ما وراء الخبر

الحقيقة: خطاب الأستاذ حسن مشيمع في عام ٢٠٠٩ أدخله السجن.. وغيره جالس خليفة الركبة بالركبة

البحرين اليوم – متابعات
نفى ناشطون “مصداقية” ما تم نشره مؤخرا بخصوص “تراجع” الأستاذ حسن مشيمع، المحكوم حاليا بالسجن المؤبد، وابتعاده عن مواقفه المعروفة وذلك خلال خطاب له في العام ٢٠٠٩م بحسب ما زعم تقرير للسفارة الأمريكية وقام موقع ويكيليكس بتسريبه، وهو التقرير الذي عمدت بعض المواقع إلى نشره بصياغة اعتبرها البعض “مسيئة” للرموز وبقصد القيام بـ”إثارة إعلامية غير منتجة”، بحسب تعبير أحد النشطاء.

مصادر مطلعة أكدت لـ(البحرين اليوم) أن هناك “تلبيسا مزدوجا” تم في التقرير المذكور وفي الخبر الذي نشره موقع إلكتروني معروف، وخاصة لجهة الإيحاء “المريب” بأن الأستاذ مشيمع، الأمين العام لحركة (حق)، اتجه في تلك الفترة إلى خطاب “معتدل” و”منضبط”، وفق تعبير البرقية المسرّبة، وأنه أبدى “احتراما” للحاكم الخليفي، حمد عيسى، حسب التظهير التحريري المتعمَّد الذي عمد إليه الموقع المُشار إليه، حيث كان الحرص على الانسجام الإيجابي مع ما ورد في برقية السفارة على الرغم من أن المعطيات المحيطة بخطبة الأستاذ المعنيّة بالبرقية؛ تنفي “جملة وتفصيلا” ما ورد في التقرير الأمريكي وتدحض ما جاء في “الحواشي الضمنية” لصياغة الخبر الذي ترجم برقية “ويكيليكس”.
منْ جالس خليفة “الركبة بالركبة”؟
هل كان الأستاذ مشيمع في شهر محرم من العام ٢٠٠٩م أكثر “ودا” وتقاربا للحاكم الخليفي؟ ما الذي كان يُراد تسويقه عن الأستاذ مشيمع عبر الزعم المبرمج من أنه تحاشى في خطبته خليفة سلمان، رئيس الحكومة الخليفية وتجنب الهجوم عليه – وفق الترجمة المنشورة للبرقية، ومنْ هم – في الحقيقة – الذين هرولوا إلى خليفة حينئذ وجالسوه “الركبة بالركبة”؟!

بالعودة إلى الأرشيف، ألقى الأستاذ مشيمع خطبة في ٢٣ يناير ٢٠٠٩م، أي خلال ذكرى عاشوراء من ذلك العام (كان ذلك اليوم يُصادف ١٤ محرم الحرام). كانت خطبته في جامع الإمام الصادق بالقفول، حيث كان يصلي فيه أسبوعيا ويلقي خطابا بعد الصلاة. الخطبة كانت بعد نحو ٣ أسابيع من الحصار الذي فُرض على الجامع لمنع إقامة الصلاة بإمامة الأستاذ مشيمع، حيث حوصر الجامع والمنطقة المحيطة به لمنعه والمصلين من التوافد إلى الجامع، وقد جرى ذلك وسط “صمت” عام يصفه ناشطون ب”المعيب” ويشابه بينه وبين الصمت الذي يخيّم على البعض اليوم إزاء استهداف آية الله الشيخ عيسى قاسم.

هذا السياق “الأمني” الذي أحاط الأستاذ مشيمع لم يشر إليه تقرير السفارة الأمريكية، وكان تغييبه من قراءة التقرير وترجمان البرقية المسرَّبة يمثل “تعمية” على الظرف الموضوعي للأحداث في تلك الفترة، والذي يكفي لتكذيب أصل ما ورد في التقرير ويفند محتوى التساؤلات “المسمّمة” التي تسأل عن إمكان أن يكون “الخطاب السياسي لحركة حق مرناً” وقريبا من الجماعات السياسية الأخرى التي اختارت “التفاوض” مع النظام في تلك المرحلة، وهي أسئلة تم بناؤها وفق “كذبة” كاملة وتزوير واضح للموقف السياسي الذي ظهر به الأستاذ مشيمع في ذلك الوقت، إضافة إلى استنادها على تزوير للوقائع والأحداث الجارية حينها.
فماذا تقول الوقائع؟ في خطبة الأستاذ مشيمع لم يكن هناك أي لون للتراجع أو “الميل” لآل خليفة. علت الخطبة النبرةُ القوية التي عُرف بها الرّجل الذي يصفه الناس بـ”أسد الممانعة”، وهو الرجل الذي خرج من (الوفاق) ليتنبأ باكرا بالثورة التي تغلي في عروق الناس. وفي الوقت الذي تحدث في الخطاب عن الدعوة لفتح صفحة جديدة مع شعب البحرين على قاعدة إطلاق سراح المعتقلين؛ إلا أن الأستاذ قال بوضوح بأنه في حال لم ينتهز النظام هذه الفرصة؛ فإن “صبر الشعب سوف ينفذ، وأنه سينفجر، ولن يستسلم للقوة والقمع”.

الجزء الآخر الذي جرى “إخفاؤه” من خطاب الأستاذ مشيمع في تلك الفترة؛ هو الجانب المتعلق بموضوع “التجنيس” والذي تحدث عنه أيضا تقرير السفارة الأمريكية. فحين العودة إلى الأرشيف، يتبين أن الأستاذ – الذي كان أحد أوائل المتصدين لهذا الملف – شدد من جديد على خطورة التجنيس على البحرين وأهلها، ودعا للتصدي له من “السنة والشيعة” وذلك خلافا للإيحاء “التخويفي” لتقرير السفارة الذي أراد تمرير الكذبة الخليفية من أن إثارة ملف التجنيس يستهدف إزعاج أهل السنة في البحرين.
الجزء الغائب من فقرة “التجنيس” في خطاب مشيمع
ولكن السؤال المهم هو: لماذا تطرق الأستاذ مشيمع في خطابه ذاك لموضوع التجنيس؟ الخطاب تضمن الجواب الذي عمِد البعض لطمسه لغايات سرعان ما انكشفت بعد التطورات الدراماتيكية التي حصلت بعد انتهاء الأستاذ من خطابه. الخطاب أشار إلى دعوة الجمعيات السياسية – ولأول مرة – للمشاركة في مسيرة مناهضة للتجنيس، وعلق الأستاذ مشيمع على ذلك بأنه “سواء دُعينا للمشاركة في هذه المسيرة أم لا؛ فنحن سنشارك فيها، طالما أنها في مصلحة الوطن”، ودعا إلى “الوحدة في الموقف (السياسي)” من أجل أن تكون “الجبهة أقوى في الدفاع عن الوطن”.

إذن، لم يتراجع الأستاذ عن رؤيته التي تحذّر من ثورة وشيكة في حال لم “ينتهز” النظام الفرصة ويبادر للرضوخ إلى الشعب ومطالبه. كما أن “الخطاب التفاوضي” الذي ظهر في الخطاب السياسي لحركة حق لم يكن في اتجاه الإقرار بالأمر الواقع والاستسلام للنظام، بل كان تفاوضا وتسالماً مع “الجمعيات السياسية” ودعوة لها من أجل الاتفاق في النقاط المشتركة.

أما زعم التقرير الأمريكي باحترام “الملك” وعدم انتقاده لخليفة؛ فهو جزء من تشكيلة “الكذبة” التي تكالبت على الأستاذ مشيمع وحركة (حق)، ليس من جانب الخليفيين فحسب، بل من سياسيين وصحافيين لم يكفّوا عن نعت الأستاذ ب”المتشدد” و”المتطرف” و”تمويل المخربين”. وهي مفردات شاعت في أوساط بعض “رفاق الدرب” الذين حشّدوا ضد الأستاذ وحركة (حق) طويلا وأفشلوا مساعي “لجنة التنسيق والتفاهم” التي تشكلت بين الحركة وجمعية (الوفاق) وقتئذ.
اعتقال الأستاذ مشيمع بعد ٣ أيام من خطابه
ولكن ماذا حدث بعد خطاب الأستاذ مشيمع؟ بعد ٣ أيام، تم اعتقال الأستاذ وزُج به في القضية المعروفة ب”قضية الحجيرة”، كما تم اعتقال الشيخ محمد حبيب المقداد أيضا. حدَثُ الاعتقال – باعتباره مؤشرا مركزيا على بطلان رواية تراجع الأستاذ – وما شهدته القضية المذكورة من تشهير في إعلام النظام؛ لم يكن كل ذلك حاضرا في تقرير السفارة، كما أن المحتفين به لم يعتنوا بإنعاش الذاكرة قليلا لاكتشاف حقيقة ما كان يحدث على الأرض وقتها.

screen-shot-2016-11-22-at-20-33-27

ولكن، منْ الذي احتفى بخليفة سلمان آنذاك؟

بعد اعتقال الأستاذ مشيمع والشيخ المقداد، ظهر قياديون في جمعية (الوفاق) وهم يلتقون خليفة في مكتبه، وقيل – بحسب الصحافة – أنهم تحدثوا عن موضوع الاعتقال و”تباحثوا” معه بشأنه. وفي ذلك كفاية لمعرفة “المرامي” التي كانت تحرّك السفارة الأمريكية في ذلك الوقت، حيث كانت تلمّع من دور المنخرطين في مشروع آل خليفة، وتعمل – بكل السبل – من أجل الإخلال بالعمل السياسي والثقافي الذي كان يبذله تيار الممانعة لفضح هذا المشروع والتحذير منه، ولم يكن عمل السفارة مقتصرا فقط على التحريض ضد هذا الطرف، وتلميع ذلك التطرف، بل كانت أيضا تُعوِّل على إمكان أن ينجح مفعول الأكاذيب الكاملة، أو الأكاذيب المركبة التي تقوم على إخفاء نصف الحقيقة والتضليل على النصف الآخر. ولكن انقلب السحر على الساحر، وسرعان ما نهش التنين أولئك الذين جالسوه وتضاحكوا معه!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى