ما وراء الخبر

آية الله قاسم للمعارضة: اتقوا الله في شعبكم

رأي البحرين اليوم – خاص

وجّه آية الله الشيخ عيسى قاسم خطابا بمناسبة الذكرى السنوية التاسعة لانطلاق ثورة 14 فبراير في البحرين عام 2011، حيّا فيه صمود الشعب البحراني بوجه آلة القمع الخليفية والتضحيات العظام التي قدمها في طريق التحرر، داعيا المعارضة البحرانية إلى مغادرة حالة الشقاق وتوحيد صفوفها ومضاعفة جهودها، انطلاقا من مسؤولياتها تجاه الشعب الذي قدم تضحيات جسام من أجل نيل حقوقه المشروعة.

استعرض آية الله قاسم في بداية خطابه تاريخ العلاقة بين الشعب البحراني وعائلة آل خليفة الحاكمة، موضحا أنها اتسمت بتنكيل العائلة وقمعها للشعب ونقضها للعهود والمواثيق. وفي هذا السياق تطرق الخطاب إلى إنقلاب العائلة على دستور عام 1973 في عهد الحاكم السابق عيسى الخليفة، الذي عطل المجلس التشريعي وانقلب على العقد الإجتماعي، متنكرا لحقوق الشعب المشروعة التي أقرها الدستور. لتبدأ بعد ذلك فترة حالكة في تاريخ البحرين شهدت عدة انتفاضات، قدم خلالها الشعب مختلف انواع التضحيات سواء بالنفس أو السجن وما شاكل .

ولم يكن الحال بالأفضل بعد رحيل عيسى وتسلم ابنه حمد (الحاكم الحالي) لمقاليد الحكم، فقد سار على خطى أبيه في نكث العهود والمواثق وزاد عليه. وقد تجلى ذلك بداية في نقضه لميثاق العمل الوطني في البحرين في عام 2001 الذي كان من شأنه إعادة البلاد إلى الحكم الدستوري، وبعد نقضه الميثاق أصدر بشكل أحادي دستورا جديدا في عام 2002. أعاد البلاد إلى مربع القمع الأول الذي تواصل حتى اليوم ولكن بشكل أقسى وأشد عما كان عليه في السابق.

إن هذا السرد التاريخي الذي استعرضه خطاب آية الله الشيخ عيسى قاسم وبعد هذه التجربة المريرة يتضمن وبلا ادنى شك رسالة للشعب وللمعارضة فحواها، أنه لايمكن الوثوق بهذا الحكم العائلي الناكث للعهود والمواثيق. وأن هذا الحكم فقد شرعيته ولا بد من استبداله بالطرق السلمية. ولكن ماهي السلمية التي قصدها الشيخ والتي طرُب لسماعها البعض في المعارضة؟ هل تعني السلمية استجداء الحوار مع النظام؟ أو تقديم المبادرات الهزيلة التي لاتعالج جوهر الأزمة في البحرين؟ أم تعني الوقوف مكتوف الأيدي بانتظار أن يمد النظام يده للمعارضة ؟

لاشك أن كافة هذه التفسيرات لمبدأ السلمية التي قصدها آية الله قاسم بعيدة عن الصواب! فالشيخ الذي لم يذكر كلمة حوار ولو مرة واحدة في خطابه، بل كأنه أغلق باب الوهم الذي طالما يلجأ له بعض المعارضين وهم يُمنون النفس بدعوة يتفضل بها النظام للجلوس على طاولة مستديرة. ذلك هو تفكير من لا يعي ولا يدرك أن النظام غادر منذ زمن بعيد فكرة الحوار، ولم يعد لها وجود في قاموس العائلة الحاكمة، بل استبدلها بالإملاءات و”بفرض” الأمر الواقع، وبمزيد من السياسات المتشددة حيال المعارضة، ولذا فإن المطلوب من الغارقين في أحلام الحوار أن يستفيقوا من غفوتهم وأن يعوا أن ذلك الزمن قد ولّى، وأن النظام لا يعترف بأي فصيل معارض، ولا يؤمن بأي حوار مع الشعب.

إذن فما هو المقصود بالسلمية التي دعا إليها آية الله الشيخ عيس قاسم؟ لا شك بأن الخطاب لايدعو إلى حمل السلاح لتغيير النظام، ولكن من الواضح أيضا في الخطاب تثبيت حق الشعب في أن يختار النظام الذي يريد بالطرق السلمية، وليس بالخضوع للظالم. كما وليس من بينها الحوار مع النظام الحالي، الناقض للعهود والمواثيق، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين! ومن غير الممكن الحوار مع من يسلط السلاح على رأس المعارضة والشعب، ولا يُرتجى في مثل هكذا حوارات إلا إملاءات يفرضها الديكتاتور، تطيل في عمر النظام وتؤجل معركة التغيير إلى أمد غير معلوم، وتديم سياسات القمع والتنكيل.

مطالب الشعب فهي مطالب عادلة من عدالة السماء، وتتمحور حول حق الشعب في تقرير مصيره وفي اختيار نظام الحكم الرشيد الذي يرتأيه. وليس نظام الحكم المفروض بالبطش والتنكيل والقمع وانتهاك الحرمات ومصادرة الحريات، كما هو عليه نظام العائلة الخليفية الجاثم على صدور البحرانيين منذ اكثر من قرنين من الزمن.

أما الطرق السلمية فلاشك أن المعارضة السياسية “الجادة” إحداها، فقوى المعارضة وفي مقدمتها جمعية الوفاق الوطني كبرى الجمعيات السياسية، مطالبة بتفعيل دورها السياسي، وتعزيز حضورها في الساحة البحراني والخارجية، عبر استراتيجية للعمل السياسي واضحة المعالم، وهو مع الأسف الشديد خلاف ما يحصل على أرض الواقع! فقد طغى على نشاط الجمعية عملية رصد الإنتهاكات، وإصدار البيانات ذات الصلة، مع إصدار نشرات إخبارية. وحال باقي قوى المعارضة ليس بأفضل من الوفاق ومنها حركة أحرار البحرين التي جمدت على بيان أسبوعي، وتحريك اعتصامات منتظمة! بعد أن كانت في التسعينات شعلة متوقدة من النشاط السياسي المُلهم!

ومما لا شك فيه أن من العوامل الرئيسية لإحراز أي تقدم للمعارضة، هو رص صفوفها وعدم تفرقها، وتحالفها تحت مظلة جامعة. وعلى الرغم من وجود الكثير من القواسم المشتركة بين قوى المعارضة البحرانية، إلا أنها لم تنجح لحد اليوم في تشكيل إطار يجمعها، ويعبر عن وحدة في الموقف مما يجري في البلاد وكل ما يتعلق بها من تطورات وأحداث في المنطقة والعالم.
ومن هنا نعود لخطاب آية الله الشيخ عيسى قاسم الذي حمل المعارضة مسؤولية مضاعفة جهودها، وأن تتغلب على أسباب الشقاق. المعارضة مطلوب منها أن تكون بمستوى تضحيات وتطلعات الشعب البحراني، وأن تمارس دورها وتبذل الجهود لتحقيق أهداف الشعب، لا أن تجمد وتنتظر موجات التطورات الإقليمية والدولية، علها تلقي بحل على ضفاف الأزمة البحرانية المستدامة، أو أن يقتصر نشاطها على ردود الفعل. ومن الواضح أن ذلك لن يتحقق إلا بطرح المعارضة لمشروع جامع يلبي تطلعات الشعب البحراني، ويتناسب مع حجم التضحيات التي قدمها، وبغير ذلك فإن قوى المعارضة يُنظر إليها كدكاكين مهمتها خدمة هذه الجماعة او تلك وليس لخدمة الشعب.

من المهم التنويه هنا أن الشعب لا يُقصد به طائفة دون غيرها، بل كافة شعب البحرين بسنته وشيعته، وهو ما أكده آية الله قاسم مشددا على وطنية المعارضة وعدم طائفيتها، لأن مطالبها تصب في خدمة البحرانيين بمختلف طوائفهم. فالشعب يعاني بكافة شرائحه من سياسات العائلة الحاكمة التي انعكست سلبا عليه، ومنها سياسات التجنيس السياسي والتغيير الديمغرافي التي يإن من وطأتها الشعب كله، بعد أن باتت تشكل خطرا على هويته وعلى عاداته وتقاليده، بل وتهدد السلم والأمن المجتمعي, فضلا عن الأزمات الإقتصادية وأزمة السكن والبطالة وغيرها من الأزمات الناجمة عنها.

إن غياب المشروع الذي يجمع قوى المعارضة أوقع بعضها في مزالق كان يمكن تجنبها لو كانت هناك وحدة في الرؤى والمواقف، منها الموقف من نظام ما يسمى بالعقوبات البديلة للمعتقلين. فهذا النظام وحال إقراراه من قبل النظام سارع البعض للترحيب به وكأنه منّة من النظام تحت ذريعة تخفيف معاناة السجناء وعائلاتهم. ولا شك أن الحد من هذه المعاناة ورفعها أمر لا يختلف عليه أحد، ولكن ليس على حساب تلميع صورة النظام أو توجيه الشكر له والثناء له على ظلمه، فهؤلاء الأفراد سجنوا ظلما وعدوانا لا لذنب ارتكبوه سوى مطالبتهم بحقوقهم المشروعة، وهم لا يستحقون سوى الحرية بلا قيد او شرط؛ وليس نظام بديل للسجن وصفه سماحة الشيخ بنظام الظلم البديل.

إن هذا التخبط من قوى المعارضة، مع غياب صوتها الموحد، وموقفها القوي مما يجري من أحداث في البحرين وخارجها، يطرح أسئلة مشروعة حول مسؤولية القيادات البحرانية التي تصدرت واجهة العمل السياسي طوال السنوات الأخيرة، وخاصة بعد اندلاع ثورة 14 فبراير، ولعل هذه التساؤلات سبق وأن أُثيرت بقناة اللؤلؤة المرتبطة بجمعية الوفاق، من غير التوضيح عن الجهة المعنية بهذه التساؤلات.

وهنا لابد من ان نشير هنا إلى أن وكالة انباء (البحرين اليوم) وعبر إثارتها لمثل هذه القضايا، ليس هدفها تأليب الشارع البحراني على فصيل سياسي معين، أو تأليب فصيل على آخر، ولكنها تؤدي رسالة الإعلام الحر بمساهمتها في محاولة تقويم الأداء السياسي المتراجع، هادفة لشحذ الهمم. إن رسالة البحرين اليوم هي أن على المعارضة أن تؤدي دورها السياسي لإنها قبلت المسؤولية، وإن تقاعست في ذلك فسيكون واجب الإعلام الحر ان يوضح الحقائق للجمهور. وحدة المعارضة ليست خيارا اليوم، بل هو قدر لابد منه في العمل السياسي من أجل الوصول إلى الحل الذي ينشده شعب البحرين.

أخيرا أكد خطاب الشيخ قاسم على ضرورة شحذ الهمم وتجديد العزم وضرورة التمسك بأخلاقيات العمل، فالمطالب المشروعة لا تتحقق إلا عبر وسائل مشروعة، فالثبات على هذا المبدأ هو أحد مفاتيح النصر الموعود به شعب البحرين طال الزمن ام قصر، بشرط توافر شروط النصر وفي طليعتها إدارة المعارضة لدفة المعركة مع النظام الجائر بكفاءة وإخلاص، وتحت مظلة جامعة تحتضن كافة القوى بعيدا عن الأهواء النفسية والحزبية وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى