غير مصنفملفات

(البحرين اليوم) تجمع خيوط جريمة اغتيال الزهرات السّت قبل 3 أعوام

q

البحرين اليوم – (خاص-إعداد مريم البحراني)

اليوم: السبت، ليلة الأحد

التاريخ: ٢٥ فبراير من العام ٢٠١٢م

لم تكن تلك الليلة مثل بقية الليالي على عموم شعب البحرين. في تلك اللّيلة جافى النّومُ الناسَ بعد شيوع نبأ وفاة ٦ فتياتٍ في عمر الزّهور. أصغرهن لم تتجاوز سنّ السادسة عشر عاماً، والكبرى كانت في سنّ الثانية والعشرين عاماً.

٦ صديقاتٍ تربين معاً. تعلّمن سويةً. تشاركن الضّحكات وألوان البهجة. وحين جاء القدرُ، كانت الوفاةُ أيضاً لحافهن المشترك.

رقية، كانت أحدثهن عهداً بميثاق الصّداقة المشتركة. إلا أنها كانت شديدة الارتباط بهن، وكأنهن يعرفنها منذ زمن الطّفولةِ الأولى.

رغم اختلاف مسقط رأس كلّ واحدةٍ منهنّ، إلا أنّ السكن المتقارب شكّل عاملاً في بناء تلك الصّداقة الأبديّة.

– الشقيقتان فاطمة (مواليد ١٩٩٣) طالبة حقوق في سنتها الأولى، ومريم (مواليد ١٩٩٥) طالبة في المرحلة الثانوية، من بلدة الحجر.

– الشقيقتان طاهرة، ١٧ عاماً، وغيداء، ١٦ عاما، طالبتان في المرحلة الثانوية، من بلدة السهلة.

– الشابة رقية أحمد، ٢٢ عاما، من بلدة النعيم. كانت على وشك الاستعداد للعمل بإحدى الشركات الخاصة.

– الشابة مروة مكي، ١٨ عاما، من بلدة كرباباد. وهي حديثة التخرج من المرحلة الثانوية.

loc-m-1
صورة من حادث البنات الست

في طرفة عين.. فُقدن جميعاً منذ 3 أعوام

حادث “مروري” مُدبّر اختطف الصّديقات في لحظةٍ واحدة. حادثٌ يحملُ بصماتِ الخليفيين الذين لازالوا يُخفون ملابسات تلك اللّيلة، ويتمنّعون عن التصديق على لجنة تحقيق مستقلةٍ لكشف الحقيقة التي تكشف عملية الاغتيال المدبّرة بحقّ زهرات البحرين السّت.

– قبل ربع ساعة من الحادثة.. الاتصال الأخير: “نحن في طريق العودة”

قبل ساعاتٍ من الجريمة، وتحديداً في الساعة الثانية ظهراً من يوم السّبت، خرجت الفتيات سويةً. أبلغن أهلهن بأنهن ينوين الذهاب للتسوّق، وتناول وجبة العشاء معاً.

قبل ربع ساعةٍ من جريمة الاغتيال، تلقّت عائلة المرحوم عبدالجليل عياد آخر اتصال بابنتهما فاطمة ومريم. أبلغن والدتهن بأنهن في طريق العودة إلى المنزل. إلا أن العودة طالت، والاتصال منقطع. القلقُ دفع الأم لإيقاظ شقيق الشابتين، أشرف (٣٢ عاما)، لاستطلاع الأمر، وإخماد نار الانتظار المشتعلة في أحشاء الأم القلقة.

انطلق أشرف بسيارته بحثاً عن شقيقتيه، ورفيقاتهما.

على مقربةٍ من منطقة سكنهم، لاحظ أشرف تجمعاً لافتاً من المواطنين. لمح أعداداً كبيرة من رجال المرور وقوات الشّغب. اندفع إلى هناك، سأل عن الأمر. قيل له أن حادثاً وقعَ وأودى بحياةِ خمس فتيات، وأن فتاةً سادسة تم نقلها بالإسعافِ إلى مستشفى السلمانيّة.

اندفعَ أشرف نحو موقع الحادثة، وحاول الاقتراب أكثر، إلا أنه مُنع من ذلك. اكتشف أن فاطمة ومريم كانتا في الحادثة، وذلك حين عرف نوع السّيارة.

الصّدمةُ كانت تتقاطر على رأسه. أسرعَ أشرف للّحاق بسيارة الإسعاف. إلا أنّ الفتاة فارقت الحياة بمجرد وصولها إلى المستشفى.

صورة تبين وصول المرتزقة بعد الحادث
صورة تبين وصول المرتزقة بعد الحادث

اختفاء شرطي وشاهده!

في المعطيات الأولى، حاول أشرف معرفة تفاصيل الحادثة من الدّوريّة التي باشرت أولاً معاينة الحادثة. الدورية المكوّنة من شرطيين، أحدهما ادّعى بأنه لا أحد سمع أو رأى الحادث، فيما ادّعى الشرطي الآخر أنّ شاهداً أخبرهم بأنه كان متواجداً في أعلى أحد المباني القريبة أثناء الحادث، وأنه رأى يدَ إحدى الفتيات وهي تُطلّ من زجاج النافذة وهي تحمل هاتفاً محمولاً من نوع بلاكبيري“!

أشرف حاول الاستفسار أكثر عن هذا الشّاهد، إلاّ أن الشرطي الأول أكّد له عدم وجود شهود. أمّا الشرطي الذي تحدّث عن وجود شاهد، فقد تم نقله بسرعةٍ، واختفى من موقع الحادثة.

فتحَ ذلك أبواب الشّكوك. وقد لاحظ أشرف نفسه أنّ مقدِّمة السيارة كانت في اتجاه الشّارع، ومحاذية للجدار الذي يُفترض أنها اصطدمت به.

الحوادث والطوارئ
الحوادث والطوارئ

– في المشرحة: الوجوه سليمة إلا من جُرح!

في تلك اللّيلة الحزينة، توجّهت عائلات الضحايا إلى المشرحة، بغرض التعرف على جثث بناتهن. بقيت العائلات حتى قرابة الساعة الواحدة فجرا، وقد كُشف لهم عن وجوه الفتيات، دون بقية الجسد.

أشرف أكّد بأنه لم يجد على وجه شقيقتيه، فاطمة ومريم، أيّ أثر لجروح عميقة، باستثناء جُرح في جبهة مريم.

سُلّمت العائلة حاجات الفتيات، وهي عبارة عن حقيبة الشقيقتين، التي يُعتقد أنه تمّ تفتيشها في نفس تلك الليلة، وقد سُلّمت الحقيبة من غير رخصة قيادة فاطمة، وبدون هاتفها الذي بقي بحوزة السّلطات لمدة ٣ أيام، حيث سُلّم بعدها، وكان مغلقاً.

أمّا رخصة القيادة فقد دار حولها غموض آخر. فبعد الاستفسار عنها، قيل للعائلة بأنها لدى إدارة المرور، وبأنها أضحت ملكاً للدّولة. وحين سألت العائلة عن مصدر حصول السلطات على رخصة فاطمة، قيل لهم بأنّ أهلها منْ قام بتسليمها للإدارة. وهنا كانت المفاجأة، حيث إنّ أشرف هو ولي أمر فاطمة، بعد وفاة والدهم، وهو لم يسلّم الرخصة لأحد! بادرَ أشرف لسؤال الشرطة عن الشخص الذي سلّمهم الرخصة، ولكن من دون جدوى، حيث لم يحصل على إجابة منطقية واحدة!

ولأن أشرف أبدى شكّاً بأن شيئاً مفقوداً من نقود الشابتين، فقد اتهمته الشرطة بأنه يُشكّك في رجال الأمن، وبأنه سيُحاسب على ذلك، وسيتحمل المسؤولية كاملةً“!

Screen Shot 2015-02-25 at 00.46.18
هل من المعقول آن الجدار لم يتأثر بسبب قوة الحادث!!

نقل السيارة بسرعة.. وعلامات الغموض في كلّ مكان 

أشرف لم ييأس من البحث عمّا يمكن أن يكشف الغموض الذي يُخيّم على الحادثة. أصرّ على معاينة السيارة. المريب في الأمر أنّ السيارة نُقلت من الموقع، بعد ساعتين من وقوع الحادثة. وهي سابقة غير معهودة، حيث إن شركات التأمين عادةً ما تتأخّر في إنهاء الإجراءات، وهو ما يعني التأخّر في إزاحة السّيارة المتضرّرة من موقع الحادث، إلا في حال وجودها في مكان يُشكل خطرا على المارة، وهو الأمر الذي لا ينطبق على موقع الحادث المزعوم.

ما كان يبعث أكثر على الشكوك، هو أنّ مقدّمة السيارة كانت متضررةً على نحو كبير، في حين لم تكن خلفية السيارة تشكو من أضرار يمكن أن تفسّر وفاة منْ كنّ فيها!

ماكينة السيارة كانت متضررة جدا، وهو ما يعني، بالضرورة، أنها أفرغت ما فيها من الماء والزيت. إلا أن أشرف، وبعد معاينة دقيقة لموقع الحادث، لم يجد أثرا للزيت أو الماء، أو حتى الزجاج المُهشّم للسيارةفكيف يكون موقع الحادث،إذن،دون آثار!

حين استفسر أشرف عن كيفية حدوث الحادثة، ادّعت إدارة المرور أن المركبة كان تسير في الطريق المؤدي إلى بلدة سار ناحية شارع عيسى بن سلمان، وكانت قادمةً من الجنوب إلى الشمال بسرعةٍ كبيرة، ونظراً لسوء الأحوال الجوية، وقلّة خبرة السائقة؛ فقد انزلقت المركبة، واصطدمت بجدار إحدى البنايات بالموقع. ولكن، ما كان مثيراً للشكّ أيضاً، هو أن البناية تلك لم تشكُ ضرراً بحسب معاينة أشرف نفسه.

بسرعةٍ تم تسليم جُثث الفتيات المتوفيات، وبسبب هذه السّرعة تم استبدال جثمان مروة بجثمان فاطمة، ثم صُحّح الأمر، بحسب ما يذكر شقيق فاطمة ومريم

النساء اللاتي باشرن تجهييز الفتيات للدفن؛ أكدن أن الإصابة كانت واضحة جدا، وهي تتركز في الرأس من الخلف، فيما ذكر تقرير الطبيب الشرعي المنتدب من الجهات الرسمية أن تهشّم جمجمة الرأس كان أحد إصابات المتوفيات جميعا.

ظاهرياً، أُوليَ الحادث اهتماما رسميا كبيرا ،وصل لدرجة أن يحضر العزاء ولي العهد الخليفيّ شخصيا، الذي التقاه شقيق فاطمة ومريم وطالبه بإجراء تحقيق مركّز وصادق حول كيفية حصول الحادث، وأخبره بشيءٍ من الإشكاليات التي صارت تشغل قلبه، وتدفعه للشّك في الرواية الرسمية.

 ولي العهد وعده خيراإلا أنه وبعد شهر كامل، وبمراجعة الشقيق للجهات المعنية وجد ألا تحقيقا، ولا اهتماما ولابحثاً، بل محاولات مستميتة لإسكاته، وإنهاء الأمر بكلمةٍ واحدة فقط:لازال ملف القضية مفتوحا، وننتظر شاهدا يخبرنا عن كيفية حصول الحادث“! 

ومن العلامات الفارقة، أن شقيق الفتاتين طُلِب منه زيارة ولي العهد الخليفي ليُقدّم الشكر له على تفضّله بتقديم واجب العزاءوردّا على هذا الطلب، أعاد الشقيق طلبه بإجراء تحقيق شامل ومركّز حول الحادث، قائلا:إنْ كان ولي العهد صادقا في اهتمامه؛فليباشر بإصدار الأوامر لإجراء التحقيق الذي طلبته، رافضا زيارة ولي العهد، ومشدّدا على أنالإهمال لا يُقابل بشكر!

خبراء الحوادث.. والأسئلة المحيّرة

هل تعد أسئلة ذوي الفتيات السّت مشروعة، أم مجرد مبالغة؟

توجّهت (البحرين اليومبالسؤال لأحد خبراء الحوادث، وممّن استرعى الحادث انتباهه آنذاك، فأكد أن أسلوب تضرّر السيارة كان غريباً بالنسبة لسيارةٍ اصطدمت بحائط، وهو مايؤكده أيضا الشاب أشرف.

الخبير أوضح أنّ اصطدام سيارة بالحائط يعني أن التضرّر يجب أن يكون من مقدمة السيارة حتى مؤخرتها، بينما يتضح بمعاينة الصور أن تضرر السيارة جاء من الأعلى، وهو ما يفسّره الخبير بأن سيارة الفتيات قد تكون اصطدمت بشئ أعلى من مستواها! حيث لا يمكن أن يكون سبب التضرر حائطا مستويا وثابتا!

وهذه العلامة التي تفتح الطريق إلى اصطدام مركبة عسكرية خليفية بسيارة الفتيات، وفي ظروف شبيهة بالمطاردة، والتسبّب في قتلهن، سواء من خلال الاصطدام أو عبر وسائل أخرى من التصفية، حيث لا يُعقل أن يمتن جميعاً، مرة واحدة، وفي حادث واحد!

في هذا السّياق، يُعيد أشرف الأسئلة المحيّرة التي طالما شغلته: كيف تتضرّر مقدمة السيارة نتيجة الاصطدام بجدار مستوٍ دون أن تتضرر لوحتها؟! وأين ذهب ماء السيارة وزيتها، وموقع الحادث نظيف من أية آثار؟ ولِمَ العجلة بتسليمنا للجثث، وإزاحة السيارة في حادثٍ غامض، لازلنا نتساءل حوله؟ ألم يكن جديرا بالجهات المختصة أن تتريّث في كلّ ذلك حتى تطمئن لحقيقة وتفاصيل الحادث الذي أودى بحياة ست مواطنات؟!”. 

الغموض يلف الحادث
الغموض يلف الحادث

تفريق المواسين.. وبتهديد السلاح

لم تكن وفاة الفتيات شأنا خاصا بعوائلهن، بل تداعت كلّ البحرين لمواساة أهلهن وأنفسهن بهذا الفقد المؤلم لستّ زهرات، وخاصة مع الشك الابتدائي الذي ارتسم أمام الجميع بوجود جريمة مدبّرة من الخليفيين الذين نصبوا الموت في كلّ مكان منذ اندلاع الثورة. اجتمع الناسُ، وبشكل عفوي في اليوم التالي من الحادث، في موقعه المزعوم، إلاّ أن دوريات الداخلية الخليفية ومنتسبيها،فرّقوا الناسَ من هناك قسراً، وتحت تهديد السلاح! وبعد يوم أو يومين من تفريق المتعاطفين الذين زرعوا عند الحائط الذي يُفترض أن يكون المتَّهم الرئيسي في التّسبب بموت الفتيات شموعا وأزهارا، وُجِد الموقع محروقا بأيدي مجهولين

كلّ ذلك كان، ولازال، يثير الريبة في نفوس كثيرين ممّن لم يُصدّقوا الرواية الرسمية.

الشّاب أشرف، وبعد انتهاء مراسم دفن وفاتحة الفتيات، ذهب إلى موقعٍ قريبٍ من مكان الحادث، وحيث كان يعتاد شباب المنطقة على التّسامر فيه كلّ ليلة، حاملا أسئلته لهم. وقد أكدوا له أنهم، وقبل السّاعة العاشرة من مساء تلك الليلة، وهو الوقت التقريبي لحصول الحادث، كانوا يتواجدون في موقعهم، إلا أنهم، ورغم قربهم هناك، لم يسمعوا أو يروا الحادث، حيث فوجئوا بدوريات الأمن والشرطة وهي تُطوّق المكانَ، وتُبعد الناسَ عنه!

Screen Shot 2015-02-25 at 00.51.10
ما سرّ الدّوريّة الأمنيّة المتضرّرة في ليلة الحادثة؟

ما سرّ الدّوريّة الأمنيّة المتضرّرة في ليلة الحادثة؟

الأمر الغريب الآخر الذي لازال الشاب أشرف يتساءل بشأنه، هو انتشار صور لسيارة شرطة من نوع “جيب”،وشاعت في ذات الليلة بينما كانت تحملها رافعة إثر تضرّر مقدمتها مما يبدو أنه حادث، متسائلاهل يمكن أن تكون تلك السيارة أمرا منفصلا عن حادث الفتيات؟ أم أن هناك رابطا؟ ولماذا جرى التغطية عليه؟

كان من الممكن أن يُحلّ الأمر، وتُكشف الحقيقة، فيما لو جرى تحقيق شفّاف واضح ومعلن حول حقيقة موت ست فتيات في حادث سيارة على طريق غير مأهول، يت الدخول إليه عبر انحناءٍ يمنع السيارات من أنْ تُسرع بقدر ما تريد، طريق قريب من أحياء سكنية لم يسمع أو يرى أحدٌ من ساكنيها ما يُذكر في تلك الليلة! 

ثلاثة سنين عبرت فوق كومة من الأسئلة والشكوك، فَقدت فيها أربع أسر بحرانية ستّاً من بناتهن الواعدات المتميزات، إلا أنهم، وحتى هذه اللحظة، لايعرفون حقيقةالحادثة التي تسبّبت بفقدان فلذات أكبادهم، وهم حتى اليوم يعيشيون حرقة الفقْد المغموس بطعم الحيرة والشك؟

الحادث الذي كان متزامناً مع ذكرى الثورة الأولى، فبراير 2012، وقعَ في ظل استهداف ممنهج لكلّ منْ ينتمي لقرى أو جهات شيعية أومعارضة، ومنها قرى أولئك الفتيات الست؟ فهل يمكن أن يكون موتهن منفصلا عن حملات الاستهداف تلك؟ وهل يمكن أن ترتاح القلوب لمجرّد بيانٍ صدرَ من الجهات المعنيّة بعد حادثٍ غامض، مباشرةً، دون تفصيل لحيثياته، أو دعوة عامة لكلّ منْ اقترب من ذلك الشارع حينها ليأمن على نفسه، ويشهد بما يمكن أن يراه، وأيا كان ما رآه؟!

رحم الله كلّ روح مظلومة رحلت عند جبّار منتقم عادل.

رحم الله زهرات الوطن التي غيّبها الموت على حين غرة، وهو حق لا مناص منه. إلا أن الفقد لا ينسجم مع الغموض، ولا يتحول معه إلى قبول وإذعان.. فمتى تتعرف تلك العوائل حقيقة ما جرى على بناتهن، اللاتي عشن طفولتهن وصباهن معا.. ثم ذهبن حاملات سرّ موتهن معا أيضا!

الدكتور سعيد الشهابي
الدكتور سعيد الشهابي

جريمة لا تغتفر: الزهرات الست.. شهيدات منسيات

القيادي في حركة أحرار البحرين، سعيد الشهابي، لا يتردّد في اعتبار ما حدث يوم ٢٥ فبراير ٢٠١٢م؛

بأنه حادث مفتعل، مشيراً إلى الوقائع التي تؤكد أن الفتيات تمت ملاحقتهن من قبل دوريات خليفيّة بحسب الشهابي.

ويضيف الشهابي بأن هذا الحكم تدعمه المعطيات المختلفة التي أحاطت الحادثة، بما في ذلك أن بعضا من الفتيات هن ناشطات في الحراك الشعبي، وهو ما يتعزّز مع الإشارات الواضحة التي صدرت من أوساط قريبة من السلطات الخليفيّة، وهي تتهم الفتيات ب”المشاركة في الشغب” و”التخابر مع جهات أجنبية”. وهو ما يُعزّز الإخفاء المتعمّد من قِبل السلطات لمجريات الحادثة، والذي يضع رواية السلطة في دائرة الرفض المطلق، ولاسيما مع تهافت هذه الرواية وتصادمها مع مكوّنات مسرّح الحادثة المزعومة.

يتطابق ذلك مع العديد من الشهادات التي أكّدت وجود دوريّة خليفيّة كانت تلاحق الفتيات.

ومن المعروف أن الدوريات الخليفيّة عادةً ما تقود بسرعةٍ جنونيّة، وهي لا تلتزم بقواعد المرور، ورُصدت العديد من الحوادث بسبب ذلك، ولم يتم تسجيل تقارير بشأنها

ومن هذا القبيل شهادة قُدّمت إلى (البحرين اليوم) من احدى الضحايا، وهي سيدة بحرانية أفادت بأنها كانت تقود سيارتها بمعية طفلها البالغ من العمر سنتين، والذي كان جالساً في المقعد الخلفي من السيارة، قالت بأنها بعد عبورها أحد الشّوارع الرئيسية، وكانت الإشارة الضوئية “خضراء” اصطدمت بها سيارة “جيب” تابعة للشرطة الخليفية من الخلف، ما أدّى إلى وقوع أضرار بالغة في مؤخرة السيارة، وقد قدّر الله أن السيدة وابنها لم يُصيبهم أذى.

اللافت أن السيدة طلبت استدعاء سيارة الإسعاف، إلا أن الشرطة رفضت ذلك في البداية، ولكنهم رضخوا بعد حصول مشادة كلامية معها. وتضيف السيدة بأن سائق جيب الشرطة كان إماراتيّا، وقد سُجّل التقرير المروري ضدها، وتم تغريمها ١٠٠٠ دينار.

أحد المتابعين لجريمة الفتيات السّت يُعلق على هذه الحادثة بالإشارة إلى أن تغريم السيدة البحرانية، ورفض استدعاء الإسعاف في البداية، فضلاً عن تسجيل الخطأ ضدّ السيدة، رغم أنها ضحية لتهور الشرطة الخليفية، “يوحي بأن الحادث لو نتج عنه أضرار جسيمة، مثل الموت أو ما شابه، لكان في طي الكتمان، ولأخفيت الدلائل الخاصة به”. ومن المؤكد، يضيف المعلق، بأن الخليفيين لن يترددوا في تصفية السيدة في حال وقوع أضرار بليغة لا تطيق الشرطة تحمّلها، ولن يكون الأمر مرتبطا “بالضرورة بوجود نشاط سياسي أم لا بالنسبة للسيدة، وإنما الهدف هو إخفاء جريمة تورّطت فيها الشرطة”، ولكن النتيجة ستكون، في حال تمت، هو أن جريمة وقعت، وعملية اغتيال منظّمة.

وبحسب تجارب السنوات الماضية، فإن القوات الخليفية ليست مضطرة لتقديم ذرائع معينة لتبرير اعتداءاتها، أو المضايقات التي تُمارسها ضد المواطنين، والتي تنتهي بنتائج “غير متوقعة”، مثل القتل، وهو ما يُلاحظ في جرائم عديدة تكشف ضلوع المخابرات الخليفية فيها، من قبيل تصفية العلامة السيد أحمد الغريفي، واغتيال عباس الشاخوري، ومهدي عبد الرحمن، وحوادث قتل أخرى وفي ظروف مختلفة.

إنّ خيوط الجريمة في قضية الفتيات السّت تبدو واضحة، وبمعزل عن وجود نشاط سياسيّ أو ميداني لبعضهن. ومع تغييب التحقيق المستقل عمداً، وعلامات الشّك التي أحاطت بمسرح “الجريمة”، فإنه لا بنبغي التردّد في اعتبار ما حصل لهن “عملية اغتيال”، بل هي من أخطر عمليات الاغتيال الممنهج الذي جرى في السنوات الأخيرة، وذلك بلحاظ العدد الكبير من الضحايا، وظروف الثورة التي تزامنت الجريمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى