ما وراء الخبر

المعارضة الجديدة!

رأي البحرين اليوم – خاص

يتحدث البعض عن انحسار دور المعارضة في البحرين، وتقهقرها بل والقضاء عليها. ويستند هذا الحديث للوقائع على الأرض التي توحي بتراجع ملحوظ في الحراك الميداني، وغياب القيادات السياسية عن المشهد، وشعور عام بالإحباط، وبالتوازي سيطرة تامة من قبل النظام على “الأمن”.هذا التصور دفع الكثير لاتخاذ مواقف لينة تجاه النظام، والدعوة إلى المراجعة والقبول بالموجود، وطي صفحات “الماضي”، والعمل على تضميد الجراح. كما وجد آخرون ذلك فرصة لشن هجوم موجه على المعارضة في الخارج واتهامها بالمتاجرة على حساب معاناة الناس بينما يتنعم المعارضون بكل سبل الراحة.

ويمكن اعتبار ذلك التصور المبني على بعض الحيثيات، أنه وجهة نظر جديرة بالإهتمام، لكنها في نفس الوقت قد تكون سطحية إلى حد كبير، إذا ما أخذنا الصورة العامة بشمولية أكثر.بمراجعة سريعة للحوادث التي أعقبت تفجر الثورة في 14فبراير 2011، أقدم النظام على خطوات خطيرة للإجهاز على المعارضة ووأد الحراك الجماهيري وسحق أي صوت يطالب بالتغيير أو ينتقد سياسات الحكم. من أبرز تلك الخطوات هو تحريكه للورقة الطائفية وتخويفه للشارع السني من وجود مؤامرة إيرانية تستدعي منهم الفزعة بمساندة النظام للتصدي إلى المعارضة.وجوه بارزة من السنة وقعت في ذلك الفخ وانبرت للدفاع عن السياسة الظالمة، وسخر آخرون منابر إعلامية ودينية وتجمعات أهلية للنيل من المعارضة والدفاع عن الإنتهاكات.

ظهرت جمعيات وتجمعات داعمة للنظام ومؤيدة لاجرامه وتنكيله البحرانيين، وارتفع منسوب الخطاب الطائفي البغيض الذي وصم الثورة بالطائفية وبالعمالة لإيران، وهي لم تكن سوى ثورة مشروعة ضد الفساد المالي والاداري والظلم، وهي ذات المظاهر التي كان يحاربها الباكر والشملان في الخمسينات من القرن الماضي.
ارتفعت الأصوات النشاز لتطغى على المشهد السياسي، وغابت الأصوات السنية المعارضة خوفا من النظام تارة وخوفا من المستقبل تارة أخرى، ومن يرتفع صوته فالسجن مأواه كما حصل مع المناضل إبراهيم شريف ومع النائب أسامة التميمي.

لكن انحياز القيادات السنية والشخصيات البارزة من الموالين للنظام لم يجعلهم في مأمن من بطشه، فضلا عن ما لحق بعوام الموالين. ومع مرور الأيام اكتشف الكثيرون أن النظام الذي علقوا عليه آمال الدفاع عن “العروبة” والذود عن حياض الدين، أنه أكبر عدو لها بعد ارتمائه في أحضان الصهاينة واندفاعه المحموم للتطبيع مع ذلك الكيان العدواني. ناهيك عن أن الفساد الإقتصادي والإداري ألقى بظلاله على الحالة المعيشية لعموم المواطنين ولم يستثني من دافع عن النظام ووقف في وجه المعارضة. ثم جاءت فتنة الخلاف مع قطر وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير. فقد ارتد الخلاف باستهداف التيار الإسلامي السني المحسوب على توجه الإخوان في البحرين.

تطورت الأحداث بسرعة كبيرة خلال الأعوام القليلة الماضية، وباتت الجمعيات التي توصف بتيار الموالاة ومنها المنبر والأصالة المقربة من جماعة الأخوان المسلمين، مستهدفة في المنطقة بعد أن رفعت السعودية والإمارات راية استئصال الإخوان في المنطقة. فيما شعر آخرون خدموا النظام بأنهم لم يكونوا سوى أدوات استخدمها النظام ثم تخلص منها في أقرب فرصة عندما تحولت إلى عبء عليه.

مشروع التجنيس السياسي الذي أراد من خلاله النظام إجراء تغيير ديمغرافي في البلاد لصالح السنة، كانت نتائجه عكسية ! آثار اجتماعية وثقافية واقتصادية وحتى سياسية ضاق بها سنة البلاد ذرعا قبل شيعتهم! بل وحتى في السعودية المجاورة!

فساد العائلة الحاكمة ونهبها لخيرات البلاد هو الآخر بدأ يثير غضب سنة البحرين. وقد فرضت الأزمة مع قطر واقعا جديدا في منطقة الخليج، حيث أدرك كثير من الخليجيين أن مجلس التعاون لم يكن سوى كذبة كبيرة، إذ يقوم اليوم بمحاصرة لأحد شعوب المنطقة ويقاطعها في محاولة لفرض هيمنة السعودية على منطقة الخليج.

رويدا رويدا بدأت ملامح معارضة سنية تظهر في سماء البحرين.

أدت الأزمة القطرية مع استهداف جماعة الأخوان المسلمين في المنطقة من قبل الإمارات والسعودية إلى تغيير في ولاءات بعض النخب السنية المقربة للسلطات الحاكمة في البحرين. كما أبدى بعضهم مخاوفه من انضمام البحرين للعدوان السعودي على اليمن بعد أن تخلوا عن تيار الإخوان وانقلبوا عليهم.
بدا هذا القلق في تغريدات نشرها نائب إخواني سابق، ثم ما لبث أن وجد نفسه في السجن رغم علاقاته المتينة مع رموز الحكم والمسؤولين في الأجهزة الأمنية. وألصقت به تهمة نشر تغريدات على حسابه الشخصي تضمنتها أخبار ومعلومات مكذوبة لا أساس لها من الصحة، من شأنها الإضرار بالنظام العام بحسب إدعاءات النيابة. وسبق ذلك اعتقال أحد أبنائه بتهمة إدارة حساب مثير للفتنة!وتحدثت حسابات موالية عن صراع مزعوم مع جناح رئيس الوزراء خليفة سلمان، واتسعت دائرة النقاشات بتعدد الحسابات المؤيدة والمعارضة له. ونشر نجل أحد قيادات الاخوان في البحرين مقطع فيديو على يوتيوب يفضح الأجهزة الأمنية بأساليبها غير القانونية في الملاحقات. كما تبع ذلك بعد فترة اعتقال أحد الكتاب المحسوبين على جمعية المنبر الإسلامي ذراع الإخوان المسلمين في البحرين. مما أثار تكهنات بأن نهاية جماعة الإخوان في البحرين قد بدأت، بالرغم من أن اخوان البحرين لا يعتبرون معارضين للعائلة الخليفية الحاكمة، بل حلفاء لها، وقد سبق وأن تولى بعض قياداتها مناصب حكومية رفيعة.

مع الوقت وضعت السلطات الخليفية جماعة الإخوان المسلمين على لائحة الإرهاب، وزاد الخطاب العدائي لهذه الجماعة في البحرين بعد مقاطعة قطر، وظهر واضحا أن الجماعة تحاشت الهجوم على الدوحة ولم تنساق ضمن الحملة التي تقدمتها حكومة البحرين. كانت تلك واحدة من إرهاصات تحول جماعة الإخوان في البحرين إلى معارضة.

على الصعيد العسكري كان لافتا موقف الضابط السابق في قوة الدفاع ياسر عذبي الجلاهمة الذي ظهر في مقابلة خاصة مع قناة الجزيرة من الدوحة خلال  برنامج «ما خفي أعظم». والجلاهمة ينتسب لقبيلة حليفة لآل خليفة بل شريكة معها في الحكم إلى حد ما، وقد اعتبرت السلطات الخليفية برنامج الجزيرة على أنه «حلقة جديدة من سلسلة التآمر ضد البحرين، وسعياً من قطر لتقويض مجلس التعاون الخليجي وإثارة الفتنة بين دوله». كان أبرز ما كشف عنه الجلاهمة في البرنامج هو مشاهدته كرئيس كتيبة كلفت بفض دوار اللؤلؤة في مارس 2011، وتأكيده على أن جهاز الأمن الوطني افتعل مسرحية وجود أسلحة في الدوار، وتأكيده على أن فض الإعتصام لم يكن بحاجة لمساندة الجيش، حيث أن المعتصمين غير مسلحين.

وكنتيجة لهذا الموقف أصدرت السلطات حكما غيابياً باعدام ياسر عذبي الجلاهمة وتنزيل رتبته إلى جندي، وطرده من قوة الدفاع، وعدم التحلي بأي وسام أو نوط، وشطب اسمه من قائمة أعضاء القوة الاحتياطية، ولايزال الجلاهمة مطلوبا للسلطات. هذا التغير في ولاء الجلاهمة يعطي مؤشرا على حالة عدم الرضا حتى داخل المؤسسة العسكرية التي يحكم الخليفيون قبضتهم عليها، وصبغوها بلون طائفي واحد.

وكان للإعلاميين والكتاب المحسوبين على النظام أيضا نصيب وافر من الإستهداف، بعد ظهور بوادر معارضة في صفوفهم، فقد استدعت وحدة الجرائم الإلكترونية كاتبا معروفا بعد تغريدات كتبها معلقا على تغريدة لوزارة الداخلية الخليفية التي تحذر فيها المواطنين من متابعة الحسابات التي وصفتها ب”الفتنة”. اعتبر الكاتب في تغريداته بأن تلك الإجراءات هي “أسوأ شيء يصدر منذ عرفت البحرين معنى الحرية”!

وخاطب الكاتب المعروف الداخلية عبر حسابه في “تويتر” قائلا “خافوا الله”، كما رفض في تغريدته الإنصياع للإجراءات القمعية المستحدثة، مؤكدا “ لن نسكت عن جريمة التجنيس ولن نسكت عن الفساد، ولن نسكت عن الذباب الإلكتروني بخطاباته الفاجرة”. وأشار الكاتب السابق في صحيفة الوطن إلى التنصت على المواطنين من قبل الداخلية، مشددا “ لن نسكت عن التنصت على الناس”. ثم ذهب الكاتب بعيدا حيث دعى جمعية المحامين وكل بحراني “شريف” بحسب وصفه إلى أن “يقف ضد اختطاف مدنية البحرين وعسكرتها على أيدي أشخاص لا نعرف منهم سوى عنوان يربطهم بالداخلية”. كما وصف إجراءات الداخلية ب”الإرهاب الأسوأ من أي إرهاب نعرفه”، وهو يطلق تحذيراته للسلطات بالقول “فضوها سيرة لا تدفعوا الناس لاحتقار الدولة ..”.وتناغمت تلك التغريدات والمواقف مع بروز خطابات وتصريحات من شخصيات بارزة في تيار الموالاة، واستدعي محام بارز في في ذلك التيار لنفس الأسباب حيث أطلق سلسلة من التغريدات التي تحمل تكهنات ضد سياسات السلطة أو تبدي معارضة واضحة لممارساتها وتقييدها للحريات العامة.

آخر حلقات في هذا المسلسل هي اعتقال الوكيل المساعد بمجلس رئيس الوزراء إبراهيم الدوسري واتهامه بإدارة حساب “نائب تائب” والتعاون مع جماعات معارضة تتواجد في إيران وبعض الدول الأوربية. وقال الناشط محمد البوفلاسة في حسابه على تويتر أن الدوسري ألصقت به تهم من بينها التخابر مع قطر. وكان حساب نائب تائب الذي اتهم الدوسري بإدارته قد نشر معلومات واتهامات تفيد بمؤامرة جناح الديوان الملكي ضد شخص رئيس الوزراء خليفة بن سلمان. كما ظهر من خلال ما نشر من تغريدات وردود نقاشات أن الطبقة المحسوبة على تيار الإخوان في البحرين متهمة بالتواصل مع الجانب القطري، وهي طبقة مقربة من رئيس الوزراء.

الأمثلة كثيرة، لكن خلاصة ما يمكن أن يستنتجه المتابع هو أن معارضة آل خليفة لم تعد مقتصرة على الجمري والدرازي والستري ومشيمع والخواجة وغيرهم من الألقاب والرموز المحسوبة على الشيعة كما كان يخطط ويريد النظام، وإنما هناك رموز وشخصيات من عوائل معروفة وعريقة في الشارع السني انفجر غضبهم، وانكسر صمتهم، ولم يعد البوفلاسة مثلا حالة شاذة في المعارضة من الشارع السني ( كما كانوا يروجون)، بل إن السياسات الحمقاء للنظام أظهرت معارضين من قبيلة الجلاهمة، والدوسري، والكواري وغيرهم.  ومن الجدير ذكره أن أسباب ظهور المعارضة السنية إن صح التعبير هي ذات الأسباب التي أدت للثورة على النظام في 2011، ولا يوجد اختلاف كبير في منطلقات رموز المعارضة القابعين في السجون وبين المعارضة الجديدة، فالجميع ينشد الأمن، والمساواة، ويرفض التمييز والفساد، والتجنيس، وقمع الحريات، والتطبيع، مع الاقرار بوجود اختلافات هامشية في الآليات.

هذه الحيثيات تؤكد فشل سياسات النظام في القضاء على المعارضة رغم استهدافها وتغييبها، وتعطي مؤشر على أن هدوء الحراك الميداني لا يعني موت الحركة الجماهيرية، فأسباب ما زالت قائمة بل تزداد مع الأيام، كما أن دائرة المعارضة تتوسع لتشمل الطبقة الموالية، لأنها أسباب منطقية يؤكدها انسداد أفق الحل السياسي واصرار النظام على سياساته القمعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى