سجن جومقالات

سياسات الورطة: محفزات توسيع مفهوم الإرهاب على حساب العدالة في البحرين

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم السيد باقر المشهدي

كاتب مهتم بالشأن البحراني

تختلف البحرين عن باقي دول منطقة الخليج، من حيث قدرتها على انتهاج سياسة مرنة تتعامل بها مع أزمات الإقليم أو حتى الأزمات الداخلية التي تواجهها منذ عقود. فالعديد من الأزمات الداخلية والخارجية التي مرت بها البحرين خلال العشر سنوات الأخيرة؛ أوضحت افتقاد النظام في البحرين القدرة على التعامل المرن، وتفضيل السياسات الحادة والمتطرفة خيارا سياسيا وحيدا.

في السياسة الداخلية؛ أفضت تلك السياسات إلى مزيد من التأزم والاحتقان، بل إن نتائج تلك السياسات أدخلت الدولة ونظامها السياسي في دوامة لا يمكن الخروج منها وفقا لحسابات “الرابح الوحيد”، وهو الإطار الذي كانت السياسات الحادة تبشر به باعتباره المخرج الجذري للأزمات المتلاحقة منذ 2002. أما المجال الخارجي، فهو الأكثر وضوحا، فالبحرين هي الأكثر استعدادا لأن تكون الدولة التابعة والخاضعة لمؤثرات القوى الأكبر والأكثر تأثيرا، ولذا فإن السلوك الخارجي لسياسة النظام في البحرين لا يبدى استعدادا لأن تتحول البحرين من دولة تابعة إلى دولة مؤثرة.

أيا تكن التحليلات التي قد تدفع هذا السلوك باتجاه الأخذ بالثوابت التاريخية التي يصعب تجاوزها أو القفز عليها، والتي تضفي نوعا من الاستمرارية في التبعية؛ فإن النتائج التي تؤدي إليها التبعية لا تخلو من اهتزازات واضحة في السيادة الداخلية والعقلانية في السياسة الخارجية. يضاف إلى ذلك طبعا تزايد حدة التطرف إزاء الأطراف الداخلية، واللجوء إلى آليات قمعية على حساب آليات العدالة.

 

سياسات الورطة

 

منذ فبراير 2011 أصبح الوقت ملائما لتقويم السياسة الخارجية في البحرين كما ظهرت من خلال الاستعانة بقوات درع الجزيرة في مارس 2011، ومن قبل في الحصول على مارشال خليجي بقيمة 10 مليار دولار. إن المأزق الداخلي الذي واجه البحرين هو ذاته الذي واجهته دول خليجية أخرى، مثل عمان والكويت ودول عربية عديدة في سياق الربيع العربي، مثل الأردن والمغرب وغيرها، وجميع تلك الدول باستثناء سوريا وليبيا؛ لم تكن بحاجة لقمع عسكري وفقدان السيادة لتتعاطى مع أزمتها الداخلية.

صحيح أن الوضع كان معقدا ومتعدد الوجوه، لكنه كان ولا يزال مشهدا محليا قابلا لأن يكون نموذجا في طريقة اجتراح الحلول الديمقراطية، بدلا من التعاطي العسكري وفقدان السيادة. يضاف إلى ذلك أن قوة الآلة العسكرية ربما تكون قادرة على إنهاء حركة الاحتجاج الجماهيري الواسع في دوار اللؤلؤة؛ لكنها لم تستطع إنهاء الاحتجاج الشعبي داخل القرى والمناطق الداخلية، كما لم تكن قادرة على كسب الشرعية المفقودة.

السؤال الذي ينبغي أن يُطرح قد لا يتعلق بعقلانية القرارات السياسية التي تصدر عن حكومة البحرين أو عدم عقلانيتها، بقدر ما يتعلق بنوعية تقدير الحسابات التي تدخل في صنع هذه القرارات. فمن الواضح من تتبُّع مثل هذه القرارات أن هناك حيرة وتعقيدا كبيرين حول معظم المشاكل المهمة التي تواجهها حكومة البحرين، ولهذا فإن المخرجات المتوقعة هو أن تتجه قرارات السياسة الداخلية والخارجية إلى إدخال تغييرات كمية في السياسة القائمة، بدلا من إحداث تغيير نوعي يُحسِّن من شروط استعادة السيادة الداخلية أو الخارجية.

المشكلة الأساسية في تدبير السياسة للنظام في البحرين تكمن في أن العقلانية هي الشيء الوحيد الغائب عن المشهد السياسي بل يكاد يكون من المستحيل العثور على جوانب عقلانية في التدابير المتخذة. صحيح أن مجلس الوزراء والديوان الملكي يتداولان الأمور السياسية في إطار بالغ الأهمية، لإقرار التوجهات السياسية، لكن تلك المداولات لا تُطرح ضمن إستراتيجية متماسكة.

،نتيجة لذلك، ليس غريبا أن تتسم التدابير السياسية بصفة “تجميع النقاط”، ولكن من دون إحداث تغيير نوعي وحقيقي في ميزان القوى. وعبر مراجعة وثائق الربيع البحراني سنجد أن تبعية البحرين للسعودية لم تقف عند حد التنسيق والتعاون، بل حاولت جاهدة أن تحوّل صيغة العلاقة إلى صيغة اتحاد كونفدرالي منفرد عن صيغ اتحادية تضم جميع مجلس التعاون الخليجي.

معنى ذلك أن السياسة في البحرين اعتمدت مبدأ الحليف الإستراتيجي الوحيد لصياغة سياستها الداخلية والخارجية، وأفرز ذلك نمطا ثابتا من التبعية لعبَ الديوان الملكي دورا كبيرا في ترسيخها واعتمادها بديلا عن كافة التدابير السياسية السابقة التي حاولت إقامة توازن بين متطلبات الداخل ومتطلبات الخارج. إن توجه الديوان الملكي في إقرار سياسية الحليف الإستراتيجي الوحيد من شأنه أن يلغي كافة المؤسسات البيروقراطية الأخرى، وأن يجعلها رهينة فعلا لما تقرره السعودية من سياسات.

وهذا ما تجلى في الأزمة القطرية وقبلها الأزمة المتصلة مع إيران، وكأن البحرين تتحرك في رمال السعودية المتحركة. فهناك رغبة ملحة في وصم قطر بدعم الإرهاب، في الوقت الذي لا يمكن فتح ملف دعم الارهاب بشكل منفرد ما لم تُفتح ملفات “دول الحصار” أيضا. ولهذا تبادر البحرين أن تُظهر أكوام الورق والمستندات التي تحمل اسم قطر، حتى وإن لم تكن متصلة بقضايا الإرهاب أو التدخل في الشؤون الداخلية، ومن خلال منطق توسيع مفهوم الإرهاب تسعى السياسة الرسمية في البحرين لأن تصف، مثلا، التبرعات الخيرية لبناء مسجد أو مأتم على أنها دعم للإرهاب.

الإرهاب والعدالة

نحتاج أن نقرر ولو بشك لموجز أن مفهوم الإرهاب المتبع لدى حكومة البحرين هو الأكثر سعة من بين عدة مفاهيم عالمية لضبط مفهوم الإرهاب. فالإرهاب الذي تعتمده الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في البحرين قابل لأن يتكيف مع كل نشاط سياسي أو احتجاجي. فالضابطة الأساسية هنا هي ممارسة أي عمل يخالف توجهات الحكومة أو يمكن تفسيره على أنه يدعو للخروج على ما تقرره الحكومة.

ووفقا لذلك، فإن تشكيل خلية سرية لزراعة عبوات تفجيرية يتساوى مع إلقاء خطاب سياسي في مؤتمر سنوي لجمعية سياسية مرخصة يناقش فيه أوضاع الميزانية أو الحروب الخارجية التي تشارك فيها البحرين.

هذه السعة والقدرة على التمدد يصعب أن نجد لها مثيلا على المستوى العالمي، فالدول التي تحترم مبدأ القانون وسيادته لا يمكن ان تأخذ بهذه السعة الكبيرة في التعامل مع أهم وأخطر المفاهيم المعاصرة وهو الإرهاب. يبدو واضحا أن حكومة البحرين تحتاج لكثير من الجهد لكي تقنع من يراقب أوضاعها الداخلية؛ أن قادة المعارضة السياسية المعتقلين يدعمون الإرهاب أو يؤيدون العنف، أو إن لهم صلات مع جهات خارجية تعمل لزعزعة الاستقرار السياسي في البحرين.

من جانب آخر، فإن قدرة الأجهزة الاستخباراتية والأمنية في البحرين على تحوير أدلة الإرهاب حسب التوجهات الإقليمية والعالمية؛يعد أمرا مريبا ومثيرا للاستغراب. فأدلة الإرهاب والعنف التي تسوقها الأجهزة الأمنية تتكيف مع الإطار العام الذي تتحرك فيه قضايا الإرهاب وموجاتها المتعددة. كان بإمكان جهاز الدولة في البحرين أن يتوسع في مفهوم العدالة أكثر، وأن يجترح مفاهيم أكثر عملية للعدالة السياسية التي لا تعني سوى الإنضمام لمنظومة الحقوق الحديثة والالتزام بها ما يمكن بناءه على ذلك من أن التوسع غير المبرر وغير الأخلاقي لمفهوم الإرهاب يتوافق مع ما يمكن تسميته ” الأنظمة المنهارة”، فكلما شعرت الدولة أنها تقترب من حافة الانهيار كلما لجأت لمفاهيم مطاطية تعفيها من استحقاقات سياسية واقتصادية. إذ كيف للدولة أن تنجز واجباتها نحو مواطنيها إذا كانت تلاحقهم جمعيا بتهمة الإرهاب!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى