مقالات

الإفلاس السياسي: آلية التصعيد الخليفي في البحرين

 

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: باقر المشهدي

كاتب مختص في شؤون الخليج

 

يُجمع الكثير من المراقبين على أن النظام الحاكم في البحرين يُعاني تحت وطأة الإفلاس السياسي من جهة، ومن جهة ثانية أضحى هذا النظام أكثر تبعية للهيمنة السعودية والإماراتية إلى درجة فقدانه السيادة التي تطمع بها أي دولة مستقلة لها عضوية في الأمم المتحدة. هذا الوضع وإنْ كان معروفا لدى المتابعين منذ عقود؛ إلا ان الصورة الحالية تعكس مدى تغلغل الإفلاس السياسي في ممارسات نظام البحرين وعجزه عن اجتراح مخرجات عقلانية للأزمة التي يأنّ منها منذ زمن.

الهوة التي أخذت تتعمق بين النظام وبين العقلانية السياسية؛ تحتم قراءة المشهد البحراني على ضوء مخرجات النظام الإقليمي وبدرجة أكبر من مخرجات النظام في الداخل، وهذا هو معنى الإفلاس السياسي الذي يلاحق أي نظام حاكم. أي عندما يصبح عاجزا عن المضي قدما في خيارات داخلية ذات مغزى سيادي، ويستبدل تدبيره السياسي بتدبير خارجي يُملى عليه، ويكون عليه واجب التنفيذ والإطاعة.

 

السيادة المسلوبة

 

الأزمة السياسية في البحرين تحتاج لأن تُوضع تحت مشْرط العقلانية السياسية القادرة على إنضاج الخيارات السياسية المحلية، وهي أزمة معقدة بلا شك وتحتاج في بُعدٍ منها إلى ما يُسميه دينس روس “بدبلوماسية المسار الثاني”، وهي كما يقول عبارة عن محادثات لتبادل الأفكار للنظر في خيارات تجاوز العوائق الرئيسية أو إنهاء النزعات. في مقابل هذه الرؤية؛ نجد أن النظام الخليفي في البحرين يتجه دوما للتصعيد واختلاق الأزمات التي تُضاف إلى سلّة الأزمات المتراكمة، والتي لم تلق أي استجابة من قبله لحلها وتجاوزها.

في السياق نفسه، وبدلا من أن يحافظ النظام الحاكم على علاقات إقليمية تُمكنه من مدِّ فترة بقائه وصلاحيته السياسية؛ نجده يندفع نحو الخارج بسلوك غرائزي وبوجه من وجوه التوحش والفُحش في الخصومة – وهي سمات عُرف بها النظام في تعامله مع معارضيه في الداخل – نجده يندفع في تفكيك منظومة مجلس التعاون التي وفّرت للنظام الدعمَ والمساندة السياسية والاقتصادية طيلة ثلاثين عاما. لا لشيء سوى الاستجابة لمغريات التدبير السعودي والإماراتي. وفي الوقت نفسه؛ يستدعي النظامُ عداوة مقبلة مع الدول التي لم تنضم لدول حصار قطر ويطالبها باتخاذ موقف الإفلاس الذي يتخذه، من غير أن يُدرك أن تلك الدول لا تزال تمتلك سيادة القرار، وهي تتمتع بالسيادة المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.

 

التصعيد الانتقامي

 

جانب آخر من جوانب الإفلاس السياسي تمثّل في تقديم أمين عام جمعية الوفاق الشيخ علي سلمان إلى النيابة العامة بتهمة “التخابر” مع قطر وإفشاء أسرار تحركات قطع عسكرية تابعة لما تُسمى بقوة دفاع البحرين. اتهام مخجل وفضيحة يُفاخر بها النظام على الملأ! فمنذ أن نُشرت تلك المكالمة في تقرير لجنة تقصي الحقائق التي عينها “الملك” نفسه؛ عرف الجميع بوجود مبادرة قطرية أمريكية لنزع فتيل الأزمة وإنهاء الاحتلال السعودي للبحرين، إلا أن النظام وبعد سبع سنوات يقول إن المكالمات – التي أُجريت بدراية ومعرفة وإطلاع من الديوان الملكي – هي مكالمات سرية ومسرَّبة، ويُحيل منْ ورد اسمه فيها للنيابة بتهمة “الخيانة” و”التخابر”. اتهامات مخجلة في حقيقة الأمر، وتعكس واقع الإفلاس السياسي الذي يُحاصِر النظام على نحو واسع.

ويجتهد البعض في إعطاء تفسيرات واسعة ومتعددة لمثل هذا السلوك الغرائزي الصادر، ولكن الأمر لا يحتاج لمزيد من التعمق، فهناك اختلال في بنية النظام نفسه، وفي بنيته السياسية “المجنونة” التي يدافع عنها جملة من الجهلة وصُنّاع الكراهية ليس إلا. مشكلة التصعيد الحالي في البحرين أن هناك فقدانا للسيادة الدولية، وهناك ارتهانا وتسليما لكل خيارات البلد السياسية للرياض ولأبوظبي، وهذا يجرّ النظام في البحرين لأن يكون مفلسا سياسيا، ومتخبطا في قراراته، وإلى أبعد الحدود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى