حكايات الضحايا

#طلّاب_خلف_القضبان : أصغرُ صاحب مجلس حسيني في البحرين.. يئنّ في المعتقل

75c20695e45131785946d604996c1458
حكايات الضحايا-البحرين اليوم:

طفل بحراني نحيف يبلغ من العمر 15 عاما مولعٌ بالجلوس على مقاعد الدراسة، وممارسة هواية التصوير، وفي إقامة مجالس عزاء أبي عبدالله الحسين، لم يلبث أن يرى نفسه خلف القضبان في مملكة آل خليفة التي أصبحت سجنا كبيرا للبحرانيين.

إنه الطالب بدر العالي الذي كان يؤدي امتحانات المرحلة الأولى من الثانوية، عندما داهمت قوات مدججة بالأسلحة منزل عائلته فجر 14 من أبريل من هذا العام، لتعتقله من غرفة نومه، ولتحرمه من أداء ما تبقى له من امتحانات نهائية.

طرقوا الباب بشكل أرعب العائلة الآمنة، وتوجهوا نحو الغرفة، حيث ينام بدر الذي استيقظ مفزوعا، باحثا عن نظاراته الطبية، ومتسائلا عما يحصل. فكان الجواب أنه قدموا لإلقاء القبض عليه.

عائلته تفاجأت باعتقاله، فهو غير مطارد، وهو طفل مسالم، لا همّ له سوى دراسته.

توسّلت بهم والدته أن يدعوه يكمل امتحاناته، وبعدها يعتقلوه إنْ أرادوا، لكنهم رفضوا!

رأى الخوف في عيني والدته، فقال لها: “ماما لا تخافي”! لكن عينيها اغرورقت بالدموع، وهي ترى ابنها النحيف الذي لا يبلغ وزنه سوى 46 كيلوغراما؛ تتلقفه تلك الوحوش المعروفة بقساوتها بعد أن نُزِعت منها الإنسانية.

في تلك الليلة، اعتقلت قوات المرتزقة عددا من أقرانه من الأطفال الذين جرى تعذيبهم، فادّلوا باعترافات كاذبة حول بدر، وأما فحوى تلك الإعترافات فهي حرق حاوية! إنها حكومة آل خليفة التي تزج بطفل في السجن، وتحرمه من الدراسة لحرق “حاوية”، لكنها تترك القتلة والمعذّبين أحرارا طلقاء، وبلا محاسبة.

والدته المفجوعة التي لم تنم ليلتها؛ بدأت صباحها برحلةٍ للبحث عنه، وتقصّي أخباره في مراكز الشرطة، لكن بلا جدوى.

العائلة انطلقت نحو “الحورة” لمقابلة أحد المتنفذين من معارفهم, وبعد انتظار دام 5 ساعات تمكنوا من مقابلته، فأخبرهم أن بدر مُتهم بحرق إطارات، وقد اعترف على نفسه، وهو الآن في مركز النعيم.

خرجت والدته متجهة نحو النعيم وهي قلقة على ولدها. فالإعتراف يعني تعرّضه لتعذيب شديد لا يطيقه الكبار، فكيف بمثل هذا الطفل النحيل. أخبروها هناك بأنه لم يصل حتّى الآن. عادت مرة أخرى إلى المركز، وطلبت منهم أن يسمحوا له بمكالمتها، فاتصل بها عند غروب ذلك اليوم. تم نقله بعد ذلك إلى سجن الحوض الجاف، ومن ثم إلى مركز القضيبية.

وهناك جرى تعذيبه، وأُجبر على الإدلاء باعترافات كاذبة.

كان معذّبه يضربه وهو يقول “إنك تكسر الخاطر.. ولكني سأضربك”!

طالبت والدته بإطلاق سراحه بكفالة، وحتى موعد محاكمته لكي يتسنى له أداء امتحاناته، لكنهم رفضوا، وأجّلوا محاكته إلى يوم 16 من شهر سبتمبر الجاري.

ذهبت والدته إلى وكيل النيابة، فلم يقابلها، لكنها تمكنت من مقابلة المستشار. شرحت له وضع ابنها الصحي، وأنه طالب من حقه أن يجلس على مقاعد الدراسة، لا في المعتقل. فأخبرها بأن بدر يهدّد الأمن القومي! أي أمن قومي هذا الذي يهدّده طفل نحيل الجسم، لا همّ له سوى الدراسة! أي رعب تعيشه هذه العصابة الحاكمة التي تسلطت على أهل البحرين، حتى بلغ بها الخوف مبلغا أن تعتبر طفلا مصدرَ تهديد لأمنها!

السلطات لم تراع سنّه ولا دراسته ولا حتى صحته. قلوب هي كالحجارة أو أشد قسوة. فبدر يعاني ومنذ طفولته من كسل في الأمعاء يستدعي علاجا خاصا، وطعاما جلّه من العصائر والخضار، لكنه اليوم محروم من ذلك في غياهب السجون الخليفية. ترك غيابه أثرا كبيرا على عائلته وأصدقائه. أخوه اعتزل الحياة منذ اعتقاله وأما “أمه العودة” فهي تفتقده، وهو الذي كان يتفقدها ويلبي احتياجاتها وهي تدعو له بالفرج والإنتقام من الظالمين.

وأما مأتمه الحسيني فهو بانتظاره مع قرب حلول شهر محرم الحرام. فهذا الطفل العاشق للحسين اعتاد على إقامة مأتم للحسين في منزل جدّته، فكان أصغر صاحب مأتم حسيني في البحرين، ولربما في العالم.

بدر أسس مضيفا بسيطا للبكاء على الحسين وذكر مصيبته، لكن هذا المجلس سرعان ما توسع بعد حصوله على تبرعات من المحبين. فلقد كان بدر دمث الأخلاق وشخصية محبوبة اجتماعية، وكان عقله أكبر من عمره، يطالب بالحقوق وبحرية التعبير عن الرأي.

كاميرا بدر هي الأخرى تفتقده، وهو الذي كان هاويا للتصوير، ودخل دورات عدة لتعلم فنونه. لكن غيابه شديد الوطأة على والدته التي ترى كل يوم ملابسه وفراش نومه والألم يعتصر قلبها لما يحصل لابنها ولجميع المعتقلين وهي تقول:  “حرام ما يحصل لهؤلاء الأطفال، إنه ظلم ما بعده ظلم، هؤلاء فلذات أكبادنا الذين يفترض أن يجلسوا على مقاعد الدراسة، لكنهم يرزحون اليوم داخل المعتقلات”.

والدته وجّهت وعبر وكالة أنباء (البحرين اليوم) نداءا إلى السلطات وإلى المجتمع الدولي للمطالبة بالسعي للإفراج عن ابنها والسماح لهم بالجلوس في المكان الطبيعي لكل طفل، ألا وهي مقاعد الدراسة، والسماح له بممارسة حقه في التعليم الذي كفلته العهود والمواثيق الدولية والقوانين المحلية.

حكاية بدر العالي واحدة من حكايا طلاّب خلف القضبان، يبلغ تعدادهم قرابة ال 240 طالبا، ممن حُرموا من لذة طلب العلم وانتزعوا من أحضان عوائلهم ومحبيهم، ليقضوا أيامهم يأنّون تحت سياط جلاّدي آل خليفة الذين ينتظرهم يوم شديد.. فيوم المظلوم على الظالم أشدّ من يوم الظالم على المظلوم.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى