سجن جوالمنامةحكايات الضحايا

عباس علي: سنوات من الاعتقال والمطاردة.. والعين شاهدة على الانتقام

12715407_1094935993870760_634383590019986983_n

 

البحرين اليوم – (خاص)

 

يبدو أنّ حكاية المعاناة مع عباس علي (25 عاما، بلدة الدير) لن تتوقف عند حدّ.

الشّاب الذي ظلّ مستهدفاً من أجهزة آل خليفة، لا تزال الأنباء مقطوعة عنه منذ اعتقاله في ذكرى الثورة الخامسة، قبل نحو 3 أيام، حيث تعرّض للملاحقة من القوات الخليفيّة إثر انتشارها العسكريّ في بلدة الدّير، وبالقرب من المأتم الشمالي.

كان المرتزقة جاهزين للانتقامِ من الشّاب الذي يُعدّ أحد “رجال الله المطاردين”.

انهالت القوات عليه بالضرب مباشرة، فيما شوهدت الدّماء “الغزيرة” وهي تعمّ المكان الذي اعتقل منه، حيث سالت الدّماء من وجهه بعد الاعتداء عليه، وتمّ سحبه إلى الشارع العام وهو يتقطّر دماً.

المشهد “الوحشي”، كما يصف شهود عيان، استدعى تدخّل عدد من النساء اللواتي كنّ حاضرات وقت الاعتقال. حاولن تخليص عبّاس من أيدي القتلة، إلا أنّ قوات آل خليفة بادرت إلى إطلاق الغازات السّامة باتجاه النسوة، كما لم يتوقف “إخوة” وزير الداخلية الخليفي راشد الخليفة (كما يصف الأخير قواته المرتزقة) عن استعمال “الألفاظ النابية” والخادشة للحياء في وجه النسوة. وهو الموقف “البغيض” ذاته الذي وُوجه به أهل عبّاس عندما ذهبوا للاستفسار عن مصيره في مركز سماهيج.

القلق كان يلفّ مشاعر الأهل والمواطنين، حيث جرى استدعاء سيارة الإسعاف بعد نصف ساعة من اعتقال عباس، وهو ما يدفع بالشك في تعرّضه لوضع صحي غير مطمئن بعد الاعتداء الذي تعرّض له فور الاعتقال، والذي وصفه البعض بأنه كان “تعذيباً ممنهجاً ميدانيا”.

الأخبار لا زالت منقطعة عن عباس. والمعلومات المتوافرة تفيد بأنّه يتواجد في المستشفى للعلاج من آثار التعذيب الذي عانى منه من قوات الخليفيين.
12745910_1094936013870758_2796576018416844980_n

عبّاس، المواطن الذي يحمل في سيرته “حياةً من المعاناة”، كان اعتقاله سبباً ل”انتعاش” القتلة في مركز شرطة سماهيج. ضبّاط المركز لم يُخفوا “الفرحة” بعد تأكّدهم من اعتقال الشّاب الذي لم يبخل طوال السنوات الماضية في نصرة قضيّة أهله وشعبه. كان اعتقاله بالنسبة للجلادين “نصرا مبيناً”، حتى قال أحد الضبابط: “أنا منْ قبضت على عباس القاطن في الدير”.

الأهالي والنشطاء حمّلوا النظام الخليفيّ مسؤولية سلامة عباس، وأكدوا بأن أيّ مكروه يتعرض له فإنّ الأجهزة الخليفية ورؤوسها هي منْ يتحمل المسؤولية “وتبعاتها”، مطالبين بالكشف عن مصيره.

يُشار إلى أن الشاب عبّاس تعرّض لمعاناة من المطاردة والتعذيب والحرمان من الموت، كما أنه فقد عينه بسبب الاعتداءات الخليفية.

وتمتد معاناة عباس إلى ما قبل ثورة 14 فبراير 2011، حيث اعتقل في أغسطس 2010، وظلّ في السجن إلى وقت اندلاع الثورة، وخسر خلال ذلك استكمال سنته الأخيرة في المرحلة الثانوية من الدراسة.

لم يتوقف الاستهداف، وتم اعتقاله في مارس 2011، لتبدأ رحلة أخرى من المعاناة، وهذه المرة ب”بشدة أقسى”، ليُصبح عباس فردا من الجمْع المظلوم الذين يُعانون المطاردة وظروفها القاسية.

تعرض منزله للمداهمة بحثاً عنه. عبث المرتزقة بالمنزل ومحتوياته، وسرقوا الأجهزة الإلكترونية، ووجهوا التهديد والوعيد له ولأهله.

12733610_1094936057204087_6881100543395972496_n

خلال أشهر المطاردة، تعرّض عباس لطلقة مباشرة في وجهه بمقذوف من الغازات السامة، وذلك أثناء هجوم للقوات الخليفية على إحدى التظاهرة الشعبية.

كانت ذلك في 8 سبتمبر 2011. وهو تاريخ محفور في وجه عباس، ورفاقه، وأهله. تعرّض لكسر مضاعف في الأنف بسبب الطلقة. وفقد العين اليمنى، مع تضرّر عينه اليسرى.

رغم الإصابة “المروعة”، إلا أن طبيب مستشفى البحرين الدولي رفض علاجه. كان هناك تعميم على جميع المستشفيات في البلاد بعدم استقبال جرحى الثورة، وحظر تقديم العلاج لهم.

بطرق مختلفة، ورغم “التشديد الأمني” آنذاك، خضع عباس لعملية في الأنف، وعمليتين في عينه. كان تقرير الأطباء يؤكد بأنّ علاجه غير مُتاح هنا، وأنه يجب عليه أن يُسافر إلى الخارج لاستكمال العلاج.

كان ذلك يعني أن يبقى عباس مُحاصراً بين المعاناة، وفي غرف العمليات، ولمدة شهرين، وحين تقرّر إرساله للعلاج في الخارج، اعتقل وهو مصاب في عينيه في 16 ديسمبر 2011، وأُبقي في السجن مدة 6 أشهر، وبلا علاج. وخلال هذا السجن، فقد عباس عينه اليمنى.

الجلاد يوسف ملا بخيت، هو المسؤول “الميداني” عن جريمة الاعتداء على عباس. وبسببه “المباشر” تعرض عباس للضرب على وجهه فور اعتقاله.

محمد المناعي، جلاد آخر يحضر في قصة عباس. المناعي خاطب عباس “لا زلت ترى من عينك. حسناً سأجعلك لا ترى منها”. تهديد وانتقام تناسل من أفواه جلاديين آخرين، ومنهم عيسى السليطي، ما ينبيء ب”الاستهداف الأسود” الذي كان يكنّه هؤلاء للشاب البحراني.

12745466_1094936050537421_8853837200651653022_n

في يونيو 2012 أنهى عباس محكوميته. ولكن سارعت السلطات لتلفيق تهمة أخرى ضده. بعد أسبوع، فلت عباس من القضية الكيدية الجديدة، ووجدها فرصة للعلاج، حيث سافر إلى إيران. من المؤسف أنّ الوقت كان متأخراً جدا. لا مجال لعلاج عينه الآن.

لم يسقط عباس ضحية لليأس. ورغم كلّ هذه المعاناة، انتظم مجددا في مقاعد الدراسة في العام 2013، إلا أن عين القتلة كانت تراقبه دوماً، وتم استهدافه مرة أخرى في أبريل 2013، حيث اختطف على أيدي ميليشيات خليفية مسلحة، واقتيد إلى مبنى التحقيقات الجنائية، سيء الذكر، وبقي هناك عدة أيام.

تعذيب متواصل تعرض له عباس. وظل معتقلا 5 أشهر. أُفرج عنه بعدها، ولكنه سرعان ما يُستهدف مرة أخرى، ويُعتقل في أواخر عام 2014م.

أجهزة آل خليفة تتداول اسمه مرارا. اضطر نتيجة ذلك أن يعيش مطارداً. داهمت القوات منزله في نوفمبر 2015 بحثاً عنه. داهموا منازل أخرى، وكانوا يسألون عنه دوماً. زرعوا المخبرين والعملاء في البلدة لتتبع آثاره، والإيقاع به، وبوسائل متنوعة.. إلى أن اعتقل في ذكرى ثورة 14 فبراير، مضرجاً بالدم، ومحفوفاً بالقلق على حياته.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى