مقابلات

الباحثة الإيرانية فرح أنصاري لـ(البحرين اليوم): الوعي وإدارة الخلافات عنوان نجاح المعارضة البحرانية.. والحرب الناعمة هي الخطر المقبل (٢-٢)

 

 البحرين اليوم – (خاص)

في الجزء من المقابلة مع الباحثة الإيرانية فرح أنصاري ترصد ثلاثة عوامل تجعل المتلقي الخليجي، في العمق، غير مهيأ للتعاطي الإيجابي مع السياسة السعودية المتنمرة في المنطقة. ومن ذلك، تذهب إلى أن الملف البحراني سيكون خاضعا لمدى القدرة على فهم المتغيرات على الأرض، ودعت أنصاري المعارضة البحرانية، في الداخل والخارج، لتثبيت معادلة تقوم على بناء جيل واع، وإدارة الاختلاف الداخلي، وهي تحذّر بأن “تشتيت المعارضة” يمثل واحدة من أهم الآليات سيعمل النظام على تحريكها ضمن ما تصفه بـ”الحرب الناعمة”.

تذهب أنصاري إلى أن “خطر الاختراق” سيكون علامة المرحلة المقبلة للتحديات والمخاطر في المنطقة، وبعد انجلاء أجزاء واسعة من أخطار العنف والإرهاب الداعشي.

فيما يلي نص الجزء الثاني من المقابلة:

* كيف تقرأين تلقي الخليجيين للسياسة السعودية؟ هل الفشل الذريع الذي يجابه السياسة السعودية غير من قناعة المتلقي الخليجي في نظرته لسياسة الرياض؟

 – يخضع تقييم السياسة السعودية من قبل المواطن الخليجي إلى ثلاثة أمور. الأمر الأول يخصّ السياسة السعودية الخارجية ومدى إسهامها في استقرار المنطقة العربية والإسلامية. حيث يجد المواطن الخليجي أن السياسة السعودية للأسف كانت عامل خلق مشاكل وتوترات في المنطقه (العراق، البحرين، سوريا، لبنان، مصر  واليمين)، وعملت على تفتيت الدول وتهييج النزعة الطائفيه، ما أنتج شقوقا في جسد شعوب المنطقة، كما في الشعب السوري واليمني والعراقي. كما أن السياسة السعودية واضحة ارتهانها وبكل سفور بيد الأمريكي.

والأمر الثاني يتعلق بمستوى الخليج. فالمواطن فَقدَ الثقة بدور السعودية الأبوي في المنطقة، وصارت الرياض طرفا ضد الشعوب، كما في القضية البحرانية واليمينيه، وكلا الشعبين لهما عمق واضح في نسيج منطقة الخليج.  والأمر الثالث يتصل بالداخل، حيث لا يزال نظام الرياض العشائري تتقاذفه الصراعات داخل الأسرة الحاكمة، وهو بعيد كل البعد عن الحياة الدستورية البرلمانية، كما أن النظام السعودي فشل في إجراء أي تنمية سياسية لشعبة، واكتفى بخطوات هامشيه ذات بعد إعلامي.

ولو جمعنا هذا النقاط الثلاث من وجهة نظر أي مواطن خليجي؛ فإن إقناعة بفعالية وكفاءة السياسة السعودية أمر صعب.

web1_2011212

الحراك الشعبي تحلى بحكمة عالية 

* في هذا السياق، كيف تنظرين إلى مسار الملف البحراني؟ 

 – المتابع للقضية البحرانية يجد أن السعودية عمدت إلى تشويه مطالب الشعب البحراني وتحويلها من مطالب إصلاح عادلة إلى مطالب طائفية مزعومة، وهو أمر يتناسب مع الإستراتيجيه التي تبنتها السعودية إبان الربيع العربي. وهذا التهويل والتصعيد الإعلامي رغم (سلمية الحراك) كان تبريرا لإرسال قوات مشتركة إلى البحرين مع زيادة في استفزاز الشعب وكشف قدراته وقياداته المحرِّكة، مما أدى إلى اعتقتال العديد منهم، وفرض الإقامة الجبرية على عدد آخر، وما بينهما سقط العديد من الشهداء الأبرياء.

ورغم هذا الاستفزاز المستمر والدماء التي تسيل؛ نجد أن قادة الحراك الشعبي في البحرين يتحلون بحكمة عالية وإدارة عاقله للأمور.

* وفي ظل التحولات السعودية الداخلية المتسارعة، هل ملف البحرين في اتجاه الحلحلة برأيك، أم أن على البحرانيين مواصلة مقاومة النظام فترة أطول أيضا؟

– إنّ تبدل الدور السعودي وتبنيه إستراتيجية أخرى في المنطقة؛ سيكون له تأثير مباشر على القضية البحرأنيه. إني أتوقع أن تقوم السعودية عن طريق نظام آل خليفة؛ بفرض نوع من المصالحة بنفس الطريقة التي فرضت فيه الصدام، حينها يكون دور الشعب البحراني (ومعارضته) وتلقيه للأحداث؛ خاضعا لتبدل الإستراتيجيات في المنطقه، وهذا قطعا ليس من مصلحته. وهنا يكمن دور المعارضة البحرانية في قراءة الواقع المحلي وفق ما يجري للمنطقه. إذ يقع على عاتق المعارضة دور كبير في مدى قدرتها على عرقلة الأمر الواقع الذي سيُفرض عليها من قِبل نظام آل خليفة. وهنا تكون المقاومة إحدى أساليب الرفض، خصوصا أن الفتره القادمة ستشهد “حربا ناعمة” وتطبيعا تكون ساحته جماهير البحرانيين. واعتقادي أن النظام سوف لن يتوانى في تشتيت المعارضه، وفتح خطوط مع بعض الشخصيات القلقة تحت مسعى التهدئة والتطبيع، وهذا من وجهة نظري أكبر المشاكل التي ستواجهها المعارضة البحرانية في الفترة المقبلة.

139505041556023228212674

معادلة البحرين المطلوبة: الوعي وإدارة اختلاف المعارضة 

* بناءا على هذه الرؤية، ما المعادلة الداخلية للبحرين التي ترين أن ضبطها من قِبل المعارضة؛ فسوف تقلب الطاولة على الجبروت السعودي في البحرين؟

– تحقّق السعودية تقدّما على الشعب البحراني من خلال  القتل والسجن والتهجير والتجنيس تارة، وتارة أخرى من خلال حرب ناعمة وتغير ديموغرافي وخدش النسيج الاجتماعي وتشويه الموروث الديني والثقافي للشعب. فضلا عن المحاولة المستمرة لتقديم نُسخ ثقافية موازية لحرف أبناء هذا الشعب وتشتيتهم وتذويبهم وليكون قضمهم أمرا سهلا. ونوعية النهج المضاد الذي يستهدف الشعب البحراني يتبدل بتبدل الإستراتيجيه السعودية.

 إن المعارضة الداخلية في البحرين أمامها مهمتان كبيرتان تحتاج إنجازها لتمرير هذه الفترة، ولكي تكون هي الطرف الأقوى في الصراع. المهمة الأولى هي خلق تنمية ثقافية لأبناء الشعب البحراني. تنمية تشمل الجميع، وتستهدف خلق جيل واع يدرك محيطه والمخاطر المحيطة به ويجيد قراءة خطوات قياداته. أما الأمر الآخر فهو تقديم نموذج إدارة الخلافات داخل المعارضه. فالنظام السعودي (وآل خليفة) في سعي مستمر لتشتيت المعارضة الداخلية والخارجية معا، لذلك من المهم إيجاد طريقة يُحفظ فيها جهود المعارضة ويركز على وحدتها في هذه المرحلة بالذات، بانتظار تغيير إقليمي ودولي قادم يجعل المعارضة البحرانية هي صاحبة المبادرة في الصراع مع النظام وداعمه الإقليمي السعودي.

 

* في ختام هذا المقابلة، نود أن نسأل عن خطوط الأزمات المقبلة في المنطقة، وخاصة بعد “داعش”. ولنتوقف مثلا عند ملف “الأكراد” التي جرى تحريكه بشكل مفاجيء ومريب. 

– برزت القضية الكردية على أنها قضية رئيسية في الأشهر الماضية مع تراجع “داعش”. اذ استطاعت قوات سوريا الديموقراطية الكردية الانتشار جنوبا لتفرض نفسها نداً مقابل الدولة السورية. أما في العراق؛ فكان الوضع الكردي إلى لحظة الاستفتاء يعيش حالة من التعملق. إلا أن الاحداث السريعة التي حصلت في كركوك والمناطق المتنازعة عليها في العراق؛ جعلت المراقب يشك بقدرة الأطراف الكرديه على فرض إرادة أو هيمنة معينة على المنطقه أو حتى تهديدها. فالمتابع السياسي يعلم أن الحياد الأمريكي في قضية كركوك؛ تم فهمه في ضوء الإستراتيجية الأمريكية الجديدة التي تطرقنا لها في سياق هذه المقابلة، حيث لم تدعم الولايات المتحده الأكراد عسكريا. ويأتي تحرك الحكومة العراقيه في ضوء هذا الموقف الذي فهمته حتى طهران وأنقرة. كما أن اتصال الملك السعودي برئيس الوزراء العراقي ودعوته  للسعوديه وفتح  خطوط الطيران بين بغداد والرياض، بل وحتى بين المنطقة الشرقية والنجف الأشرف. كل هذه إشارات قرأتها السعودية عن تخلي أمريكا عن دعم مسعود البرزاني.

 أما على الطرف السوري، فجيش سوريا الديموقراطية ورغم تبشيره بتحرير الرقة ووصوله إلى دير الزور، لكن الصدام معه مؤجل هذه الفترة، لكنه غير مستبعد خلال الأشهر القادمة، وسيعيش تحت ضغط كبير، وربما تحجيمه يكون بداية عودة العلاقات السورية التركية في المنطقة.

من هنا أنا لا أعتقد أن الأكراد هم بديل “داعش” في تهديد المنطقه، فلا المرحله ولا المواقف الدولية تؤهلهم لشغل هذا الدور.

qqq

خطر الاختراق والتطبيع المقبل 

* أيّة علامة ترسمينها للمرحلة المقبلة؟ هل نحن مقبلون على التفجير العنفي؟ أيّ طابع سيغلب على الوضع العام في الخليج والمنطقة؟

– هذه المرحله ليس بالضرورة يكون العنف علامتها الفارقة. بل سيكون للسياسة الناعمة دور كبير. فإسرائيل الباحثة عن تطبيع اقتصادي وهيمنة على المنطقة؛ تجد في السعودية والإمارات أفضلَ الدول وأسهل الدول لتحقيق تطبيع شامل في المنطقه بعد فترة حروب طويلة، وللسنوات العشر الأخيرة. وهذه المصالحات كانت أولها في الأراضي المحتلة. وأتوقع أن تكون متبوعه بصلح سعودي إماراتي – إسرائيلي. على الطرف الآخر، تواصل السعودية مشروعها في خرق الساحات المحسوبة على محور إيران، من خلال محاولتها تحييد الشيعة في العراق، وفتح علاقات تجارية ومالية معهم، مع محاولة استمالة عدد من القاده السياسيين الشيعة من أجل تفتيت تحالفات إيران، ولو بالطرق الناعمة.

والغريب هذه المرة أن سياسة التطبيع التي تريد السعوديه تبنيها نيابةً عن إسرائيل، وأخذ دور في المنطقة؛ هي من دون مقابل، بل إن السعودية تدفع ثمنها. فالأردن ومصر كانتا تمارسا التطبيع على مستوى الحكومات، لكن مقابل مساعدات عسكرية ومالية. إلا إن السعوديه تتبنى هذا المشروع على نفقاتها الخاصة، وربما جاء توقيع اتفاق جزيرة تيران وصنافير ليكون مبررا لبداية تطبيع رسمي. لهذا، أعتقد شخصيا أن الأزمة التي سنعاني منها هي “أزمة الاختراقات” بعد فترة مرحلة العنف. أزمة السعي إلى تغيير نوعيه التشيع والتسنن في المنطقه. فمن وجهة نظري، إن السعوديه ستعمل على إيجاد نموذج تشيّع فارغ مقابل التشيع الرسالي. أما دور الكرد و”داعش” وغير ذلك.. فسيكون هامشيا.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى