ما وراء الخبر

هل يصبح نبيل رجب “قضية رأي عام” في أمريكا ويقلب الطاولة على الخليفيين؟

575ea6d1c461882b378b4583

البحرين اليوم – متابعات

في يوم محاكمته اختار آل خليفة الإمعان في ملاحقة الناشط الحقوقي نبيل، وهذه المرة من خلال إظهار المزيد من “البطش” و”المروق”، عبر توجيه تهم جديدة ضده ب”نشر أخبار كاذبة” و”تشويه صورة النظام” بسبب مقال نُشر له، في يوم المحاكمة أيضا، في صحيفة مرموقة تصدر في الولايات المتحدة.

المقال الذي نشرته “نيويورك تايمز” لقي صدى واسعا، وأعاد تسليط الضوء على العلاقة “المشبوهة” التي تربط الإدارة الأمريكية وآل خليفة، إضافة إلى سياستها “المزدوجة” في التعاطي مع الملف الداخلي، ولاسيما حينما تطرق رجب – لأول مرة – إلى لقائه في يونيو الماضي مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وأعاد التساؤل عن مدى رضى الأمريكيين ب”حليفهم” الذي تجاوز كلّ الخطوط الحمراء في الانتهاكات. وشكلت – بحسب متابعين – هذه الإثارة امتعاضا كبيرا لدى النظام الخليفي، حيث أدى محتوى المقال “عصفا ذهنيا” للرأي العام الأمريكي الذي قرأ جانبا من انتهاكات الحلفاء الصغار لبلاده، وكيف أن حكومته غير قادرة، رغم ذلك، على الانتقال من “القلق” و”الحث” إلى مرحلح الفعل واتخاذ المواقف العملية.

الغضب الذي استولى على الخليفيين بسبب مقال رجب مردُّه – أيضا – إلى أن المقال كان بمثابة “الاختراق الخارجي” للحصار الواسع الذي يفرضه النظام على البحرين وشعبها ونشطائها، وهو حصار يبدو هذه المرة مليئا بالأهداف “السيئة”، حيث أخذ أشكالا متعددة من الحصار العسكري وتقطيع البلدات بالكمائن ونقاط التفتيش، وكتم الأصوات المعارضة، ومنع النشطاء والصحافيين من مغادرة البلاد، فضلا عن تغليظ الأحكام وفتح أبواب السجون بما يتجاوز طاقتها الاستيعابية، وزج الجميع فيها دون حسبان ردود الأفعال الدولية والأممية. وكان من الطبيعي أن يبادر النظام بسرعة للتحقيق مع رجب بعد نشره المقال، وهو من داخل السجن، وتهديده من جديد من خلال إطالة قائمة الاتهامات ضده، والتي تعني إبقاءه أكثر داخل السجن، وبالتالي الإحكام على حصاره والمتصل بالحصار الشامل المفروض على البلاد.

جزء من الملف له صلة أيضا بالوزير الأمريكي الذي فقد “كمية” أخرى من المصداقية عندما أخفق في إلزام آل خليفة بالعهد الذي قطعوه أمامه بالإفراج عن الناشطة زينب الخواجة، وذلك خلال مؤتمر صحافي جمع كيري ونظيره الخليفي أثناء الزيارة التي شهدت أيضا اللقاء بين كيري ورجب. فقد استعمل الخليفيون طريقتهم الخاصة في “التجبّر” عندما أطلقوا سراح الخواجة ثم أجبروها في الوقت نفسه على مغادرة البلاد دون رجعة، وهو سلوك وصفه ناشطون ب”العدواني، والأشد انتهاكا من اعتقال زينب وملاحقتها في المحاكم الخليفية”، كما أنه ينطوي على “رسائل إلى الأمريكيين من مشغّلى آل خليفة في السعودية، وفحواها بأنهم ليسوا من يحكمون البحرين والنظام المتسلط فيها، وأن الهيمنة والقرار بيد آل سعود منذ أن احتلوا البلاد عسكريا في مارس ٢٠١١م”.

الرد الأمريكي على الملاحقة الجديدة لرجب بسبب المقال؛ كان محافظا على ذات الوتيرة التي لا تتعدى اتخاذ المواقف العلمية، فيما دعت صحيفة “نيويورك تايمز” إلى التقدُّم خطوة إلى الإمام والتفكير بمكان بديل لقاعدة الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين. هذا الأمر قد يكون بداية لمطالبات ممتدة في الإعلام الأمريكي والضغط من أجل الإفراج عن رجب، فيما يتساءل مراقبون ما إذا كان الأمريكيون سيتحركون حينها على ذات القاعدة التي اعتمدوها في التعاطي مع زينب الخواجة، وذلك ب”إنتاج” حلّ يضمن لرجب “الحرية” ولكن مع تكبيله بمساومات أو شروط معينة “تحفظ ماء الخليفيين”، كما يتساءل ناشطون عن “خلفيات” الاستهداف المركّز الذي يواجهه رجب اليوم، مع “احتمال أن ينتهي الأمر بالإفراج عنه، ولكن بعد تدشين الخليفيين لحملة القمع الكبيرة المرتقبة ضد آية الله الشيخ عيسى قاسم، وليكون الإفراج عن رجب فرصة لتخفيف المشهد وتشتيته، ولخط الأوراق، وذلك بحسب العادة الخليفية المعروفة”.

بالعودة إلى قضية رجب الجديدة، فإن السلطات الخليفية وجهت ضده اتهامات كلها تتعلق بحقه في حرية الرأي والتعبير، والذي أجمعت عليه المنظمات الحقوقية والدولية، حيث تتضمن التهمة الجديدة “الترويج لأخبار كاذبة، والمساس بهيبة مملكة البحرين”، ويُقصَد منها كشفه عن التحقيق الذي خضع له مع إدارة ما تُسمى بوحدة الجرائم الإلكترونية حول اللقاء الذي جمعه مع كيري.

ويقول متابعون للمشهد الأمريكي بأن هذه الاتهامات وجدت تفاعلا داخل الولايات المتحدة لكونها تتعلق بحق رجب الطبيعي في التعبير عن رأيه في صحيفة أمريكية، وهو ما يُفسِّر الدعوة التي أطلقها الناطق باسم الخارجية الأمريكية يوم أمس الثلاثاء للإفراج عن رجب، وتعبيره عن “القلق وبشكل عام حيال أوضاع حقوق الإنسان في البحرين”.

يشير ذلك إلى أن واشنطن تتحمل مسؤولية “أخلاقية” إزاء رجب، وباقي سجناء الرأي في البحرين، حيث إنها تدعي الالتزام بالترويج لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، ولكن من ناحية أخرى فإن بعضا من هذه الانتهاكات في البلاد تعود إلى لقاءات لبعض الشخصيات البارزة في البحرين بمسؤولين أمريكيين، وهي لقاءات كانت أساسا ترمي إلى “حل الأزمة المستعصية في البلاد”، والتي تدعي الولايات المتحدة بأنها حريصة على حلها.

وسائل الإعلام الأمريكية – بدورها – تتحمل جزءا آخر من “المسؤولية الكبيرة في الدفاع عن رجب” كما يقول أحد الصحافيين، حيث إن التهم الموجهة له أخيرا هي على خلفية مقالته في “نيويورك تايمز” تحديدا، كما أن اتهامات أخرى وُجهت له بسبب ظهوره مع الإعلام الأجنبي، وهو ما يستوجب على هذه الوسائل “الدفاع عن ضحايا قمع حرية الرأي والتعبير، والذي امتد ليشمل وسائل الإعلام الأمريكية التي تعطي مساحة للمعارضين، لا يحظون بها في بلادهم”، كما يضيف الصحافي الذي لا يستبعد أن “تنقلب الطاولة على آل خليفة من جديد في وسائل الإعلام داخل أمريكا”.

من جهة أخرى، فإن مراقبين يصفون الدعوة التي أطلقتها وزارة الخارجية الأمريكية لإطلاق رجب بأنها “غير كافية”، ذاهبين إلى أنها “لن تجبر النظام على إطلاق سراحه، مستشهدين بقضية الناشطة الخواجة، وعجز الأمريكيين عن إلزام النظام على تنفيذ وعده بالإفراج عنها والكف عن مضايقتها. كما يستذكر البعض السلوك “المارق” الذي قام به الخليفيون – وبتخطيط سعودي – مع الجهات الأممية والدولية، وبينها مجلس حقوق الإنسان بجنيف، والذي اتهمه وزير الخارجية الخليفي، خالد الخليفة، ب”التسييس” و”الابتزاز”، تعبيرا عن عدم استجابة النظام لأي من الدعوات التي أطلقها المجلس والمفوضية السامية لحقوق الإنسان بشأن الوضع الحقوقي المتدهور داخل البلاد.

بات ملف نبيل رجب الآن محل تداول آخر في الولايات المتحدة، وهو في اتجاه أن يكون “قضية رأي عام” في واشنطن بعد أن أصبح موضوعا للحديث والمطالبة المستمرة على لسان الخارجية الأمريكية، وبعد أن بات حاضرا في الصحف الأمريكية ووسائل الإعلام، وهو ما قد يؤدي إلى تدعيم الموقف المتنامي في واشنطن لإعادة النظر في العلاقة مع آل خليفة، وتثبيت إستراتيجية جديدة في إنهاء استبدادهم اللا محدود. فهذا “الحليف الإستراتيجي”، كما اعتادت الأدبيات الدبلوماسية الحديث؛ لا يكف عن وضع الولايات المتحدة في مواقف حرجة، يوما بعد آخر، ويتسبب في طعن مصداقيتها وحقيقة دفاعها عن قيم حقوق الإنسان. فهل ستضع أمريكا حدّاً لتصرفات “هذا الحليف”، أم أنها ستضحي بسمعتها الدولية (فداءاً) لصفقات الأسلحة التي تبرمها مع العائلة الخليفية ومع حماتها آل سعود؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى