المنامةتقاريرما وراء الخبر

متابعات: كيري و”الوفاق”.. لكي لا نظلم أنفسنا مرتين

Cfc-UtfUMAMAbp8

 

البحرين اليوم – (خاص)

 

متابعات

ما وراء الخبر

 

خلال مشاركته في اجتماع البرلمانات العربيّة بالقاهرة، يوم أمس الأحد 10 أبريل، قال رئيس مجلس النواب اللبنانيّ، نبيه بري، بأنّ الظروف باتت ملحّة لحصول “مصالحة وتقارب سعودي إيراني”، يُفضي إلى حلول في “سوريا، والبحرين.. وغيرها”.

ربّما هي من المرّات القلائل التي يتحدّث فيها بري عن البحرين، وخاصة بعد اشتداد التأزم الإقليمي. وكان من اللافت أن بري قدّم ذكر البحرين على أي بلدٍ آخر، وبعد سوريا مباشرة.

لا تخرج الكلمات من بري من غير حساب موزون، ولعل وجوده في القاهرة، وبالتزامن مع زيارة الملك السعودي سلمان الأخيرة؛ له اعتبار كبير في ذلك، وكأنه أراد أن يُسجّل موقفاً، وبشكل أقلّ من درجة “إرسال رسالة رمزية” تتعلق بمناطق الاشتباك التي يتورّط فيها آل سعود.

بمعزل عن جدية “الكبار” في رسْم مخارج الأزمات الكبرى في المنطقة، فإنّه يتأكد كلّ يوم بأنه ليس متاحاً لأي “كبير” أن يتجاهل البحرين، في السر أو العلن.

الذين كانوا يتجاوزون ذكر البحرين، وهم يعدّدون أزمات المنطقة، يتفاجأون بأصوات البحرانيين وأنصارهم؛ وهي تخترق جدرانهم، وبلدانهم، وإعلامهم.

الذين يواصلون تجاهل البحرين، أو يتعمدون إخراجها من قائمة “الثورات العربية”؛ يضعون حول أنفسهم علامات استفهام وعارٍ كبيرة، وبمعزل عن مكانتهم أو الحظوة الإعلامية أو الأكاديمية التي تحيط بهم.

مجلة “سياسات عربية”، التي يصدرها المركز العربي للأبحاث (التابع لعزمي بشارة)، وفي عدده الأخير الخاص بالثورات العربية، اجتهد بكل الطرق من أجل إسقاط ذكْر البحرين أو التعرُّض لدراسة نموذجها ضمن الدراسات البحثية التي نُشرت في الدورية التي تقدّم نفسها على أنها “محكمة”.

إخفاءٌ يعكس رغبة الأنظمة الخليجية في إبقاء ثورة اللؤلؤة “تحت الظلام”، ولكي لا يسمع أحد صراخها المستمر منذ أكثر من 5 سنوات.

يفضّل ساسة كثيرون تأجيل الحديث عن ملف البحرين لحين إنضاج بقية الملفات. وهو تأجيل يُفسَّر عادةً بأن ثورة البحرين لا “تمثل إزعاجاً” كبيراً للدول الحليفة، وبالتالي فإن “تهديدها أقل، وقابل للتجاهل، وإلى حين”.

في الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري للبحرين، كان ثمة توقع بأن تنتهي الزيارة بإعلان “مهم”، يتعلق ب”حلّ الأزمة”. ولكن كيري غادر البلاد، ولم يوفِّ آل خليفة بأبسط ما قالوه أمام كيري، وهو الإفراج عن الحقوقية زينب الخواجة.

حلّ كيري لأجل وضْع ترتيبات زيارة أوباما المتوقعة بعد نحو أسبوعين إلى الرياض، حيث يعقد “قمةً مع زعماء دول الخليج”. وكان “الجدول المحلي” عارضاً على زيارة كيري.

الزيارة، كما قيل، اشتملت على لقاءٍ مع وجوه من الجمعيات المعارضة. المصادر الأمريكية أعلنت عن ذلك، دون تفاصيل. والمعارضة لم تعلن عن ذلك، لا جملةً ولا تفصيلاً.

سرعان ما انشغلت أوساط في البحرين باللقاء “غير المعلن”، والذي لا يُعرَف شيء عن محتواه، أو مؤدّاه. وكان الصحافي البحراني عباس بوصفوان “ضحية” لمشاحنات ما كان يمكن أن تقع لو أنّ أحد المعنيين بالمعارضة خرج وصرّح بكلامٍ يُنهي “الغموض” الذي يُحيط أصل الموضوع.

الجمعيات السياسيّة المعارضة، وعلى رأسها الوفاق، لم تغيّر وجهتها، ولا وجهها، على الأقل كما يعبّر عنها اليوم القيادي في الجمعية خليل المرزوق. فالأمريكان، والبريطانيون طبعاً، يمكن الجلوس معهم، ولا غضاضة في ذلك أو خجل، وبمعزل عن مواقفهم وأهداف سياستهم، وأيا يكن ما يريدون قوله، أو فعله. الوفاقُ أيضاً – وبحسب الطبعة الرسمية التي يعبّر عنها المرزوق – لا تزال ترى في الحاكم الخليفي حمد عيسى الخليفة “جهةً” يمكن أن يُخاطبها المرء ب”كلّ المحبة”. أما السعودية، التي يراها البحرانيون “دولة احتلال”، فهي “شقيقة”، وتشقّ طريقَها نحو الإصلاح والتقدّم، وهي بدأت الخطوة الأولى بالسماح للمرأة بالمشاركة في الانتخابات البلدية، وعلى حكّام البحرين أن يعتبروا بها.

هذه هي الوفاق، ولا ملامة عليها، ولا غشاوة فيها. هي تعبّر عن نفسها بوضوح متى تشاء، وتلوذ بالغموض متى تشاء. وعلى الجميع أن يتابع، ويعلّق بما يشاء.

انشغل الناسُ بالوفاق، كما اشتغلوا في/ على تحليل تناقضاتها، وفكّ شفراتها. والنتيجة هي ذاتها: الوفاق لم تتغير، وهي قادرة على أن تفعل الشيء ونقيضه، أو الشيء ثمّ نقيضه، ولن تجد في ذلك صعوبةً في التبرير والتنظير، أو في الإسناد الشرعي.

لقد انشطرَ الناس، وشطّروا أنفسهم. والوفاقُ لا تجد نفسَها معنية بأي تشطير تتعرض له، أو تتسبّب به. هي غير قادرة على إرضاء الناس والسلطة على حدّ سواء، وهي لا تملك الموهبة لكي تنافق هذا الطرف على حساب طرف آخر. هي لا يمكن أن تعتبر منْ تصفه ب”المتشدد” شريكاً، أو رفيقاً معها في السياسة وفي المطالب، ولكنها لا يمكن أن تُشْرِك به يوم يلتقيان داخل زنزانة واحدة.

واقعيةُ الوفاق اليوم، غير واقعيتها بالأمس. واقعيّة المرزوق، غير واقعية الشيخ علي سلمان. الأخير ليس مخالفاً للأول، ولكنه – بالتأكيد – لا يُشبهه، ولا يحذو حذوه. الأول واقعيّ مثل علم الحاسوب الذي يعرفه جيداً. والآخر، واقعيّ مثل حرارة الطقس أو برودته. هذه هي الوفاق، كانت كذلك، وهي لا تزال كذلك، وعلى الناس، والنشطاء، والمعارضين المخالفين لها، أن يعرفوا ذلك، ويتعاملوا معها على أنها كذلك، وألا يحمّلوها فوق ما تحتمل، وأن يحتملوا فيها ما يُحتمل. ولكي لا نظلم أنفسنا مرتين!

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى