تقارير

العسكرة وفق القانون في البحرين: حكاية “وسام القوة”

 

البحرين اليوم – (خاص)

 

أقر “مجلس النواب” في البحرين مرسوما بقانون يستحدث “وسام القوة” يمنح لضباط وأفراد ما تُسمى “قوة دفاع البحرين”. ويأتي هذا التشريع الجديد في إطار مرور خمسين عاما على إنشاء القوة الذي يعود إلى عام ١٩٦٨م عندما تخرج الحاكم الخليفي الحالي حمد عيسى من كلية “مونز الحربية” للضباط في بريطانيا، وكان وقتها وليا للعهد، حيث تم تنصيبه في هذا الموقع وعمره ١٤ عاما.

 

الابن المدلل ولعبة العسكر

 

في الواقع، لم يكن إنشاء “قوة دفاع البحرين” قرارا محليا أو دليل عبقرية أظهرها حمد عيسى بقدر ما كانت فكرة التأسيس وليدة ظروف سياسية كانت بريطانيا قد أعلنتها وقتها، وتقتضي الانسحاب العسكري من منطقة الخليج، وبالتالي البدء في التحضير للانسحاب وإلغاء اتفاقيات الحماية. ومن جهة أخرى؛ فإن درجة “الدلال” والغنج لأبناء الحاكم لم تكن تقابَل يأي رفض، حتى ولو كانت تلك الرغبة تقتضي تسخير كل ميزانية الدولة ومقدراتها – كما يحدث الآن – لصالح رغبات أبناء حمد عيسى في البطولات الرياضية الوهمية.

في كل الأحوال؛ تأسست “قوة دفاع البحرين” لتكون بمثابة الجيش “الوطني” للبلاد، يحمي سياداتها ويصون حدودها. وكعادة أي قبيلة سياسية؛ تم تسخير مقدرات الدولة لإنشاء ما يرضي الولد المدلل، وما يتوافق و”الدلع” القبلي، فتحولت “قوة دفاع البحرين” من قوة وطنية إلى حلف قبلي يجمع شتات أفراد القبائل المتناثرة وذات الصلة بالعائلة الحاكمة. وبذلك فقدت “قوة الدفاع” أهم شروط قوتها، وهي التشكيل الوطني الشامل غير المستثنى لأحد.

لم يتوقف حدود تشويه الجيش الوطني عند حدود تحويله إلى حلف قبائلي “حداثي”، بل توسعت رغبة الولد في اختبار نظريته الخاصة بالدولة، وهي أن الشعب الحالي ليس هو شعب دولته الخاصة، وبمقتضى هذه النظرية اندفع جاهدا في جعل أولوية التوظيف للأجانب ومن دول مختلفة، فهؤلاء هم منْ سيشكلون الشعب الجديد للدولة، وهم الأقدر على حمايتها. تمادى الابن المدلل في قوته العسكرية، وتوسع كثيرا في تجميع الشهادات العسكرية التي مكّنته أموال الدولة من الحصول عليها، وبالفعل اهتم لاحقا بسلاح الطيران والرياضة والخيول وسائر هوايات أبناء الشيوخ كالقنص وغيرها. لم تكد تمضي سنوات التأسيس حتى تشكلت “قوة دفاع البحرين” وفقا للتصور الذي يلبي رغبات الابن المدلل: ” قوة قبيلة في أساسها وتكوينها الأعلى بجانب قوات أجنبية تكون مستعدة للدفاع عنه وعن عائلته”.

 

الصراع من أجل القوة

 

بعد مرور عشرين عاما وجد حمد عيسى نفسه ضائعا في “طوشة” صراع الأمراء وأفراد عائلة آل خليفة، خصوصا وأن البحرين قد استلمت معونة بحوالي مليار ونصف من دول الخليج العربية في العام ١٩٨١ لتقوية “قوة الدفاع”، حيث برز وقتها المشير خليفة أحمد كطرف يحاول الاستئثار بـ”قوة الدفاع” وجعلها تحت سيطرته ليضمن بناء القوة الخفية لجناح عائلته “الخوالد”. وقد ظهر هذا الصراع واضحا في عام ١٩٨٨ عندما تم ترقية المشير خليفة أحمد من رئيس هيئة الأركان (تولى المنصب في ١٩٧٤) إلى نائب القائد العام لقوة الدفاع، وفي الوقت نفسه أصدر عيسى سلمان (الأمير السابق) مرسوما تم بموجبه تعين خليفة أحمد وزيرا للدفاع أيضا، فاصبح يجمع بين منصبي وزير الدفاع ونائب القائد العام لقوة الدفاع.

 

الجيش ضد الشعب

 

الفرصة الذهبية التي كانت مؤاتية لاختبار نظرية حمد عيسى جاءته في العام ١٩٩٦، عندما هدّد بإنزال قوات “الدفاع” لسحق وقمع الانتفاضة الدستورية، وقد انتشرت بعض تلك الوحدات بشكل غير علني استعدادا لمواجهة الشعب المنتفض على سياسة نظام أبيه وعائلته. ثم سرعان ما توالت الظروف وجاءت ثورة ١٤ فبراير ٢٠١١م، حينها تلاقت إرادته مع إرادة المشير الباحث عن بطولاته الوهمية، وقاما بالتنسيق معا لمواجهة ثورة ١٤ فبراير والهجوم على دوار اللؤلؤة في ١٧ فبراير ٢٠١١ وقتل بعض المعتصمين فيه. وأمام التدخلات الأمريكية، اضطر حمد عيسى والمشير خليفة أحمد لسحب قوات الجيش من شوارع العاصمة ومحيط دوار اللؤلؤة بعد المجزرة التي ارتكبها الجيش وقتل فيها الشهيد عبدالرضا بوحميد إثر إصابته بعيار ناري صوبه أحد جنود “قوة الدفاع”، ليكون سابع شهيد منذ تفجُّر الثورة في ١٤ فبراير.

التدخل الثاني جاء بعد أن استقوى حمد عيسى مجددا، وأعدّ العدة بالاتفاق مع السعودية والإمارات على توجيه ضربة قاضية لثورة ١٤ فبراير، وبالفعل تدخلت قوات الحرس الوطني السعودية مع قوات “قوة الدفاع”، وكأنها في حرب عسكرية، إلى محيط دوار اللؤلؤة في ١٧ مارس ٢٠١١م، وقامت بقتل المعتصمين فيه، وأعلنت أحكام الطوارئ، ونُصّب المشير خليفة حاكما عسكريا، ليرتكب بعدها كل أنواع التطهير الطائفي وسياسات الانتقام من كل أبناء الشعب الذين خرجوا في ثورة ١٤ فبراير، كما هدمت قوات الجيش عشرات المساجد والمنشآت الدينية، ومارست تلك القوات كلّ صنوف الانتهاكات الحقوقية، حتى وصل الأمر لأن يُحال ملف انتهاكات القوات العسكرية إلى مجلس الأمن، إلا أن التدخل الأمريكي جاء منقذا مرة أخرى لقوات جيش حمد عيسى والمشير، وتم تشكيل لجنة تقصي الحقائق برئاسة السيد بسيوني كمخرج آلي للتستر على فظائع جيش “قوة الدفاع” وانتهاكاته.

هذه باختصار حكاية “وسام القوة” التي يتفاخر بها حمد عيسى والمشير خليفة أحمد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى