقية بالمسؤولية عليها فيما تقف تلك الفصائل متفرجة، وعازفة عن طرح أي مشروع حقيقي أو على الأقل مبادرة جادة لتوحيد صفوفها بمعزل عن الوفاق.

لقد فشلت حركة أحرار البحرين في لعب الدور الذي يناسب تاريخها، كما لم تنجح حتى على مستوى الإستفادة من تواجدها في العاصمة البريطانية لندن بالقدر الكافي، والذي يتيح لها على أقل تقدير فرصة استثمار الطاقات البحرانية في عموم أوربا والبحث عن سبل دعم الكوادر وتوجيهها بما يصب في صقل مواهبهم ومساعدتهم ليكونوا صوتا مدويا لثورة البحرين وأهلها.

وبالعودة إلى موضوع وحدة المعارضة فقد بات خيارا ضروريا مقابل العمل المنفرد الذي يغني فيه كل فصيل على ليلاه، وإن تجميد هذا المشروع من قبل القوى الثورية بذريعة امتناع الوفاق لم يعد أمرا مقنعا. ولا داعي للتذكير بأن الوحدة قوة وهي لاتعني إنصهار جميع القوى في تيار معارض واحد، وإنما الإنضواء تحت لواء إطار جامع  يعبر عن تطلعات الشعب ويمثله إقليميا ودوليا، فضلا عن أنه يمكن أن يكون ممثلا حقيقيا للشعب في صراعه مع النظام.

ويعتقد البعض أن تغييب القادة التاريخيين في سجون البحرين، أخلى الساحة السياسية من الشخصيات  المؤثرة القادرة على لم شمل المعارضة. كما لاتبدو العديد من الشخصيات السياسية العاملة حاليا مكترثة لهذا الموضوع بالرغم من أنه قد يشكل هاجسا لآية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم الذي أشار في أكثر من موقف إلى ضرورة تقوية جبهة المعارضة، ورص الصفوف.

وكثير من دعوات آية الله قاسم لم تلقى آذانا صاغية حتى ممن يدعون اتباعه والسير على نهجه، حتى وصل الحال بالمعارضة (جميع المعارضة) إلى أن تنحصر أغلب نشاطاتها في العالم الإفتراضي عبر وسائل التواصل الإجتماعي، أو من خلال إطلاق حملات التغريد أو البيانات، وهي جهود مقدرة ومشكورة؛ إلا أنها لا يمكن أن تكون بديلا عن ممارسة العمل السياسي أو القبول بتحويله إلى عمل حقوقي صرف!

من جانب آخر يعزو البعض حالة السكون والجمود التي تعتري الساحة إلى مراهنة بعض الفصائل على العامل الإقليمي لإنهاء الأزمة في البحرين. فالبعض يعتقد بأن المعارضة وصلت إلى طريق مسدود في معركتها مع النظام، المدجج بمختلف انواع الأسلحة، والذي يحتفظ بعلاقات وتحالفات مع الدول المؤثرة إقليميا ودوليا، كالسعودية والإمارات والولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ولذا فقد يعتقد البعض بأن تطورات المنطقة  لا تصب في صالح النظام، فحلفاؤه السعوديون والإمارتيون غائصون في مستنقع اليمن، وهم يحاولون اليوم الخروج منه بأي طريقة مع حفظ ماء وجههم، كما أن حلفاء النظام خسروا المعركة في سوريا، وبدأو رحلة التطبيع مع دمشق. وعلى صعيد الحلفاء الدوليين وخاصة الولايات المتحدة فقد أدارت ظهرها للحليف السعودي، الذي مني بأكبر ضربة في تاريخه عندما استهدفت منشآت أرامكو النفطية وتوقف نصف إنتاجها. فالولايات المتحدة لم تبادر لشن أي حرب على إيران كما يرغب السعوديون. واقع صادم دفع بدولة الإمارات إلى تهدئة الأمور مع إيران فيما تصدر إشارات من السعودية تفيد باستعدادها للحوار مع الجمهورية الإسلامية.

وفي تطور آخر فقد صمتت دول الخليج وكأن على رأسها الطير ولم تهلل لعملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، ولم تصدر حتى تغريدة واحدة ممن كان يعبر عن فرحه سابقا وشماتته بمثل هذه الأحداث وفي مقدمتهم وزير خارجية البحرين السابق خالد الخليفة.

تلك القراءة وبرغم واقعيتها إلا أن التعويل عليها خطأ فادح وخطير، فالوضع الإقليمي لا يزال شائكا ومعقدا، لم يحسم فيه الصراع لصالح أي طرف كي ينعكس هذا الحسم على الوضع في البحرين. وعلى فرض الحسم الإيجابي، فإن ملف البحرين لا يزال ملفا ثانويا في هذا الصراع، قبالة ملفات حساسة أخرى ومنها ملف اليمن، والملف النووي وغيرها من الملفات.

إن التعويل على العامل الإقليمي يعتبر رجما بالغيب، وفي ذات الوقت ليس مبرّرا لتقاعس المعارضة البحرانية عن التوجه نحو بلورة عملها ضمن مشروع وحدوي يحدد أهدافها وآلياتها لتحقيق تلك الأهداف، ويوحد خطابها محليا وإقليميا ودوليا، وخاصة في ظل غياب ملحوظ لقادة الجمعيات السياسية وغيابهم شبه التام عما يجري في البحرين والإقليم من تطورات متسارعة.

ومن المهم التذكير بأن مشروع وحدة المعارضة بات مطلبا شعبيا بعد مرور تسع سنوات على إنطلاق ثورة 14 فبراير، التي قدم خلالها الشعب تضحيات جسام من قتل وسجن وتعذيب وتهجير، فكان بمستوى المسؤولية، وآن الأوان لقوى المعارضة بمختلف فصائلها أن تتحمل هي الأخرى مسؤولياتها وتبادر لطرح مشروع وحدوي يفتح صفحة جديدة في تاريخ هذه الثورة مع دخولها عامها العاشر على التوالي!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى