ملفات

شهر مارس في تاريخ الثورة: سيرة التدخّل العسكري وحكاية "مقاومة الاحتلال"

wljwkl
شهر مارس في تاريخ الثورة: سيرة التدخّل العسكري وحكاية “مقاومة الاحتلال”

 

المحتوى:

  • دبابّات السعوديّة في ١ مارس ٢٠١١م
  • تجمّع عبد اللطيف المحمود: عباءة السعودية للقتل المذهبي
  • السعوديّة تزرع مشروع الاحتقان الطائفي
  • ذكرى مقاومة “الإحتلال السعودي”
  • جماعات المقاومة: الجدل والجدوى
  • مقتل الضابط الإماراتي وانكشاف الأوراق
  • كيف انتصر البحرانيون على “الثورة المضادة؟”
  • “يحيا الشعب”: إعادة قراءة مفاعيل شهر مارس في الثورة

————————————

في نهار ١٥ مارس ٢٠١١م، كان دوّار اللؤلؤة، كالعادة، يشهد توافد الآلاف من المواطنين الذين أكملوا شهراً من الاعتصام الدائم. الشّمسُ التي كانت مشرقةً في ذلك النّهار؛ لم تكن تكشف مليّاً عمّا ينوي الخليفيون والسّعوديّون القيامَ به فجر اليوم التّالي.

كان من اللافت، في ذلك اليوم، أن المعتصمين نظّموا تظاهرةً انطلقت من الدّوار باتّجاه السّفارة السّعوديّة، في قلب الحيّ الدبلوماسيّ بالعاصمة المنامة.

على امتداد الطّريق نحو السّفارة، كانت الرّسائل النصيّة والتغريدات تتواتر حول تحرّك القوات الخليفيّة نحو البلدات، وخاصة نحو جزيرة سترة.
الأنباءُ التي تناقلتها وكالاتُ الأنباء والمواقعُ الإلكترونيّة؛ كانت مليئةً بالتوتر والغموض والتناقض، إلا أن ذلك لم يؤثر علي سيْر التظاهرة التي رفعت شعار “الموت لآل سعود”.
كانت الصّورةُ واضحةً للمتظاهرين. القوّات السّعودية بدأت وقتها العبورَ نحو البحرين من خلال الجسر الذي يتناقل الأجدادُ قديماً موروثاتٍ نصيّة بأنه سيكون “جسر الدّم القادم إلى البحرين”.

عند السّفارة السّعوديّة، تحدّث القيادي في حركة (حق)، عبد الجليل السنكيس. وجهةُ صوته ووجهه كانت ناحية البوابة التي خلت من أيّ وجود أمني ظاهر. ذكّرَ السّنكيس آلَ سعود بأنّ الطريقَ إلى “فلسطين” لا يمرّ عبر البحرين، وحذّر النظامَ السّعودي من “النتائج الوخيمة” التي ستتعرّض لها المنطقة جرّاء التدخل السعودي، وقال بأنّ “شعب البحرين لن يقف مكتوف اليدين”.

مسار الأحداث بعد ذلك، أثبت أن البحرانيين، كما قال السنكيس، لم يقفوا “مكتوفي اليد”، إلا أن مشهديّة الأحداث بدأت تأخذ مساراً مختلفاً، ومنذ إطلالة شهر مارس من العام ٢٠١١م.

دبابّات السعوديّة في ١ مارس ٢٠١١م

تدشين فعاليّات مناهضة للاحتلال "السعوديّ" للبحرين
صورة للجيش السعودي اثناء اجتياحه للبحرين

بدأ التّلويح بالتدخل العسكري السعودي إلى البحرين في الأول من مارس من العام ٢٠١١م.
يومها، سرّبت بعضُ المواقع الإعلاميّة أنباءاً عن بدْء تقاطر سرْبٍ من الدّبابات السعوديّة إلى البلاد بغرض إسقاط الثّورة التي أخذت موجة تصاعديّة، وذلك في الوقت الذي عمِد فيه المتظاهرون إلى استخدام تكتيك “التظاهرات الدّوّارة”.

ومع تسريب التدخّل السعودي للبحرين، بدأ الموالون للنظام في إشاعةِ الخطاب الطائفي والتّرويج له بشكل ملحوظ، وبرزت في ذلك اليوم، وبوضوح غير مسبوق، معالمُ الحملة الطائفية التي سيقودها النظامُ الخليفيّ بغرض التغطية على التدخل العسكري القادم قريباً عبر الجسر.

المتظاهرون سارعوا إلى الرّد على تلك الخطابات، ونظّموا تظاهرةً “دوّارةً” من بلدة السّمانية إلى دوّار اللؤلؤة، وشدّدت الهتافاتُ على الوحدة بين السّنة والشيعة، والتأكيد على الأهدافِ الوطنيّة للثورة.

القرار السعودي، ووفق ما ظهر تباعاً، كان يذهب بعيداً في تنفيذ “المشروع الطائفي”، وذلك عبر اللّجوء إلى سياسة “الإبادة” المقطّرة، والتي تقضي بإيقاع فظاعاتٍ جسيمة متنقّلة، ومتنوّعة، وإشعال أقصى درجات الشّحن المذهبي، وإسقاط ما يمكن من الخطوط الحمراء، وبما يؤمّل أن يُسْهِم في خلق الاشتباك المذهبي.

تجمّع عبد اللطيف المحمود: عباءة السعودية للقتل المذهبي

عبداللطيف المحمود اثناء القاء احدى خطبه الفتنوية
عبداللطيف المحمود اثناء القاء احدى خطبه الفتنوية

في ٢ مارس ٢٠١١م، وبهدف مدّ التدخل السعودي الوشيك بالغطاء المذهبي المطلوب، كشف الشّيخ عبد اللطيف المحمود عن تعميقٍ آخر للواقع السياسي والشعبي في البحرين، حيث أعلن في تجمّع بجامع الفاتح عن رفضه لمطلب “إقالة الحكومة”، وهو المطلب الذي كان يتحرّك وقتها في أوراق التفاوض بين الجمعيّات السياسيّة وولي العهد الخليفي، سلمان حمد الخليفة. ورمى المحمود في خطابه مساء ذلك اليوم بواحدةٍ من أشهر الترويجات التي سيتم استخدامها فور دخول السعوديين بعد أقل من أسبوعين من هذا الخطاب، حيث ربط المحمود بين مطالب الثورة بإسقاط النّظام والاصطفاف الطائفي، وادّعى بأن “إقالة الحكومة”، فضلا عن “إسقاط النّظام”، سيؤدي إلى “الاحتقان الطائفي”.

السعوديّة تزرع مشروع الاحتقان الطائفي

آحد التجمعات الطائفية في ما يِعرف بساحة الشرفاء
آحد التجمعات الطائفية في ما يِعرف بساحة الشرفاء

على مدى الأيام من ٣-١٣ مارس ٢٠١١م، كان المجموع السياسي يتحرّك في اتّجاه انتزاع الحدّ الأدنى من المطالب الشّعبية، والذي اختصرته الجمعيّات السياسيّة بإقالة الحكومة الخليفية وإسقاط دستور ٢٠٠٢م، وهي المطالب التي اعتبرها المحمود وتجمّع الفاتح – الذي عُرِف بأنه واحدة من أدوات “الثورة المضادة” بقيادة السعودية – عنواناً للاحتقان الطائفي.
في الوقت الذي تمسّكت فيه المعارضة بهذه المطالب، فإنها توجّهت نحو الميدان لتسويق هذه المطالب، وبموازاة الامتداد الثوري الذي خيّم عليه مطلب إسقاط النّظام.
حرّكت الجمعياتُ تظاهراتٍ واعتصامات في ٤مارس، وبينها اعتصام أمام دار الحكومة في القضيبية في ٦ مارس، للمطالبة بإسقاط الحكومة، وإلغاء الدستور المنفرد وما تبعه من أوضاع سياسيّة.
أمام شارع الثورة الذي تشكّل داخل دوّار اللؤلؤة وفي اعتصام “المرفأ المالي”، فقد توجّه بدوره نحو ترسيخ مطلب إسقاط النظام، وتحرّكت في هذا الاتجاه تظاهرة نحو “إدارة الجنسية والجوازات” في ٩ مارس، وتظاهرة “الديوان” في ١٠ مارس، وتظاهرة “قصر الصافرية” في ١١ مارس.

وسط هذه الأجواء الصاعدة، استمرّ المخطّط السعودي في الترتيب لافتعال الصدامات الطائفية، وإظهار أنّ انقساماً مذهبيّاً يعمّ البلاد.
المتظاهرون سارعوا من جديد لإسقاط هذا المخطّط مبكّرا، وارتفعت أكثر الشعارات المؤكدة على الأخوة بين السّنة والشيعة، وشاع شعار “إخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما انبيعه”، كما تم تنظيم سلسلة بشرية في ٥ مارس بهذا العنوان المطلبي، تمتد من جامع الفاتح وحتّى دوار اللؤلؤة.

الافتعال الطائفي أخذ امتداده في بعض المناطق المختلطة، ومنها مدينة حمد، حيث وقعت اشتباكات بين الأهالي، وجرى استخدام المجنسين من أجل تأجيج هذه الاشتباكات وإسباغها بعناوين طائفية، كما بدأ تأجيج هذه الفتنة داخل المدارس، كما حصل في مدرسة سار الثانوية للبنات بتاريخ ١٠ مارس ٢٠١١م.

وصل هذا الافتعال مداه مع أولى ساعات دخول القوات السعوديّة إلى البحرين، حيث هُدم ما لا يقل عن 30 مسجداً من مساجد الشّيعة خلال شهري مارس وأبريل من العام 2011م، وهو مشهدٌ أُريد منه استدراج المواطنين نحو منطقة اشتباك طائفيّة كبرى.

ويؤكد مطلعون على العقل السعوديّ، الوهابي، أنّ سياسة هدم مساجد الشيعة، ومع غياب اعتراض أيّ سياسيّ موالٍ للخليفيين، كانت مخططاً مدروساً بهدف ابتلاعِ الثورة في النفق المذهبي، إلا أن المخطط فشل بسبب عدم وجود الاستجابة للفتنة لدى المواطنين الشيعة، والذين تعلموا درس الوطنيّة والأخوة مع أهل السنة داخل الدّوار، وعبر التاريخ الاجتماعي والسياسيّ القائم على التسامح والتشبيك المتلاحم في العلاقات.

ذكرى مقاومة “الإحتلال السعودي”

أحد الجنود السعوديين أمام ميدان الشهداء وهو يتوعد بالقضاء الشيعة
أحد الجنود السعوديين أمام ميدان الشهداء وهو يتوعد بالقضاء الشيعة

التدخل السعودي إلى البحرين كان يحمل عنوانا جوهريا، وهو إكمال “الفتح الخليفي”، تمهيد الطريق لإنجاز مشروع “الإبادة الجماعيّة” الذي يؤكد معارضون بأنّ الخليفيين ماضون في العمل عليه.
الصّيغة الثورّيّة التي علت في مارس، وقبل دخول القوات السّعوديّة بيوم، كانت من أهم الرّوافد “العمليّة” التي استعانت بها الثورة بعد “الاحتلال السّعودي”، وجرى على ضوئها هندسة الحراك الثوري الجديد. كانت تلك الصّيغة بمثابة “النموذج” الذي اهتدت به الثورة لإكمال الطّريق، والعمل من خلاله على إثبات مقولتين أساسيتين ذكرهما عبد الجليل السنكيس أمام السفارة السعوديّة في اليوم الذي دخلت فيه السعوديّة البحرين عسكريا، وهي مقولة “النتائج الوخيمة” التي سيشعر بها السعوديّون نتيجة هذا التدخل، والمقولة الأخرى الذي تؤكد أن البحرانيين لن يقفوا مكتوفي اليد.

كان هدف الثورة، بعد دخول السعودية، هو إشعار قوّتها الاحتلاليّة بأنها وقعت في “مأزق غير متوقّع”، وفي الأمكنة التي لا ينتظرونها في السّاحات والميادين.

خلال شهري مارس وأبريل 2011م، جدّدت ثورة البحرين مخزونها، وبدأت تعي أن درس “الصّدر العاري”، كان بحاجةٍ إلى درس آخر يُقدِّم شكلاً من المقاومة المدنيّة الجديدة، لا تخلو “القبضة الحامية”. بعد أقل من شهر من دخول “درع الجزيرة”، كوّنت الثورة التوليفة الكاملة، والجامعة، بين الدرسين المذكورين.
في هذا السّياق، تبلورت مفاهيم: الدّفاع المقدّس، المقاومة المشروعة، السلميّة القرآنية، ومنها تشكّلت الشعارات المعبّرة عن ضرورة الوقوف “المقاوم” في وجه القوات الأجنبيّة باعتبارها “احتلالا”. ومن هذا التراكم، تذهب القوى الثوريّة المعارضة اليوم إلى إحياء 14 مارس باعتبارها يوماً ل”مقاومة الاحتلال السعودي”، وبما يستند على مفهومين أمميين، وهما “رفض التدخل الخارجي”، و”حق تقرير المصير”.

جماعات المقاومة: الجدل والجدوى

احد الاستعراضات الثورية لبعض المجوعات المقاومة ضد الاحتلال
احد الاستعراضات الثورية لبعض المجوعات المقاومة ضد الاحتلال

مع الوقت، أفرزت فكرة “مقاومة” الاحتلال أكثر من حضور داخل الوسط الثوري، وقد تصاعد هذا الحضور بعد بروز جماعات “ثوريّة” ومجموعات حملت مسمّيات أخرى (السرايا بأنواعها مثلا)، غير القوى الثوريّة المعلنة. وقد فتح هذا البروز جدالاً واسعاً داخل الوسط السياسي والشعبي، وأعلنت الجمعيات السياسيّة رفضها الصريح لتلك المجموعات، وتوجّهت إلى إصدار بيانات إدانة لها، وبشكل مباشر.
إلا أنّ هذا الرفض لم يمنع تلك المجموعات من الاستمرار في عملها “الثوري المقاوم”، كما أن الأحاديث التي قالت بأنها “مشبوهة”، ومرتبطة بأجهزة المخابرات؛ لم يحدّ من امتدادها، وذلك على النحو الذي ظهر من تبنّيها لعدّة عمليات “مقاومة” جرى تصويرها، وأظهر استهدافها للقوات الخليفيّة.

مع الوقت، باتت تلك المجموعات حاضرة، وعلى نحو طبيعيّ، ووجدت في بيئة القمع الخليفيّ، والغطاء الغربي لها، أكثر من مبرّر للتمدّد وصناعة خطاب الإقناع بين الناس.

مقتل الضابط الإماراتي وانكشاف الأوراق

صورة للضابط الاماراتي طارق الشحي بعد أن لقى حتفه اثناء مشاركته في قمع آحد الاحتجاجات
صورة للضابط الاماراتي طارق الشحي بعد أن لقى حتفه اثناء مشاركته في قمع آحد الاحتجاجات



مقتل الضابط الإماراتي طارق الشّحي في مارس 2014 شكّل نقلة أخرى في وعي الآخر لما يُسمى ب”العمل المقاوم”، ولاسيما وأن مقتل الشحي كان له اعتبارات سياسيّة على المستوى المحلي والإقليمي، وأزال الغطاء عن التدخل الإماراتي العسكري في البحرين، والذي ظلّ طيّ الكتمان قبل الحادثة.

وفي السياق نفسه، كان مقتل الدركي الأردني في دمستان، والذي كشف أوراقا أخرى من التعاون الأمني العسكري بين الأردنيين والخليفيين، وبما له علاقة بقمع الثورة، والاصطفاف مع السعوديّة في ثورتها المضادة.

من جهةٍ أخرى، استمرار ما يسميه البحرانيون ب”النفاق الغربي”، والالتحام شبه المطلق بين الدول الغربية والنظام الخليفي والسعودي؛ وسّع من النقمة العامة داخل أوساط الناس، وهي نقمة فتحت قبولاً عاماً لأيّ عمل “مقاوم” في وجه ما بات يُعرف في الخطاب الثوري العام ب”الاحتلالات الأجنبية”، لاسيما مع الحديث عن 6 جيوش أجنبيّة تمارس اتفاقها على قمع ثورة البحرين. وهو أمر يضعه مراقبون بين يدي السياسة الغربيّة التي تفتح “الأعذار” لدى فئات معارضة لتوظيف ردود أفعالها المقاومة، مع استمرار الدعم المفتوح للنظام، والصمت عن الانتهاكات المستمرة.

كيف انتصر البحرانيون على “الثورة المضادة”؟

صورة لواحدة من مسيرات الشموع ويظهر فيها الحشد الشعبي المطالب باسقاط النظام
صورة لواحدة من مسيرات الشموع ويظهر فيها الحشد الشعبي المطالب باسقاط النظام

بعد أربع سنوات من الثورة، أصبح واضحاً أن البحرين تأتي في طليعة الثورات التي استطاعت إفشال “الثورة المضادة” التي قادها السعوديّون، والذي جرى بتغطية أمريكيّة واضحة.
هناك عوامل عديدة استطاع البحرانيون من خلال تحقيق ذلك، ومن ذلك:
‫-‬ الصمود النّوعي في وجه القتل المنهجي المتعدّد الجبهات.

‫-‬ وضوح الرّوية والمسار الذي يتوجّب أن تسلكه الثّورة حتّى النّهاية.

‫-‬ التّسديد القيادي الذي التحمَ بالجماهير، وتشاركَ معها صناعة الإستراتيجيّات والوسائل التكتيكيّة في التخطيط الميداني.

‫-‬ الخبرة المتراكمة التي امتازت بها الثّورة، واتّصالها المفاهيمي والتّربوي بأهم سياقات الثّورة التّاريخيّة، ولا سيما محطّتي انتفاضة التسعينات وتيار الممانعة.

“يحيا الشعب”: إعادة قراءة مفاعيل شهر مارس في الثورة

ميدان الشهداء وهو المكان الذي استخدمه الثوار كمركز رئيسي للاعتصام
ميدان الشهداء وهو المكان الذي استخدمه الثوار كمركز رئيسي للاعتصام

“يحيا الشّعب”.

كانت تلك هي الكلمةُ التي نطقَ بها أحد القيادات المتهمة في “شبكة أغسطس”.
رفعَ القيادي قبضته عالياً..

وتكشف الصّورة التي التقطت له وهو يخرج توّاً من السّجن؛ كيف أن هتاف “يحيا الشّعب” عبّر عن طبيعة المرحلة الجديدة التي بدأت يومها في تاريخ النضال البحراني.
حينما خرجَ الرموز والنشطاء من السّجن في فبراير ٢٠١١م، الذين أُعتقلوا في أغسطس من العام ٢٠١٠م، شعروا بأنهم معنيّون مباشرةً بالدّخولِ في صُلب تصميم الثّورة التي كان اعتقالُهم، وما جرى لهم من تعذيبٍ ممنهج، أحد أسباب اندلاع ثورة ١٤ فبراير.

لم تكن كلمة القيادي تلك مجرّد تعبير عن تعلّق بالنّاسِ، أو انشدادٍ قلبيّ نحوهم. كان معروفاً أنّ قرار الإفراج عنهم في فبراير من العام ٢٠١١م؛ قد تمّ بفعلِ ما كان يحصلُ حينها في دوّارِ اللؤلؤة، ولذلك أصرّ هو وزملاؤه على أنّ يذهبوا إلى المكانِ الذي حَكمَ البلادَ شهراً من الزّمان.

ترتبطُ المجموعةُ المفرَج عنها في تلك الليلة، بسؤالٍ جوهريّ، وذي صلةٍ بالتّاريخِ الحيّ للثورة:

– هل كان تفجُّر ثورةٍ في البحرينِ ممكناً؟

مع مضيّ سنة رابعة من عمر الثّورة، قد يبدو السؤال متأخّراً، أو قليل الجدوى. ولكن الأمر ليس كذلك مع تذكُّر أنّ الثورةَ لازالت تحْفرُ طريقها، ويُحيطها كلّ ما يمكن إدراجه في خانةِ “التّجاذب التّاريخي القاطع”، والذي يمكن أن يُسْفِرَ عنه حسْمٌ أخيرٌ في نضالِ البحرانيين.
في مثل هذهِ اللّحظة، لابد أن يستشعرَ الجميعُ حجمَ الثّورةِ، وقيمتها، وضرورة أن تؤخذَ أخذَ واثقٍ مقتدر، وألا يُنظر إليها على أنّها “لحظة تاريخيّة” عابرة، أو مجرّد منعطفٍ زمنيّ، مثل بقيّة المنعطفات التي مرّت خلال العقود الماضية.

شهر مارس من الممكن أن يمثّل مساحة لكثير من التأمّل.

دخلت قوّات درع الجزيرة في ١٤ مارس ٢٠١١م. هوْل الفاجعة المتضخمة كان يُراد منها أن تكسر عمود الثورة الفقري. توالت الفجائع ابتداءاً مع تفجير رأس الشهيد أحمد فرحان في سترة، الذي يُعدّ رمزاً لمقاومة الاحتلال السعوديّ في أوّل يوم له في البحرين. وقد أراد السعوديون إيصال الفاجعة بأكثر من معنى رمزيّ، وهو ما جعلهم يقدمون على هدْم نصْب اللؤلؤة، وهو سلوك اختصر مفهوم “الاجتثاث” للمشروع السعودي في البحرين. لنتذكر أنّ الحجم المكثّف لفجائع “مارس” هزّ كثيرين، وفي اليوم التّالي سُكبت دموعٌ نقيّة على الهواء مباشرةً لقادةٍ سياسيين، وأطلقَ بعضُهم، في اليوم نفسه، أوّلَ دعوةٍ مباشرة للنّاس لكي يعودوا إلى منازلهم، ظنّاً بأن “الرسالة وصلت”، وأن العدّ التّنازلي ل”انتظار الفرج” قد بدأ.

يعلمُ الجميعُ كيف سارت الأمور بعدها، وعلى أيّ نحو استطاع النّاسُ إنتاج مقاومتهم الجديدة، والدّخول في مرحلة “توازن الوعي”، وبعد امتصاص الفجيعة، وإعادة رسْم خارطة الثورة. حصلَ كلّ ذلك من خلال ابتكارات شعبيّة خالصة، وبالاستعانة بمقوّمات الصّمود التي تمّ تصعيدها، وترميمها، وخلْق العوامل الحمائية لها.
استطاع هذا التقدّم الشعبي أن يفرض معادلته على الجميع، وبفضل ذلك أعاد قادة المعارضة صناعة خطابهم وسلوكهم السياسيّ، وبما يُراعي القيمة المضافة للثورة بعد مارس ٢٠١١م.

في مارس ١٩٩٦م، أعدمت السلطة عيسى قمبر. من بلدته نويدرات، كان الوقودُ الأقوى لثورة ١٤ فبراير. ومن البلدة نفسها، كان أبرز إعلان ميدانيّ لمفاهيم “المقاومة المشروعة” و”الدفاع المقدس” التي تبلورت تباعاً، وذلك من خلال عملية “رايات العزّ” الشهيرة. ليس عسيرا استرجاع أن هذه البلدة كانت الحاضن الأقوى لتيار الممانعة وإنشاء آخر تشكيلاتها الحزبيّة.

هذه التشكيلة، التي تبدو غير مترابطة ظاهريا، تمثل أبرز العناصر المقوّية للذهن الشعبي المتعاطف مع أشكال المقاومة للاحتلالات الأجنبيّة، ولهذا السبب، فإنه من العسير التعامل الأمني أو العسكري في وجه هذه المقاومة، لأنها ترتبط بنيويا بذهن شعبي عام، وقد يُصبح خياراً مقبولاً على أوسع نطاق بين المواطنين، وخاصة مع تلازم التصعيد القمعي بالتلاحم الغربي مع النظام وحلفائه في المنطقة.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى