تقارير

المؤسسة “الحكومية” لحقوق الإنسان: “غصّة” عبدالله الدرازي و”شوكة” السجناء المضربين

المؤسسة الحكومية لحقوق الإنسان ٢

المنامة – البحرين اليوم

من المفترض أن تعقد ما تُسمى بالمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان (الحكومية) مؤتمرا صحافيا اليوم الأحد ١٠ سبتمبر ٢٠١٧م، وقالت بأنه سيكون مخصصا بنتائج الزيارات “غير المعلنة” للمؤسسة إلى السجون في البحرين. قد يُعقد المؤتمر في أي لحظة، وقد يطير مع “الغصّة” التي تزدحم في بلعوم الحقوقيين المهرجين الجُدد.

لا أحدا من المعنيين الفعليين بحقوق الإنسان في البحرين ينتظر انعقاد المؤتمر، الذي أُبقي توقيته “معلّقا”، إما لكي يتراكض الجميع عليه، أو لكي يهرب هو وأصحابه ما أمكنَ عن الجميع. بقي معلقاً تماما كما هي حال هذه المؤسسة التي يعيّن الحاكم الخليفي حمد عيسى أعضاءها بناءا على معايير الولاء للنظام والانحياز لكلّ ما يقترفه ولو سوّد وجه النهار، ولهذا يكون الحرص دائماً على اختيار “الكفاءات” التي تُثبت أكبر قدرة على “تبرير” انتهاكات النظام وجرائمه، كما هو الحال مثلا مع عبدالله الدرازي، نائب رئيس المؤسسة “الحكومية” التي تقع في أرقى الأحياء التجارية في منطقة السيف، وفي مبنى يتلألأ بالارتزاق.

الدرازي ١

عبدالله الدرازي لم يستطع حتى الآن أن يرى حصارا على مسقط رأسه، ولا أن يُعاين بوضوح المسلحين الملثمين الذي هاجموا اعتصام الدراز في يناير الماضي وخطفوا روح شاب طريّ الحياة. لم تطُنّ أذني الدرازي بطلقات الغازات السامة والعبوات الحارقة التي تُطلق كل يوم على المتظاهرين بامتداد خارطة البحرين، وهو لم يقل شيئاً عن “العملية الأمنية” التي وقعت في مايو الماضي وأسفرت مقتل خمسة معتصمين. ولكن الدرازي وجد الوقت لأن يقول واحدة من أبرز الحِكم التي تدرّب عليها طويلا فوق كرسيه الوثير. قال بأن مؤسسته “أصبحت عظْم يغص بها بعض المغردين ومحطات التلفزيون الموجهة”.

كتب الدرازي هذه العبارة على حسابه في موقع توتير، مع أخطاء نحوية وإملائية قد لا تليق بمحاضر جامعي، يُفترض أنه أنهى مقررات ابتدائية في قواعد اللغة العربية. ولكن ليس هذا هو المهم، فسبحان منْ لا يخطيء في عالم “التغريد”! ولكن بالنسبة للرجل الذي درّب أعضاء مؤسسته على زيارة السجون، ونظمّ ورشا تدريبية لعدد من البلهاء لإعدادهم للمشاركة في الدورة الـ٣٦ لمجلس حقوق الإنسان بجنيف التي تُعقد الاثنين ١١ سبتمبر الجاري؛ كلّ ذلك كان يُفترض أن يفرضَ على الدرازي “التقليل” من قلة التهذيب وهو يعلق على الانتقادات الموجهة إلى مؤسسته التي يعرف قبل غيره أنها مثل “الجُرْبة المبطوطة” التي لا تصلح أن تُخفي المياه الآسنة  أو الروائح الكريهة.

كلّ ما يريد الدرازي أن يفعله الآن هو أن يكون “الخادم الأبرز” للنظام داخل مؤسسة حقوق “الملك”، وهو يفعل كل ما بوسعه وما ليس بوسعه، ويجتهد في الليل والنهار لإعداد التبريرات والتقارير ومسودات الردود الرسمية على البيانات الدولية؛ لكي يجهّز نفسه لمنصب آخر يعبّر فيه عن نفسه بوضوح أكثر، وليس ذلك أكثر من اللحاق وراء عبدالله الدوسري، مندوب آل خليفة في جنيف، والذي أضحى – بجدارةٍ – الصوت الأكثر قدرة على إخفاء أوضح الواضحات وتحويل الأكاذيب البتراء إلى ديباجات ممهورة بالتزلف لسلاطين القمع.

الدرازي ٢

لا شك أن الدرازي لا يشعر، هو وبقية جوقة “الجمبزة”، بأية غصّة من ١٧٦ توصية تلقتها حكومته سيئة الصيت في الاستعراض الدوري في جنيف مايو الماضي. فهو قال – وليس الدوسري – بأن “البحرين سترد على التوصيات خلال اجتماع مجلس حقوق الإنسان في سبتمبر” الجاري. ولأجل ذلك، وحذارِ حذارِ، على جميع الحقوقيين من البحرانيين وممثلي المنظمات الحقوقية العريقة أن يجلبوا معهم ما يكفي لمسح أطنان الدموع التي ستهطل من عيونهم وهم يتبادلون النّكات وعبارات التندُّر على الردود الحكومية، حيث سلتقي في هذه الردود بصماتُ “حقوقيّ” لا يُبْصر ما يجري في بلدة يقطنها أكثر من ٢٠ ألف مواطن، و”حقوقي” آخر يعرف من أين، وكيف، تمتليء الجيوب!

جزء من السّر إذن يكمن في رغبة الدرازي أن يحجز له مقعد أكثر وثرةً وثراءاً وإثارةً من مقاعد المؤسسة في مبناها الفاخر. يتطلب ذلك من الدرازي أن يجعل من مؤسسته “أمرا عظيما” – ولو داخل رأسه الصغير – ما يدفع الحسّاد لأن يُصابوا بـ”الحساسية المفرطة” حينما تشيد “معظم الدول” – كما قال بالنصّ “الدكتور” في مايو الماضي – بالمؤسسة العامرة بالبذخ و”حقوقيي” آخر الزمان. وليس علينا أن نفحص كثيرا الدماغ “الحقوقي” الذي يعمل بمقتضاه الدرازي وهو ينتفخ حينما تشيد “معظم الدول” والحكومات بمؤسسته التي قال فيها السجناء المضربون اليوم في البحرين ما تستحقه من أوصاف.

 

الدرازي ١

 

في رسالة اطلعت (البحرين اليوم) على نسخة منها، قال السجناء بأن المؤسسات الحقوقية “الحكومية” المعنية بالسجون، وفي ظل استمرار الانتهاكات داخلها، يدل على أنها واقعة بين حالين وأمرين، فهي إما أنها تعلم بما يجري ولكن لا تحرُّك ساكنا، أو أنها ليست على دراية، وحينها “المصيبة أعظم”.

تضع الرسالة المؤسسة “الوطنية” لحقوق الإنسان، ومفوضية السجون، وإدارة التظلمات أمام الشكاوى المتراكمة التي قدّمها السجناء وأهاليهم “من دون أن يؤخذ” لهم أي حق، ليصلوا في النهاية بسبب ذلك إلى مرحلة “انقطاع الثقة” مع هذه المؤسسات التي يراها السجناء، كما عبروا، مجرد “واجهات ديمقراطية للتغطية على جرائم النظام، وتلميع عقيدة وزارة الداخلية القمعية”.

المؤسسة الحكومية لحقوق الإنسان ١

لم يكن الإضراب الذي بدأ السبت ٩ سبتمبر الجاري “نزهة” يخوضها السجناء، فهو “وسيلة وليس غاية” كما قالوا، وهم يرغبون أن يكون الإضراب “فرصة” أمام هذه المؤسسات، وعشية انعقاد دورة جديدة لمجلس حقوق الإنسان، لكي تُثبت (هذه المؤسسات) بأنها مع السجناء وحقوقهم، وليس مع المعذّبين والتغطية على انتهاكاتهم الممنهجة. ولأجل ذلك، يضع السجناء المضربون أمام مؤسسات الحكومة المعنية “معادلةً حقوقية” يسيرة ومتاحة، وهو أن يُرسلوا ممثلين عنهم، للقاء ممثلين عن السجناء المضربين، وبحضور مراقبين دوليين من مكتبي الصليب الأحمر والأمم المتحدة في المنامة، ليُبرموا اتفاقا يكون فيه الانحياز فقط لحقوق السجناء الطبيعية والمقرَّرة في كل المواثيق الدولية وقوانين حقوق الإنسان في العالم.

هذا “المحكّ”، كما وصف السجناء هذا الملف، هي “غصّة” فعلية في بلعوم النظام وحقوقييه بعد أن ارتأوا أن يبلعوا الشوكة، ويكونوا بين فاعلين في التعذيب، ومفعولين في التبرير له والتغطية عليه.

قبل المؤتمر الصحافي لمؤسسة “حقوق الملك”، وبعده، جاء في وقته أو متأخرا، أو أُلغي إلى حيث تُرمى الفضائح والقاذروات، أو تأخر كيرا بعد أن ذهب الدرازي وبقية النشطاء “الطّبالة” إلى زيارة لقصور آل خليفة للاطمئنان على توفير كل الحقوق والرعاية والضمانات لها ولقاطنيها غير الكرام.. وسواء أطالَ الدرازي أو الفيحاني في الكذب والتهريج، أو غابَا عن الطلّة غير الميمونة؛ فإنّ كلّ الأمور تقول بأن إضراب السجناء قلبَ السحر على الساحر، وأعادَ “الغصّة” إلى أصحابها.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى