ما وراء الخبر

هل تنفرج الأزمة السياسية في البحرين مع غياب المقبور خليفة؟

رأي البحرين اليوم – خاص

أثار إعلان موت رئيس وزراء البحرين خليفة سلمان الخليفة الأربعاء 11 نوفمبر 2020 موجة من التكهنات بشأن احتمالية حل “الأزمة” السياسية التي تكمل عامها العاشر في 14فبراير المقبل.

إذ تروج بعض الأوساط على أن المقبور خليفة الذي جلس على كرسي رئاسة الوزراء منذ نيل البلاد استقلالها قبل نصف قرن، كان صخرة كأداء بوجه أي محاولة لاجراء إصلاحات في البحرين تلبي مطالب أغلبية الشعب. قد لايخلو هذا الإدعاء للوهلة الأولى بشيء من الصحة! على اعتبار أن خليفة عرف برجل الحكم “المتشدد” أبان فترة الحاكم السابق عيسى الخليفة، والتي امتدت لثلاثة عقود من الزمن قبل أن يتسلم ابنه حمد مقاليد الحكم في العام 1999.

شهدت تلك العقود الثلاثة انتفاضات شعبية قمعتها حكومة خليفة بالحديد والنار، مستعينة تارة بالمستشار الأمني البريطاني أيان هندرسون، وأخرى بقوات المرتزقة التي تشكل العمود الفقري لأجهزة الأمن التي اشتهرت بتعذيب المعارضين.

خلال تلك العقود أسس المقبور خليفة إمبراطورية مالية ضخمة تمتد من مرفأ البحرين المالي وحتى سلسلة فنادق كمبنسكي الفخمة. دفع الشعب ثمنا باهضا لسياسات خليفة سواء على صعيد التضحيات أو على صعيد الحريات وحقوق الإنسان أو على الصعيد الإقتصادي إذ ظلت البحرين تصنف على أنها الدولة الخليجية الأفقر، بالرغم من الثروات الهائلة التي يتمتع بها حكامها.

حافظ المقبور خليفة على مركزه القوي بحكم خبرته وسنه وكونه عما للحاكم الحالي، إلا أن حمد الخليفة ومنذ جلوسه على سدة الحكم عام 1999 خلفا لأبيه استخدم سلطاته الواسعة لتحجيم نفوذ عمه عبر الدفع بولي عهده سلمان نحو الواجهة سواء من خلال ترؤس الأخير لمجلس التنمية الاقتصادي، أو عبر تعيينه قائداً عاماً لقوة دفاع البحرين برتبة فريق أول.

انفجر الخلاف بين سلمان والمقبور خليفة بعد أن استحدث حمد منصبا جديدا هو نائب القائد الأعلى الذي تولاه سلمان في عام 2008 وأوكلت إليه مهمة الإشراف على الخطط السياسية والعسكرية والمالية في الدولة، ورفضت الوزارات التابعة لرئيس الوزراء آنذاك التعاون مع ولي العهد، وانتهت الأزمة بتدخل حمد شخصيا.

ولذا فيمكن القول أن دور المقبور خليفة قد بدأ بالانحسار في البحرين منذ تولي سلمان لولاية العهد، لكنه لم يخرج عن خط القمع والاضطهاد الذي تمارسه العائلة الحاكمة، وهو ما تجلى بوضوح عند اندلاع ثورة 14 فبراير عام 2011 التي كان خليفة احد أبرز رموز قمعها، سواء عبر الأجهزة الحكومية التي يرأسها أو من خلال دعمه الواضح للجلادين والمعذبين.

كانت كلمة الفصل وماتزال بيد حاكم البلاد حمد ولم يكن خليفة عائقا أمام أي إصلاحات كان يمكن لحمد اتخاذها، بل على العكس من ذلك فإن خليفة عندما زار سماحة السيد عبد الله الغريفي العام الماضي عقب الحديث عن مبادرة لحل الأزمة طرحها الأخير, فإنه تعرض إلى سيل من الهجمات الإعلامية من قبل مقربين من الديوان الملكي. وهذا يدل وبكل وضوح أن خليفة كفرد لم يكن عقبة أمام “الإصلاحات” في البحرين، ولكنه جزء من منظومة عائلية تعارض أي “إصلاح” في البلاد التي يقودها حمد الخليفة.

لكل ذلك فإن التسويق لفكرة أن باب الإصلاحات سيفتح على مصراعيه بغياب خليفة وجلوس ولي العهد على سدة رئاسة الوزراء، هو بيع للسراب وتضليل للرأي العام، وخداع للشعب للتعلق بآمال بعيدة المنال. إذ إن الإصلاح لا وجود له في قاموس العائلة الحاكمة التي تعتقد أن أبسط إصلاح أو تنازل تقدمه للشعب فإنه يعني بداية نهاية حكمها وتسلطها.

العصابة الحاكمة وفي مقدمتهم سلمان الخليفة توثق علاقتها بالصهاينة غير أبهة للمعارضة الشعبية، ولا يوجد ما يوحي أنها بصدد الحد من سياسات التضييق على الحريات الأساسية والتنكيل بالمعارضين والناشطين، أو في عسكرة البحرين بقوات اجنبية، كما لا يوجد ما يشعرها بوجود ضغط يجبرها تقديم تنازلات ولو شكلية فضلا عن حلول حقيقية للأزمة.

قسم آخر عول على فوز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة، باعتباره حدث قلب توقعات حكام السعودية والبحرين والإمارات وأثار موجة من القلق في صفوفهم. إلا أن هذا الفوز لايعني بأن العائلة الحاكمة ستتجه نحو الإصلاح على يد سلمان، ويقوم بإلقاء باللائمة على رئيس الوزراء السابق. تسويق مثل هذا الادعاء يعكس طحالة في التفكير، وقصر شديد في المعلومات، لسببين رئيسيين الأول أن بايدن كان نائب الرئيس في عهد أوباما وهي فترة لم يتوقف أو يتورع فيها الحكم عن قمع المعارضين وتعذيبهم، وهي الفترة التي اعتقل فيها أمين عام جمعية الوفاق الشيخ علي سلمان وقبل ذلك حل الجمعية، وهي الفترة التي أسقطت فيها السلطات الجنسية عن آية الله الشيخ عيسى قاسم. وفي تلك الحقبة شنت السعودية عدوانها على اليمن بدعم أمريكي بالسلاح والخبرات العسكرية …إلخ. والسبب الثاني أنه ومع الإقرار بأن الرئيس ترامب كان سيئا وعنصريا وغير مكترث بحقوق الإنسان، إلا أن الفرق بينه وبين غيره في الأسلوب، أما الجوهر فثابت وهو الحفاظ على المصالح الأمريكية ولو كانت على حساب الشعوب وحريتهم وأمنهم، ولهذا فإن أي تغييرات متوقعة في السياسيات الخارجية الأمريكية لن تكون بحجم الضغط على الحكومات الديكتاتورية لتتحول إلى أنظمة ديمقراطية وتسلم فيه السلطة إلى الشعب. إن أقصى ما هو متوقع من الرئيس الأمريكي الجديد هو أن يزعج تلك الأنظمة ومنها البحرين بدعواته اللفظية لاحترام حقوق الإنسان، وهي دعوات لا تغني ولا تسمن من جوع، وقد تكون بهدف الإبتزاز لعقد صفقات تجارية أو الحصول على مكاسب سياسية للولايات المتحدة بالدرجة الأولى.

العجيب الغريب أن يأمل البعض في الفرج من تحت عباءة سلمان الخليفة ليكون هو قائد الإصلاح ويستقر متربعا على منصبه الجديد برئاسة الوزراء، بينما كان السقف الأدنى للمعارضة بعد تفجر ثورة 14فبراير هو التداول السلمي للسلطة، ما يعني أن تلك الدعوات تستجدي “مكرمة” من سلمان بإطلاق سراح المعتقلين فقط، وليست في وارد الحديث عن حل سياسي يديم الإستقرار في البحرين. هذه الدعوات مجحفة وخطيرة على مستقبل البحرين، وتعتبر تفريط بالتضحيات التي قدمت طوال العشر سنوات، ولهذا يجب أن يصحو البعض من إطلاق الأوهام التي تقوي فساد ولي العهد ولا تزيده إلى غرورا.

سلمان لن يكون وفيا إلا إلى والده الذي عينه وقلده المناصب العليا، وستبقى عيونه شابحة نحو استلام الحكم في المستقبل، وتقوية التحالفات التي ساهم في بنائها وفي مقدمتها الإرتماء في أحضان الصهاينة. تلك التحالفات تتطلب من سلمان الإستمرار في الإبادة السكانية عبر التغيير الديمغرافي من خلال التجنيس، واضعاف الجماعات المعارضة للحكم لأنها ذات نزعة قومية عروبية ترفض مشاريع التطبيع والعار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى