ما وراء الخبر

إلى متى استجداء الحوار مع آل خليفة؟!

 

البحرين اليوم- متابعات

لم يتعظ بعض السياسيين البحرانيين ولا بعض راكبي موجة المعارضة من تجارب” الحوار” السابقة مع آل خليفة، فلطالما اصطدم الحوار بجدار الصد الخليفي الذي تحطمت عنده كل الآمال بمد الجسور مع نظام لا يعترف بالآخر ولا يتعامل مع أهل البحرين الأصلاء إلا وفق معادلة الغزاة المحتلين.

آل خليفة ومنذ غزوهم البحرين في القرن الثامن العاشر بقيادة جدهم أحمد، عدوا ذلك الغزو فتحا، حتى أطلقوا على الغازي لقب أحمد الفاتح، وكأنهم فتحوا بلادا غير مسلمة ونشروا في ربوعها الإسلام. ولعل ذلك ما يعتقدونه في قرارة أنفسهم، رغم أنهم بعيدون عن الإسلام وتعاليمه بعد المشرقين. فما هم إلا عائلة فاسدة حتى النخاع تنتهك الحرمات وتزهق الأرواح وتملأ البلاد ظلما وتمد الجسور مع أعداء الأمة.

كان الغدر طبعهم منذ نيل البحرين “استقلالها” أوائل السبعينات من القرن الماضي. سرعان ما انقلبوا على دستور البلاد وعلى أهلها الذين أعربوا عن رغبتهم بإقامة إمارة عربية، واشترطوا لاستمرار حكم آل خليفة أن يخضعوا لمؤسسات دستورية أهمها الجمعية الوطنية، التي انتخب أعضاؤها لأول مرة عام 1973.

لم يلبث آل خليفة حتى نكثوا العهود والمواثيق التي أبرموها مع أهل البحرين، إذ أعلن الحاكم السابق عيسى الخليفة حل الجمعية في العام 1975، وعطل الحياة النيابية وقمع الشعب الذي انتفض ضد انقلاب آل خليفة على الدستور وحتى وفاته عام 1999.
خلال تلك السنوات فشلت كافة مبادرات الحوار وكان القمع سيد الموقف, توالت الاعتقالات في السبعينات والثمانينات واشتدت في التعسنات مع تفجر انتفاضة الكرامة آنذاك. اعتقال قادة المعارضة على رأسهم سماحة الشيخ عبد الأمير الجمري والأستاذين حسن مشيمع وعبد الوهاب حسين وآخرين فيما تم إبعاد الشيخ علي سلمان من البلاد. اعتقل الجمري ورفاقه مرتين خلال انتفاضة التسعينات. كانت المرة الأولى عام 1995 وأفرج عنهم في العام ذاته عقب حوار مع السلطة.
ثم أعيد اعتقالهم في يناير 1996 بعد فشل الحوار ولم يفرج عنهم إلا في فبراير 2001 قبيل التوقيع على ميثاق العمل الوطني بعد أن تعهد حمد بتلبية مطالب المعارضة.

وبعد أن تولى حمد مقاليد الحكم لم يرق له لقب الأمير فقرر أن يصبح ملكا، وهنا بدأ رحلة الخداع والمكر مع أهل البحرين. ادعى أنه يريد أن يفتح صفحة جديدة معهم، يريد إعادة الحياة النيابية والسلطة للشعب باعتباره مصدر السلطات، “صدقه” الناس لطيبة متجذرة في نفوس أهل هذه الأرض يقل نظيرها بين شعوب العالم.

دخلت بعض قوى المعارضة انتخابات العام 2006 وتبعتها في العام 2010 ومابينهما لم يتوقف القمع الخليفي المتجذر في سياساتهم، فقد سار حمد على خطى أسلافه! اعتقل الأستاذ حسن مشيمع مرة أخرى لمدة يوم واحد في فبراير 2007، ثم بعدها في يوم 26 يناير 2009 بتهمة الترويج لكراهية النظام الحاكم من خلال نشاطه السياسي المعارض الذي طالب فيه بحياة ديمقراطية حرة.

وأطلق سراحه في أبريل 2009 وذلك بعد توتر أمني شديد أصاب البلاد شهدت خلالها مظاهرات واحتجاجات شبه يومية، وبعد ضغط دولي للمطالبة بالإفراج عنه مع الشيخ المقداد. أعيد اعتقال قيادات بارزة في المعارضة منتصف 2010 في مقدمتهم الدكتور عبد الجليل السنكيس والشيخ محمد حبيب المقداد والشيخ عبد الهادي المخوضر، فيما كانت السلطة تلاحق الأستاذ حسن مشيمع وهو يتلقى العلاج في لندن. وقد عجت السجون في ذلك الوقت بمئات الشباب والنشطاء وعرضت القيادات لأبشع أنوع التعذيب الوحشي والمهين.
طفح كيل البحرانيين في فبراير 2011 فاندلعت شرارة ثورة 14 فبراير التي لم تهدأ لحد اليوم. واجهها آل خليفة بالحديد والنار قتلوا العشرات، واعتقلوا الآلاف واستعانوا بالقوات العسكرية السعودية لسحق الثورة.

في ذلك الوقت ومع اشتداد نار الثورة وفشل النظام في إطفاء جذوتها، عاد النظام الخليفي إلى لعبة المكر والخداع وهي رفع راية الحوار! سلمت العائلة الخليفية تلك الراية إلى عراب التطبيع ولي العهد سلمان. كانت العائلة تسوقه حمامة سلام لخداع المعارضة، ومع الأسف فما يزال من بين السياسيين من هو مخدوع به ويعول على فتات مبادرة حوار يرميها له على قارعة الطريق فيسارع لالتقامها عسى أن تشبع جوعهم!

ظهر جليا أن الهدف لم يكن الحوار بل هو المكر والخداع وكسب الوقت لحين الانقضاض على الثوار، إذ لم تكد تمر سوى أسابيع معدودة على ذلك إلا واستعان الخليفيون بقوات الاحتلال السعودي التي قمعت الثورة بكل قسوة. عاد ولي العهد الخليفي مرة أخرى إلى المشهد عقب صدور تقرير بسيوني حيث زعمت السلطة أنها ستفتح باب الحوار والذي دعوا له حوالي ٣٠٠ شخصية من بينهم جمعيات الرفق بالحيوان، وبعد فشل تلك المكيدة رتبوا لمكيدة أخرى في فبراير ٢٠١٣ لحوار بين الأطراف الموالية والمعارضة وانسحاب آل خليفة، واستمر ذلك الاستعراض لقرابة العام دون لينتهي بالفشل مع ارتفاع وتيرة القمع. وفي كل مرة يظهر سلمان الخليفة متفضلا على الناس وكأنه هو صاحب المبادرة والبريء من كل أعمال القمع، حيث التقى في العام 2014 بسماحة الشيخ علي سلمان لنقاش مبادرة جديدة للحوار، وكانت النتيجة كالعادة غدر بالشيخ الذي زج به بالسجن بتهمة التآمر!
مع هذا لم يتعظ كثير من السياسيين من هذا التاريخ الملئ بالخداع والمكر الخليفي، ورفض لغة الحوار. فآل خليفة يرفضون الاعتراف بالطرف الآخر وهو شعب البحرين، ويرون فيهم رعايا وأتباع لهم. لازالوا ينظرون له بمنظار السخرة والعبودية.

فلماذا يستمر البعض بالتعويل عليهم مع قرب كل انتخابات لا ينتج عنها سوى مجلس نيابي صوري لا يهش ولا ينش، بل وظيفته التطبيل للخليفيين ولجرائمهم. ومع اقتراب موعد الانتخابات النيابية أواخر هذا العام، يسارع النفعيون والمخدوعون ومرتزقة آل خليفة الطوعيون إلى استجداء الحوار معهم، مع أن الخليفيين لا يقيمون وزنا لهم. لسان حال الصامدين في السجون لهؤلاء: قليل من الكرامة وقليل من الحياء، فشعب البحرين لم يقدم كل هذه التضحيات من أجل استجداء حوار مع جلاديه، بل من أجل الإطاحة بهم ورميهم بعيدا عن البحرين ليعودوا من حيث جاؤوا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى