مقالاتنادر المتروك

مصر والسعودية: كبسة زرْ.. أم "كبسة رُز"؟!

نادر المتروك - كاتب صحفي - بيروت
نادر المتروك – كاتب صحفي – بيروت

 

العلاقة بين السّعوديّة ومصر ستظلُّ بين مدٍّ وجزر. مخلّفات “العهد النّاصري” – الذي يُشكّلُ جوهر “الدّولة المصريّة” الحديثة – سيبقى تأثيرها حاضراً بين الطرفين، بمرِّها وحلوها.

الرّياض لم تتخلّص بعد من “شتائم” عبد النّاصر لأحد أهمّ ملكوها. والقاهرةُ لا يمكن أن تُعالِج امتعاضها من النّفط الخليجيّ الذي يتلاعبُ به الأمراء.

القاهرة يمكنُ أن تلتقي بالرّياض في أيّة منطقةٍ وسطى، ولكنهما معاً لا يمكن أن يتّجها، سويّةً، نحو خياراتٍ مشتركةٍ في الشّرقِ، أو في الغرب. بالنسبة لمصر، فإنّ روسيا لا تزال القوة العظمى التي تجدُ فيها المساحات المشتركة الأكبر، وهي مساحاتٌ فتحت الطريق لكي يأتي بوتين نفسه إلى بلادِ الفراعنة، ويعقد أكثر من اتفاق.

أمّا السّعوديّة، فإنّها لا تزال تتمسّك بميثاق شرفها مع واشنطن، ومنذ روزفلت. ولذلك فإن زيارات كبار الأمراء إلى البيت الأبيض مفتوحةٌ طوال العام، وأيُّ رئيسٍ أمريكيّ لابد أن يجد سبباً ما لزيارةِ “المملكة”.

جزء مُضمر من المعضلة بين السّعوديّة ومصر يتشكّل عند حدود التّنافر في المؤسّسة الدّينيّة التي تسود في كلّ بلد. شيخ الأزهر حينما زار السّعوديّة في فبراير الماضي، وشارك في مؤتمر “الرابطة الإسلاميّة” لمواجهة التطرّف؛ تحدّث بلغةٍ مختلفة عن الخطاب “الأصلي” لرجال الوهابيّة. قالها شيخ الأزهر السابق، علي جمعة، بوضوح، الأسبوع الماضي، حينما دعا لمنْ يريد أن يُطبٍّق “شريعة قطع الأيدي”، أن يذهب إلى السعوديّة.

إلا أنّ هذا الخلاف المُضمر لا يظهر دائماً، وآثاره تبقى “تحت السّيطرة” في أكثر الأحيان، باستثناء التأجيج “المذهبي” الذي يفتعله سلفيّو مصر، ولاسيما في أوقات “الانتخابات”.

الخلافُ الآخر يوجد في طريقة النظرة التي يحملها كلّ جانبٍ عن الآخر. السّيسي، وبحسب التّسريبات الأخيرة، لا يجد في السّعوديّة، والخليج عموماً، غير أنّها قارّةٌ من الذهب والمال. إنّها، بنظر الجنرال، تشبه “كبسة الرّز”، ولا شيء آخر. ولاشكّ أنّ السعوديّة لا تُريحها هذه النّظرة، وستشعرُ ب”الإهانة” كلّما وجدت نفسها مضطرة لإمداد القاهرة بالمليارات، والمشاركة في مؤتمرها الاقتصادي.
طريقةُ الرّياض واضحةٌ في التّخفيف من هذه “الإهانة”، التي تبقى أقلّ وطأة ممّا قاله عبدالناصر بحقّ الملك سعود.

اختارت السّعوديّة أن تُقلّل من المليارات، لا أن تقطعها. اختارت ولي العهد مقرن – الأقلّ شأناً في صراع الأجنحة – ليكون على رأس وفدها لمؤتمر شرم الشّيخ. أعطتْ أردوغان 3 أيّام من الزّيارة، والسّيسي 3 ساعات. غازلت جماعة الإخوان، وثمّة دعوات تلوح لزيارة خالد مشعل للرّياض. خفّفت الرياض الوطْأ على الدّوحة، وأرخت لها الحبْل لكي تخْرق أهم بنود الاتفاق الخليجي بشأن الهجوم الإعلامي على حكم السّيسي.

كلّ ذلك، وأكثر، فعلته السّعوديّة لكي تقول للقاهرة بأنها تتّبع معها سياسة “كبسة الزّر”: فهي تُحرِّك الأمور باتّجاهٍ معيّن. فهي تارة مفتوحة على جماعة الإخوان، وبكبسة زرّ يتغيّر الاتّجاه لتُصبح الجماعة على قائمة الإرهاب، وتفرش “الرّز” ليصعد العسكر على الحكم. وهي، وبكبسة زرّ أخرى يمكن للرياض أن تغيّر هذا الاتّجاه أيضاً، أو تغيّر في مساره، أو سرعته.

من المؤكّد أن مصر لا يُعجبها هذا. وهي لذلك لا تفتحُ كلّ صدرها للرّياض، تماماً كما أن الأخيرة لا تفتح جيوبها كلّها للقاهرة.

بين هذا وذاك، يتوثّق الحلفُ القطري/التّركي، وبمظلّةٍ أمريكيّة. تأخذ السّعوديّة حضوراً بين هذا الحلف، ولكن من غير أن تنتمي إليه. وتبتعد مصر عن هذا الحلف، ولكن من غير أن تتعدّى عليه.
بمثل هذه الموازين الاضطراريّة تمضي الأمور في هذه المنطقة.

لكن السّؤال، منْ يضغط، فعلاً، على الزّر، ومنْ يطبخ الرّز ويأكله في نهاية المطاف؟!

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى