رمضانيات الثورة

في رمضان البحرين: منزل الشيخ عيسى قاسم.. “فوعزتك يا سيدي لو نهرتني ما برحتُ من بابك”

 

البحرين اليوم – (خاص)

في شهر رمضان تفتح المنازلُ أبوابَها، وتُعقد مجالسُ تلاوة القرآن والتلاقي بين الصائمين الذين منّ الله عليهم ببركات شهر الله. الطرقات في هذا الشهر لا تفارقها أنفاسُ الناس وخطواتُ الأقدام التي تعبر من غير تعب أو شعور بالنهاية. يتدفق أبناء الحيّ على الآخر، ويكتشف الجيران الأبعدون ما حلّ بالأبعدين من الجيران وغير الجيران. في كلّ باب علامة على الترحاب وكرم الضيافة، وعند كلّ العتبات ثمّة وجوه تغمرها فرحة الصوم، وبهجةُ الأطفال الذين تنتعش براءتهم وهي تلتحف بهذه الجموع التي تأتي وتروح. ولكن المنزل الذي جاوره آلافٌ من المرابطين طيلة أشهر مفتوحة؛ بات في شهر رمضان محروماً من رؤية العاشقين، والفدائيين، وهم المحرومون أكثر.

في كلّ ليلة من ليالي الاعتصام.. كان أهلُ الوفاء يعقدون مجالسَ الذكر وبرامج العزّ وفتوحاتٍ من التظاهر والهتافات. كانت ساحة الفداء ستعجُّ بما هو أكثر وأطهرُ لو مدّ الله في شهور الاعتصام شهراً آخر. ولكن لله تدبيره، وفي كلّ أشياء الله حكمةٌ ودرس عظيم. فدّى الناسُ الشيخَ الصّابر بالدماءِ الغزيرة، وتصميمهم بعد الذي جرى هو ألا يجاوروا منزلاً غير منزله، ولا يكتملُ عندهم معنى الصوم والاستغفار إلا بمدّ البصر إلى بابه الكريم، وتكحيل العين بالأنوار التي تحلّ في ساكن الدّار العظيم. ومنذ وقعت الواقعة، ووطأ الأنجاسُ والقتلة ساحةَ الشّرف والشهادة؛ لم يملّ الناس – الكبار قبل الشّبان – في ارتجالِ الموقف الذي لا بد منه: الذهابُ إلى بيت الفقية القائد، والمرور عليه رغم العساكر الذين لازالت تتقطر من بنادقهم روائحُ الجريمة النكراء. لم يفلح بعضهم في رؤية الشيخ الحبيب، واعتذر عن استقبال البعض، ولكن لسانَ حال الناس مثلُ الدعاء الذين يلهجون به في الأسحار “فوعزتك يا سيدي لو نهرتني ما برحتُ من بابك”. ليس هنا تشبيهاً بالربوبية أو تأليهاً على طريق الغلاة، ولكنه الموقف الثابت الذي فعلوه في أول يوم من أيام الاعتصام، حينما ذهبوا إلى منزله، وهو واقف أمام بابه، هاتفين له بالفداء والتضحية، ولكنه – وكما الإمام الحسين بن علي – أراد أن ينزع عنهم الحملَ الثقيل، ويمنحهم العذر بالإنصراف حين يحلّ الظلام. ولكنهم أبوا، وتأسّوا في ذلك بأنصار السبط الذين خلّدهم يوم العاشر، كما ستُخلد ساحةُ الدراز فدائيين كبارا، في كلٍّ منهم سجايا وحكاياتٌ من كربلاء.

لن يتوقف الزّحف إلى بابك سيدي.. فالصوم من غيرك ناقصٌ ومنقوض، والدعاءُ باتجاه قبلتك هي الإتمام والتمام.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى