الخليجتقارير

بعد أسبوع من زيارة سرية لصهر ترامب إلى السعودية.. محمد بن سلمان في فوضاه الجديدة

 

البحرين اليوم – (خاص)

في ليلة غير عادية من ليالي السعودية وأيامها، أُعلن مساء السبت ٤ نوفمبر ٢٠١٧م اعتقال وتوقيف مجموعة من الأمراء الأثرياء والوزراء الحاليين والسابقين وكبار المسؤولين والتجار بتهم “الفساد”، وذلك بعد ساعات من إعلان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته من منصبه من مكان مجهول في العاصمة السعودية الرياض، وكرّر في خطاب الاستقالة الهجوم على إيران وحزب الله. وقد فاجأت خطوة الاستقالة من الرياض عددا من السياسيين اللبنانيين والمراقبين الذين أشاروا إلى “أجواء إيجابية” كان يشيعها الحريري نفسه قبل أيام لجهة أعمال الحكومة والوضع اللبناني العام، إلا أن مراقبين يقولون إن زيارة سرية لمسؤولين أمريكيين إلى الرياض، قبل أكثر من أسبوع، ربما تكون قد وضعت الخيوط الأساسية لما يفضّل البعض وصفه بـ”فوضويات محمد بن سلمان”.

وفي الوقت الذي يتحدث سياسيون لبنانيون عن “جنون سعودي” غير مفهوم؛ فإن البعض يرجح أن الحريري خضع لابتزاز “واسع” من آل سعود لإجباره على الاستقالة بعد أن تم إخضاعه لأجواء أشبه ما تكون بالاحتجاز أو الإقامة الجبرية، وذلك من البوابة “الجديدة” التي اعتمدها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في سعيه المحموم لإحكام السيطرة على البلاد، وهي بوابة “محاربة الفساد” والتي أطاح من خلالها بأشهر المليارديرات في السعودية، ومنهم الوليد بن طلال، وليد إبراهيم، صالح كامل، بكر بن لادن، وغيرهم، إضافة إلى إقالة وزير الحرس الوطني متعب بن عبدالله ووزير الاقتصاد عادل فقيه، فضلا عن أنباء بشأن اعتقال أمير منطقة الرياض تركي بن عبدالله ووزير الديوان الملكي السابق خالد التويجري وآخرين.

وفي وسط هذه الفوضى، جاء الصاروخ الباليستي اليمني مساء أمس ليزيد من اختلاط الأوراق المختلطة أصلا في البلاد، حيث أقرت السعودية أن صاروخا باليستيا أُطلق من اليمن وصل العاصمة الرياض وسقط قرب مطار الملك خالد وهو الهدف الذي أعلنت عنه القوات الشعبية اليمنية والجيش اليمني وقالت بأن صاروخ بركان ٢ تم إطلاقه على المطار الدولي المذكور ووصل إلى هدفه بدقة. وقد نقل شهود عيان لوكالة رويترز سماع دوي “انفجار هائل” مساء السبت تبعها أصوات تفجيرات متتالية.

وشكل ملف الحرب على اليمن واحدا من الملفات المتقاطعة (الفوضوية) في حكاية صعود ابن سلمان الذي ارتبط مباشرة بالعدوان على اليمن من موقعه وزيرا للدفاع، فيما يشير محللون إلى أن الطريقة المعتادة في السعودية، منذ زمن، تتخلص في “إثارة قضايا خارجية من أجل إعادة ترتيب أوضاع محلية”، وفي هذا السياق يقول الباحث السياسي حمزة الحسن إن إثارة الأزمة الخليجية مع قطر، في يونيو الماضي، تلاقت مع إزاحة ولي العهد السابق محمد بن نايف وحجزه في قصره، كما يؤكد الحسن بأن إعلان استقالة الحريري من الرياض، وعلى النحو الهجومي الذي برز به، كان إشعالا لأزمة مع لبنان من أجل “تمرير” إقالة وزير الحرس متعب بن عبدالله، وهي الخطوة التي أتاحت لمحمد بن سلمان إحكام القبضة على المؤسسات الأمنية الثلاث في السعودية، والتي كانت تتوزع على أفرع مختلفة من آل سعود. ويعلق الحسن على ذلك بالقول إن ابن سلمان أصبح يملك سلطات لم يسبقه إليها ملك سعودي من قبل، إلا ابن سعود!

وبمعزل عن الديباجات الظاهرية، يلخص الحسن رؤيته لما حصل في السعودية أمس بالقول “البلد لم يتغير فيها شيء: بدلا من ألف مفسد، يكون فيها مفسد واحد كبير هو محمد بن سلمان”، في إشارة إلى إعلان الأخير تشكيل لجنة عليا لمحاكمة الفساد برئاسة ابن سلمان نفسه، والتي أعقبها بساعات احتجاز ١١ أميرا وعشرات الوزراء السابقين وأربعة وزراء حاليين بحسب قناة “العربية”.

ويستعبد مراقبون أن يكون ما جرى من تخطيط ابن سلمان شخصياً، سواء لحداثة سنه وعدم خبرته الكافية في بناء هذه السيناريوهات المركبة، أم لكونه غير قادر على إحداث هذه المعركة المفتوحة (والفوضوية) لوحده، كما أن ذلك مستبعد أن يكون محض مخطط داخلي من فريق ابن سلمان غير المعروف. وفي المقابل، فالبعض يؤكد أن الأمريكيين يقفون في صلب التطورات الدراماتيكية الجديدة التي عاشتها السعودية يوم أمس، وقبل ذلك، مشيرين إلى زيارة غير معلنة قام بها مسؤولون أمريكيون إلى الرياض الأسبوع الماضي، وبينهم صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، جاريد كوشنر الذي تربطه علاقة “خاصة” مع ابن سلمان، إضافة إلى “كبار مستشاري البيت الأبيض”.

وفي حين ذكر تقرير لوكالة فرانس برس بأن “الزيارة السرية” تناولت موضوع “السلام في الشرق الأوسط”، إلا أن متابعين للوضع الداخلي يضعون هذه الزيارة في السياق نفسه لما جرى أمس في السعودية، بما في ذلك واجهة الأحداث “المفبركة” التي بدأت بإعلان الحريري استقالته.

 

 

إضافة إلى الاقتصاد والاستعداد الأمريكي لتوزيع كعكة “أرامكو”، والهيمنة على مفاصل “مملكة النفط”، والتي تتطلب إزاحات “جذرية” لرجال الأعمال المنافسين ولرجال الدين المتشددين؛ فإن الاعتبارات السياسية المقبلة للمشروع الأمريكي في المنطقة؛ تقتضي تعميق “الفوضى” الداخلية في السعودية، وجرها – وفق الرغبة الأمريكية تحديدا – إلى إحداث فوضويات متتالية في الجوار، وفي الدول التي لا تزال تحتفظ فيها بنفوذها وبمرتزقتها المخلصين للأموال. يحدث ذلك باتجاه إيران ولبنان بطريقة العداء المفتوح، ويحدث في بلدان أخرى بطرق أخرى قد يكون ظاهرها سلام و”مجلس تنسيقي مشترك”، ولكن في باطنها العذاب والفتن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى