ما وراء الخبر

المجنسون في البحرين: ذراع الموت.. وسرطان الخليفيين في بيوتات البحرانيين

 

البحرين اليوم – (متابعات)

في وقت مبكّر من العام ٢٠٠٣م، التأمت اجتماعات متفرّقة من نشطاء وقيادات معارضة في البحرين، للبحث في الملف الذي بدأ يظهر آنذاك باسم التجنيس السياسي، أو العشوائي. بعد أشهر قليلة، استطاع الأستاد حسن مشيمع، والدكتور عبد الجليل السنكيس (المحكومان بالسجن المؤبد اليوم)، وبرفقة نشطاء آخرين، تأسيسَ لجنة خاصة بمتابعة ملف التجنيس داخل جمعية (الوفاق)، قبل أن يخرجا منها فيما بعد احتجاجاً على سياستها في التعاطي مع النظام الخليفي وقرارها المشاركة في الانتخابات البرلمانية.

استطاعت اللجنة المذكورة أن تُنجز رؤية محدّدة في مقاربة الملف الذي لم يكن يحظى بالانتباه العام في ذلك الوقت، بما في ذلك النخب السياسية التي كانت مشغولة بتفاصيل الخلاف السياسيّ ومحاولات الدخول في قلعة آل خليفة والصراع من داخلها. اللجنة استفادت على نحو مركّز من الفهم العميق الذي قدّمه الدكتور سعيد الشهابي حول موضوع التجنيس. وقد كان يذهب الأخير إلى أن مشروع التجنيس هو المشروع الحقيقي الذي يقف وراءه مشروع حمد عيسى الخليفة الذي جاء به تحت ستار الإصلاح“. وعلى التوالي؛ سجّل الشهابي قراءات وتوصيفات حدّدت المشروع باعتباره إبادة ثقافية منظّمة، وأنه ينطوي على محاولة متدرِّجة ومدروسة لإفراغ الأغلبية التي يمثلها السكان الأصليون، وبالتالي تخريب التركيبة السكانية للبلاد، وهو المدخل الذي يريد الخليفيون من خلاله – ومع الرهان على الوقت – إحداث تغييرات جذرية في مستقبل البلاد، بما في ذلك هويتها الدينية والمخرجات السياسيّة التي يمكن أن تفرزها أي عملية انتخابية أو استفتاء محتمل في المستقبل على تقرير المصير واختيار النظام الحاكم.

hqdefault

شقّت الجهود المبذولة طريقها بإتقان وتوسّع لافت، واستطاعت أن تنقل الملف إلى الوعي الشعبي والسياسي، وشكّلت ندوة التجنيس في يوليو ٢٠١٣م؛ منعطفا مهما في هذا السياق، حيث حضر الندوة عشرات الآلاف من المواطنين، وعُرض فيلم مسجّل أثناء الندوة كشفَ حجم الأخطبوط الذي يفرش أذرعه على هوية البحرين وتركيبتها الديموغرافية، وهي أذرع أوضح الفيلم الوثائقي – في تنبيه مبكّر – بأنها تتحرّك بنحو أخطر من السعودية من خلال عملية تجنيس الآلاف من قبيلة الدواسر، ولأغراض لها أبعاد طائفية في الدرجة الأولى.

أخذ ملف التجنيس بعد ذلك حضورا ملحوظا في المشهد السياسي، وتكررت الفعاليات والاحتجاجات على هذه السياسة الخطيرة، واستمر هذا الحضور الفاعل بدفع من الرؤية التي قادتها لجنة التجنيس داخل جمعية الوفاق، والتي طرحت العديد من الرؤى والمقترحات لإدارة الملف شعبيا وقانونيا وسياسيا، إلا بعض هذه المقترحات لم يتم الأخذ بها داخل الجمعية في ذلك الوقت، لاسيما وجهة النظر التي كانت تدفع باتجاه أن تضع الحاكم حمد عيسى داخل دائرة الاتهام في هذا الملف، حيث إن الحجة الحكومية الرائجة في ذلك الوقت تقول بأن عمليات التجنيس المعمول بها تتم بناءا على استئناءات خاصة من حمد نفسه.

لأسباب كثيرة، تراجع الإمساك بملف التجنيس، واستغل الخليفيون فترة “العراك” على التفاصيل السياسية، للمضي في مشروع التجنيس، إلى أن اكتملت العديد من محاور هذا المشروع، وخاصة في شقّه الأساسي المتمثل في استيراد واستلحقاق الأجانب وزرعهم داخل البلاد بأعداد كبيرة، وتحويلهم إلى “طائفة” ثالثة تنازع الهوية الأصيلة التي تشكلها البحرين بسكانها الأصليين من السنة والشيعة. ومع اكتمال هذا المشروع، وفي شقه المذكور، بدأ الخليفيون – وخاصة في نهاية العام ٢٠١١م وبعد اندلاع ثورة ١٤ فبراير – في الاتجاه نحو المحاور الأخرى من المشروع، والتي تتمثل في:

  • كسر معادلة الأغلبية غير الموالية لآل خليفة، وإعلان الحرب الصريحة على مكونات الهوية الدينية للبحرين، وذلك من خلال استهداف الشعائر الدينية، كسر كل “الخطوط الحمراء”، بما في ذلك اعتقال العلماء وتعذيبهم، وإغلاق المؤسسات الدينية المستقلة، وهو المحور الذي أخذه مداه الأخطر مع المساس بآية الله الشيخ عيسى قاسم، وإسقاط الجنسية عنه ، والتهديد المتواصل باعتقاله أو نفيه خارج البلاد.
  • الإنقاص الفعلي في أعداد السكان الأصليين، وبموازاة الزيادة في أعداد المجنسين. ومارس الخليفيون عملية الإنقاص بوسائل مباشرة ومنها: إسقاط الجنسية والترحيل القسري من البلاد، التسبّب في هجرة المواطنين والنشطاء وتهديدهم بالاعتقال والتعذيب في حال العودة، القتل الفعلي للمواطنين داخل السجون وخارجها من خلال استعمال أسلحة القتل والحرمان من العلاج وغير ذلك، زرع السموم القاتلة داخل الأحياء السكنية للمناطق الشيعية والتسبب في الأمراض القاتلة والخطيرة والتي يحذر خبراء من آثارها الخطيرة مستقبلا على الأجيال المقبلة وتوراث الأمراض المزمنة.
  • الالتحقاق بآل سعود، بما يمثلونه من تاريخ دموي، وعقيدة تقوم على الاجتثاث المذهبي، وشكل دخول القوات السعودية للبحرين في مارس ٢٠١١م البوابة التي عبر منها مخطط تثبيت مشروع الخليفيين في إلحاق البحرين بالسعوديين، والذي يُراد العمل عليه حتى اليوم، تارة من خلال مشروع “الاتحاد الخليجي” (السعودي في الحقيقة)، وتارة أخرى من خلال فتح كل إمدادات الدعم والحماية والسيادة للسعوديين على البحرين وشعبها.

لولوة

 

بلغت آثار التجنيس ومخاطره أقصى مدى اليوم. حينما تحدثت لولوة الخليفة في ٢٣ مارس ٢٠١٧م عن هذا الخطر ووصْفها للتجنيس بأنه “عار”؛ لم يكن ذلك ضمن الإيقاع الذي يريده الخليفيون. لقد كان تغريدا خارج السرب، ومن المؤكد بأنه جرى إسكاتها سريعاً. إلا أن المهم في ذلك، أن هذا “الصوت غير المتوقع” كان دليلا بيّناً على تعاظم خطر المجنسين داخل المجتمع البحراني، السني والشيعي على حدّ سواء، وأن الجميع بات “يكتوي بجراحه، ويتألم من آثاره المدمّرة”.

سرّب ذلك، من جديد، الحديثَ عن “السرطان” الذي يقتل البحرانيين “بهدوء”. وبدأ المواطنون والناشطون مجددا بالحديث علنا عن “المعاناة” من المجنسين، بما في ذلك منطقة الرفاع التي بات المجنسون يسيطرون على عقاراتها، ويشكون هويتها الغالبة، الأمر الذي دفع بعض المواطنين لعرض منازلهم هناك للبيع بعد أن توسّعت المشاكلُ الاجتماعية والأخلاقية التي يقف وراءها مجنسون. وعلى هذا النحو، ارتفعت الأصوات الداعية إلى التصدي لهذه “المشكلة” المتفاقمة، وعادت إلى الواجهة قصصُ الاعتداءات، وامتصاصُ الخيرات، والسلوكياتُ الغريبة التي ارتبطت بتمدُّد المجنسين داخل المجتمع البحراني.

picture

سرعان ما أوعز الخليفيون لمواليهم من أجل إلجام هذه الأصوات بعد أن تنامت بين أوساط المواطنين السنة على وجه الخصوص، وقد تولّى موالون من غير أصول بحرانية هذه المهمة، كما فعل النائب الخليفي عبد الحليم مراد، حيث دافع في جلسة داخل البرلمان الخليفي بتاريخ ٢٨ مارس ٢٠١٧م؛ عن المجنسين، ودعا إلى عدم التمييز بينهم وبين المواطنين الأصليين، وخاصة في ملف الخدمات العامة. وقد تحرّك مراد – المجنّس الذي دعم المقاتلين في سوريا بالمال والتحريض على القتال ولقاء المسلحين هناك – (تحرّك) انطلاقاً من الحسّ العام الذي يُدير سلوك المجنسين في البحرين، وهو التأليب على المواطنين الأصليين في البحرين وتقديم المجنسين باعتباره البديل الذي يوفّي لآل خليفة دور الحماية والطاعة العمياء، وذلك حينما أشار مراد – في الجلسة المذكورة – إلى الأحداث التي جرت في بداية العام ٢٠١١م، والإضراب الذي عمّ المؤسسات التعليمية آنذاك، حيث ذكّرَ بالمجنسين الذين “تطوعوا” لملأ الفراغ داخل المدارس. مع الإشارة إلى أن هؤلاء المجنسين لم يتطوعوا بالفعل، وقد طالبوا بمبالغ لقاء ذلك، فضلا عن كونهم لم يمارسوا دورا تربويا داخل المدارس، حيث إن عددا كبيرا منهم كان من الأميين أو غير المؤهلين تربويا، كما أنهم تولّوا القيام بمهام أمنية وكتابة التقارير المخابرانية ضد المعلمين والطلبة المضربين أو الذين يشاركون في الاعتصامات.

 

دفاع عبدالحليم مراد عن المجنسين هو اختصار ترميزي لطبيعة الخطر الذي يواجه البحرين. فالتجنيس المعمول به هنا ليس احتواءاً لأعداد من الأجانب داخل مجتمع البحرين، بل هو احتواء تدميري وتقليصي لمجتمع البحرين لصالح المجموعات البشرية المستوردة من الخارج، وهي مجموعات مُختارَة بناءاً على “مواصفات” محدّدة، وبما ينطبق على “القنبلة الموقوتة” التي تحمل في أحشائها الدمار الشامل، والنوعي. هي قنبلة تشبه أحشاء عبد الحليم مراد: ولاء نفعي لآل خليفة، عقل تكفيري قريب من الإرهابيين، دفاع عن المجنسين ضد المواطنين الأصليين وتقديمهم عليهم والاستعداد لأداء دور “العاهرة” إذا اقتضى الأمر ذلك. وللتذكير، ففي ندوة التجنيس المُشار إليها في أول التقرير، شبّه الشيخ علي سلمان سياسة التجنيس في البحرين بجلب العاهرات إلى البلاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى