ساهر عريبيمقالاتمنوعة

هل عاد بايدن خالي الوفاض من جولته الشرق أوسطية؟

البحرين اليوم – مقالات ..

بقلم: ساهر عريبي ..

اختتم الرئيس الأميركي جو بايدن السبت 16 يوليو أول جولة شرق أوسطية له منذ جلوسه في المكتب البيضاوي. الرحلة التي استمرت 4 أيام استهلها بزيارة “إسرائيل” والأراضي الفلسطينية المحتلة وأخيرا شارك في قمة جدة للأمن والتنمية التي عقدت في السعودية. تفاوتت التقييمات بشأن الزيارة وعما إذا نجح بايدن في تحقيق الأهداف المرجوة منها, فبينما عدها البعض زيارة فاشلة , اعتبرها آخرون نجاحا لولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي حل بايدن ضيفا عليه, وهوالذي تعهّد الأخير إبان الحملة الرئيسية بمحاسبته وجعل السعودية دولة “منبوذة”.

وقبل تقييم الزيارة لابد من معرفة أهدافها والملفات التي تأبطها بايدن قبل وصوله إلى منطقة الشرق الأوسط. كان في طليعتها ملف الطاقة. فالرئيس الديمقراطي يواجه داخليا تضخما غير مسبوق أملاه ارتفاع أسعار الطاقة وهو ما يهدد الحزب الديمقراطي بخسارة الانتخابات النصفية التكميلية للكونغرس التي قد تطيح بالأغلبية التي يتمتع بها الديمقراطيون حاليا في الكونغرس, مما يزيد مصاعب الرئيس خلال السنتين المتبقيتين من ولايته.

ولذا فكان هدف بايدن من هذه الزيارة على هذا الصعيد هو إقناع دول الخليج المنتجة للنفط برفع سقف الإنتاج وهو ما حصل عليه!
إذ أعلن ولي العهد السعودي خلال كلمته الافتتاحية التي ألقاها في القمة عن رفع بلاده سقف الإنتاج من 11 إلى 13 مليون برميل يوميا.
ولذا فيمكن القول أن بايدن نجح على صعيد هذا الملف بانتظار أن تحذو دول أخرى في المنطقة حذو الرياض ولو بنحو أقل.

أما الملف الثاني الذي حمله بايدن خلال زيارته فهو ملف إدماج إسرائيل في المنطقة ! ولعل أكبر خرق حققه بايدن في هذا الملف هو إعلان السعودية فتح أجوائها أمام جميع الناقلات الجوية الإسرائيلية ولأول مرة في التاريخ. وأصبح بايدن أول رئيس أميركي يستقل طائرة من “إسرائيل” إلى السعودية. يأتي هذا التطور في وقت تجري فيه وراء الكواليس وعلى قدم وساق اتصالات بين الرياض وتل أبيب, حتى أن رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو أشاد ببن سلمان واعتبر أنه كان داعما لاتفاقيات التطبيع التي أبرمتها دول عربية مثل البحرين والإمارات والسودان مع “إسرائيل”.

وعلى صعيد هذا الملف أيضا فقد استبق زيارة بايدن مشروع قرار قدمه مشرعون أميركيون يمهل وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون 6 أشهر لتقديم استراتيجية لدمج الدفاعات الجوية الإسرائيلية مع نظيرتها في تسع دول عربية هي دول مجلس التعاون الخليجي الست إضافة إلى مصر والأردن والعراق. تزامن هذا الطرح مع دعوة أطلقها وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس لإنشاء قوة عسكرية إقليمية بقيادة الولايات المتحدة. وبعدها أعلن ملك الأردن تأييده تشكيل حلف “ناتو” شرق أوسطي على غرار حلف الناتو بين دول ” تتشارك في الرؤى” بحسب تعبيره.

غير أن هذا الطرح لم يتطرق له القادة الذين شاركوا في القمة على الأقل علنا بل أن وزير الخارجية السعودي نفى عقب القمة مناقشة مثل هذا المشروع. كما أن مواقف الدول المشاركة في القمة تفاوتت بشأنه, فبينما أغلق مجلس النواب العراقي الباب أمام أي خطوة للتطبيع عبر تبنيه قرار بتجريمه, فإن الإمارات استبقت القمة بالنأي بنفسها عن المشاركة في أي تحالف موجّه ضد إيران. لكن الإمارات دخلت في مثل هذا الحلف عمليا على الأرض بعد أن تم الكشف عن نشر منظومة رادارات إسرائيلية فيها وفي البحرين. لذلك أكد بايدن في كلمته على أنه يسعى لبناء روابط بين دول المنطقة وبما يتناسب مع سيادتها واستقلالية قرارها. ولذا فيمكن القول أن بايدن نجح جزئيا في إدماج إسرائيل بالمنطقة في الوقت الحالي لكنه عبّد الطريق نحو مزيد من الإدماج مستقبلا.

وهناك ملف هام آخر حمله معه بايدن إلى السعودية وهو ملف العلاقات التي تربطه بدول الخليج. فهذه الدول ومنذ تولي الديمقراطيين مقاليد الحكم في البيت الأبيض, وهم يلحظون ابتعادا أميركيا عن المنطقة واهتماما بمنطقة بحر الصين والمحيط الهادئ بعد أن سار بايدن على نهج سلفه ترمب المتشدد حيال الصين. قد أسهم في هذا البرود بالعلاقات تصريحات بايدن بشأن السعودية. إلا أن الحرب الروسية على أوكرانيا أعادت اهتمام بايدن بمنطقة الخليج. فارتفاع أسعار الطاقة سبب لبايدن متاعب داخلية كما أسلفنا فضلا عن مخاطر من تمدد روسي صيني في هذه المنطقة الحيوية من العالم وعلى حساب الولايات المتحدة. وقد ظهرت بوادر ذلك جلية في تنامي التبادل التجاري بين دول المنطقة وروسيا والصين مع تلويح بتغيير الاصطفافات.

لذا فقد أراد بايدن قطع الطريق أمام روسيا والصين عبر إعلانه الصريح بأن واشنطن لن تترك فراغا في المنطقة تملأه روسيا والصين فضلا عن إيران. كما طمأن دول الخليج بأن الولايات المتحدة لن تسمح بحيازة إيران سلاح نووي. وكان الجواب فوريا من دول مجلس التعاون الست! فقد أعلنت تلك الدول وعلى لسان ولي العهد الكويتي أنها تسعى لتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. ولذا فيمكن القول أن الرئيس الأميركي قد نجح على هذا الصعيد.

وأخيرا نجح بايدن في تهميش القضية الفلسطينية التي تراجع الاهتمام بها خلال القمة ولم تخرج كلمات المشاركين فيها عن الخطاب النمطي الذي يعد تكرارا لموقف بايدن بشأن حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وفق حل الدولتين، اذا نا استثنينا كلمة أمير قطر الذي اكد فيها على أن التوتر سيظل قائما ما لم تتوقف الانتهاكات الاسرائيلية رافضا أن يمارس العرب دور اقتراح التسويات بينما ترفضها إسرائيل بحسب تعبيره.

و بالمجمل فإن زيارة بايدن تعد ناجحة في كافة المقاييس ويبقى الفشل الوحيد الذي طبعها هو أن نجاحها كان على حساب تعزيز قيم حقوق الإنسان بعد أن نكث بوعوده بشأن الرد على مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول عام 2018, رغم أنه ألقى كلمة على مسامع المشاركين في القمة أكد خلالها على أهمية تعزيز حقوق الإنسان قائلا” إن المستقبل ستفوز به البلدان التي تطلق العنان للإمكانات الكاملة لشعوبها ، حيث يمكن للمرأة أن تمارس حقوقًا متساوية وتساهم في بناء اقتصادات أقوى ومجتمعات مرنة وجيوش أكثر حداثة وقدرة ؛ وحيث يمكن للمواطنين استجواب وانتقاد قادتهم دون خوف من الانتقام”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى