مقالات

رسالة إلى اليساريين والقوميين والعروبيين في البحرين: ادعوا إلى إسقاط النظام!

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: كريم العرادي

كاتب من البحرين

 

متى تصبح المطالبة بإسقاط النظام، في أي بلد، أمرا طبيعيا، ومشروعا؟ لنضع المبررات المحتملة التالية:

١- استعمال القوات المسلحة (الجيش) في قمع المتظاهرين الداعين إلى الديمقراطية، والتسبب في قتل أعداد كبيرة منهم، بمساعدة القوات الأجنبية والمرتزقة.

٢- اعتقال المعارضين والنشطاء والمواطنين وتعريضهم للأحكام الجائرة، والانتهاكات الممنهجة.

٣- استهداف المعتقدات والمقدسات والمحرمات بشكل ممنهج ومقصود ومتواصل وعلني.

٤- تثبيت الحكم الاستبدادي المطلق، بمنع العمل السياسي المعارض، وتجريم حريات التجمع والتظاهر والتعبير عن الرأي.

٥- التسبب في إثارة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، والاصطفاف في المحاور التي تقوم بالحروب وتحرض على القتال.

٦- خيانة القضايا الكبرى للأمة، والاستخفاف المباشر بالموقف الشعبي حيال هذه القضايا.

نظريا، ومنطقيا، وشعبيا، فإن أي نظام يرتكب أكثر هذه الحالات، فإنه لا يصلح أن يكون حاكما على البلد وممثلا للشعب، فكيف لو أن النظام ارتكب كل هذه الحالات، وزاد عليها كما ونوعا؟

في البحرين، كان الداعون إلى إسقاط النظام منسجمين مع أنفسهم تماما، فهم لمسوا مرة تلو الأخرى كيف أن آل خليفة ارتكبوا، عمدا واستمرارا، كل أفعال المجرمين والخونة وسفاكي الدماء، وكانوا دون توقف مندفعين للاستهانة بكل خطوط المحرومات والمحظورات الدينية، والوطنية، والقومية، ولم يبق شيء لم يفعلوه ليكونوا مصداقا كاملا، ودون نقاش، على المارقين والناكثين والقاسطين، وكانوا في ذلك في أعلى درجات التوحش، والدناءة، والعمالة. فحق عليهم أن يُلعنوا، ويكونوا تحت الأقدام، وتتم البراءة التامة منهم إلى حين زوالهم. هذا هو الحال بالنسبة للداعين إلى إسقاط آل خليفة.

الآخرون، وخصوصا من المعارضين الوطنيين، كانوا يرون شيئا آخر. هم يتحدثون عن وضع داخلي معقد، وظروف إقليمية غير مؤاتية، إضافة إلى التركيبة المنافقة للمجتمع الدولي. لهذه الأسباب، وجد هؤلاء أن الذهاب إلى المطالبة (أو الانسجام) مع مطلب إسقاط النظام الخليفي “غير واقعي”، وفيه كلفة باهظة على كل المستويات، فضلا عن تعسّر تحقيقه والوصول إليه. ولكن، في الجدال المسموح، فإن هناك من يسأل: ماذا عن طبيعة النظام؟ لماذا لا يُحدَّد الموقفُ من هذا النظام – سواء بالمطالبة بإصلاحه أو إسقاطه – بناءاً على جهوزيته وتكوينه ومستوى بنائه الداخلي وسلوكه الخارجي؟ أليس من المنطقي، والواقعي أيضا، أن يحدد المرء موقفه تبعاً لطبيعة الجهة التي تمثل موضوعا أساسيا للموقف؟

بمثال بسيط: لو كان الزوج متخلفا بضراوة عن أداء حقوق الزوجة والأبناء، وكان يُمعن – بتكرارية عنادية – على الاعتداء عليها وعلى أولادها، رمزيا وجسديا، ولا يؤدي أدنى الواجبات عليه، ويزيد على ذلك بخيانة الزوجة، مرة بعد الأخرى، ويستهين بكرامتها على الملأ. هل على الزوجة أن تتريث قبل أن تتحرر من هذا “الوحش”، وأن عليها أن تراعي الوضع الاجتماعي الحرج للمرأة المطلقة، وما قد تلاقيه من ظروف عسيرة بعد الانفصال؟ نعم، ربما هناك من يدعو مثل هذه الحالات من الزوجات لأن تصبر على المُر، وأن تبتلع كل موبقات وفواحش زوجها، لأن “الستر” أفضل من أي خيار آخر، وإلى حين يتوب زوجها وتنفع معه النصائح! هذا الكلام، في محتواه العميق، هو ذاته الذي يتحرك في تلافيف أدمغة الداعين للصبر التسليمي مع آل خليفة، والمضي في توجيه النصح لهم بالصلاح والإصلاح!

ليتأمل الجميع مثال الزوجة، ثم يضعوا نصب أعينهم المروق الخليفي غير المحدود، والذي وصل أوجه مع تصريحات وزير خارجية آل خليفة التي اصطف فيها، صراحة، إلى جانب “إسرائيل”، وأكد حقها في “الدفاع عن نفسها” في وجه الهجمات الصاروخية التي طالت مواقعها العسكرية في منطقة محتلة – بالاعتراف الدولي – منذ العام ١٩٧٣!

في رأيي، إن الوطنيين والقوميين في البحرين يُفترض بهم أن يعلنوا، وبعد هذه التصريحات، براءتهم ليس من وزير الخارجية وخياناته، ولكن من آل خليفة، جملا وتفصيلا، لأن ما أذاعه الوزير “البرميل”؛ هو تجسيد عملي، وتطبيق للموقف “الإستراتيجي” الذي ترسخ أكثر على يد حمد عيسى – وإتباعا لآل سعود – في اعتبار إسرائيل “دولة شقيقة”، لها الحق في الوجود على الأرض المغتصبة، وأنها ترقى لمستوى عال من الصداقة، وليس هناك ما يبرر اعتبارها عدوا، في مقابل أن إيران – وكل ما تمثل وتعبر – هي الخطر الأول والأخير، وهي العدو الأكبر، وأن المطلوب هو الوقوف وراء إسرائيل في مواجهة هذا الخطر والعدو. ألا يستحق هذا الموقف أن يعلن اليساريون والقوميون والتيار الليبرالي العروبي في البحرين موقفا صريحا بالخروج على النظام الخليفي، واعتباره خائنا، وأن إسقاطه – مدنيا وسياسيا – حق مشروع؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى