جواد عبدالوهابمقالات

السعودية “القربان” الأول لاتفاق الغرب مع إيران

جواد عبد الوهاب - قيادي في تيار العمل الإسلامي بالبحرين/ لندن
جواد عبد الوهاب – كاتب ومحلل سياسي بحراني/ لندن

البحرين اليوم – (خاص)

 

 

يتساءل الكثيرون عن السر الذي يجعل من السعودية تستميت في معارضتها للاتفاق الذي جرى بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة وإيران على خلفية ملفها النووي، وتعمّد إلى توتير العلاقات معها إلى درجة إقدامها على مغامرات كبيرة كادت أن تؤدي إلى حرب طائفية لا تبقي ولا تذر في المنطقة، لولا التعقل وضبط النفس الذي ساد ردود الأفعال الإيرانية.

 

فمن شنِّ العدوان على اليمن، إلى قتل الحجاج الايرانيين، وانتهاءاً بقتل الزعيم الشيعي آية الله نمر النمر، ومن ثم قطع العلاقات مع الجمهورية الإسلامية وتصعيد لهجة الخطاب الإعلامي إلى أقصى درجاته؛ كلها كانت محاولات لجرّ إيران إلى حرب طائفية تهدف إلى تعطيل الاتفاق النووي بين الغرب وإيران.

 

وكما يُقال: إذا عُرف السبب بطل العجب.. فالسعودية تعرف أن هذا الاتفاق لم يكن بين إيران والولايات المتحدة، بل بين إيران وكل العالم، حيث اشترك في الاتفاق الروس والصينيون والأوروبيون، وحرص كل طرف من هذه الأطراف على حصوله على حصته من الاتفاق، بينما سُجّل غياب جميع العرب، وخاصة السعودية التي شعرت أنها ستكون  الضحية الكبرى للاتفاق وأنها القربان الذي سيتم نحره على طاولة الاتفاق.

 

إن نظرة سريعة للتحول الكبير واللافت لوسائل الإعلام وللخطاب الرسمي الغربي في أعقاب تنفيذ الاتفاق، وخاصة بعد قتل آية الله الشيخ نمر باقر النمر، واتهام العائلة المالكة بشكل مباشر؛ بأنها ترعى العقيدة الوهابية المنتجة للإرهابيين والتكفيريين، ومطالبة بعض النخب الغربية عبر تلك الوسائل بالتخلص من هذه العائلة، والتحول الكبير في الخطاب الغربي عموما؛ إنما كان سببه هو الاتفاق النووي الإيراني التاريخي.

 

السعودية تشعر بأن المسرح بات جاهزا لتنفيذ أحد أهم بنود الاتفاق الذي يقول بعض منْ اقتربوا من كواليسه أنه لايمكن تنفيذه باستمرار العائلة المالكة السعودية الحالية، خاصة أن العالم تجتاحه رغبة شديدة للانتقال من العصر “الوهابي الإرهابي” إلى العصر “النووي الإيراني” خاصة بعد فشل محاولات كسر العقدة السورية، وبعد أن اقتنع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية أن إيران وروسيا تمكنتا من الاحتفاظ بخط العراق سورية إلى المتوسط بعد صمود سوريا الأسطوري في وجه الحرب الكونية التي شُنّت عليها.

 

خوف السعودية من الاتفاق لم يأت من فراغ، بل من معرفتها أن هذا الخط سيكون أقوى الخطوط لنقل الطاقة والتجارة في العالم في القرن الواحد والعشرين بين كل من آسيا وأوروبا، الأمر الذي سيؤدي وبسرعة إلى اضمحلال أهمية مناطق الطاقة النفطية الخليجية أمام كابلات الطاقة والتجارة والغاز التي ستمر من هذا الممر التاريخي بين إيران وسورية.

 

وكان مقربون من كواليس المفاوضات التي جرت بين الغرب وإيران نقلوا أن الاتفاق حوى ضمانات وحصة للغرب في خط الطاقة القادم، حيث ستكون أسواق وصناعات إيران مفتوحة  للشركات الغربية التي ستتركز في إيران حفاظا على مصالحها، وربما لتأسيس مرحلة استعادة إيران اقتصاديا إلى الدورة الغربية الرأسمالية، واستعادتها لمكانتها كقوة عظمى في هذه المنطقة.

 

ويضيف هؤلاء أنه في مقابل ذلك؛ فإن هناك كثيراً من الأموال السعودية والخليجية يرى الغرب أن أفضل طريقة للإستيلاء عليها هو إحداث صدمة تغيير في نظام الحكم السعودي، حيث تضيع الأموال والودائع في البنوك الغربية، كما ضاعت الأموال الليبية، ويتم توجيهها إلى منطقة الاستثمار الجديدة، الأمر الذي يعني أن السعودية بشكلها الحالي ستصبح عبئا على المشروع الجديد، خاصة أن الإيرانيين والروس لا يثقون أن الغرب لن يستعمل الحكم السعودي للانقلاب على الاتفاق في المستقبل بتحريك الجهادية الوهابية ضد أحدهما.

 

ولذلك، فإن تقديرات الكثير من الخبراء ترجح  أن الغرب – وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية – ربما يقدم على تغيير الحكم السعودي بعد أن يتم استنفاذ الشروط الغربية في السوق الإيرانية، مشيرين إلى أن واشنطن بدأت بالفعل تسليط الضوء على الوهابية وعقيدتها الرهيبة وربطها بالعائلة السعودية المالكة تحضيرا لخطوة التغيير والانقلاب، حيث يتم تغيير طاقم الحكم كضمانة للاتفاق، وكذلك بعد التأكد من انتهاء صلاحية العصر الجهادي الوهابي، وتراجع إمكانية استعماله بفعالية بعد نصف قرن من إطلاق نيرانه في كل أصقاع العالم. فيما يرى محللون أن المرحلة التي يمر بها النظام السعودي شبيهة بتلك المرحلة التي مر بها نظام صدام حسين قبل إسقاطه في العراق، وأن الغرب يتوافر على ذات المعطيات والمبررات التي قدمها لإسقاط نظام صدام حسين، وقد بدأ بتسويقها من أجل الاطاحة بالنظام السعودي، وأن المسألة هي فقط إنضاج ظروف العملية على نار هادئة.

 

كل المؤشرات تؤكد أن الغرب بصدد إجراء تغيير ما في السعودية التي على ما يبدو خسرت جميع أوراق بقائها، وأن الاطاحة بالنظام أو اختراع صيغة أخرى لترتيب أوضاع الحكم هناك، حتى لو أدى ذلك إلى التقسيم وفرض نسخة سايكس بيكو ثانية لأرض الحجاز تحت المظلة الغربية.

 

وهذا ما يبرر حجم التوجس والقلق والرعب في القصر الملكي السعودي الذي يغص بالتناحر والتراشق وتوجيه الاتهامات بين الأمراء السعوديين النافذين وتحميل بعضهم البعض مسؤولية الانكسارات التي تعرضت لها السعودية، وتقلُّص نفوذها وسقوط هيبتها وتزعزع ثقة الغرب فيها، خاصة أن المعلومات تؤكد بأن هناك أمراء ساخطين جدا على حرب اليمن لأنها باتت عبثية واستنزافية، وهناك من لا يريدون دعم مصر/ السيسي، بل دعم الإخوان المسلمين، وهناك من يرى أن عهد سلمان هو أكبر كارثة على مستقبل العائلة، وأن الجو مشحون جدا ولا يمكن أن ينتهي دون انقلابات أو تصفيات.

 

ولقد ثبت اليوم أن المحاولات الرعناء التي قامت بها السعودية، سواء العدوان على اليمن أو محاولة إشعال حرب مع إيران أو التورط مباشرة في سورية؛ ما هي إلا محاولة يائسة لإقناع الأميركيين أنهم لايزالون بحاجة لخدماتهم.
وربما إذا أخذنا أجواء التوتر الداخلي، مع جو التصعيد الغربي المثير والعلني ضد الوهابية؛ فإننا نقترب من مرحلة ملامسة تغيير جوهري في أرض الجزيرة العربية يتم التحضير له لنشهده خلال الفترة القادمة.
بقي أن نقول أن النظام السعودي يحتضر على الرغم من عمليات الإنعاش التي يحاول البعض إجراءها، وأن على الذين لا يزالون يراهنون عليه أن يعترفوا بدورة الزمن وينجوا بأنفسهم قبل فوات الأوان، ويستسلموا لفصل جديد من التاريخ.. عنوانه: الحقبة النووية الإيرانية.

 

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى