ما وراء الخبر

غصباً على عداك نرفع رايتك

رأي البحرين اليوم – خاص

عاشوراء حفر في ذاكرة البحرانيين منذ واقعة الطف وحتى اليوم، يحيون ذكراها كل عام مهما تعاقبت الدهور والأيام. لم يفلح الحكام الظالمون في طمس معالم الذكرى او في منع إحياءها، أمام تمسك البحرانيين بها حتى باتت جزءا أساسيا من هويتهم.

يخشى الظالمون هذه الذكرى لأنها تشحذ الهمم وتوقد جذوة الثورة والتضحية في طريق مقارعة الحكام الظالمين، ولذا فقد وضع هؤلاء نصب أعينهم القضاء عليها او تحريفها أو تحويلها إلى مجرد طقوس بلا روح أو التضييق عليها. آخر سلسلة في هؤلاء الحاكم هم آل خليفة الذين احتلوا البحرين قبل أكثر من قرنين، أذاقوا خلالها أهل البلد الأصليين شتى صنوف الظلم والاضطهاد والتضييق على الشعائر الدينية وخاصة مراسم عاشوراء.

ظهر حقدهم جليا في الخمسينات عندما استهدفوا المواكب موقعين عددا من الشهداء عندما شهدت البحرين حركة نضالية تدافع عن قضايا الأمة حينها، واتخذت من المواكب الحسينية وسيلة للتعبير عن رفض الظلم والعدوان. وفي التسعينات من القرن الماضي منعت السلطات المواكب وشنت هجمات متكررة عليها.

استمر نهج العداء الخليفي لعاشوراء وازداد ضراوة منذ اندلاع ثورة 14 فبراير 2011، حتى وصل إلى جريمة ستلاحق آل خليفة إلى يوم يبعثون وهي هدم عشرات المساجد والحسينيات في البحرين بآليات الجيش الخليفي وقوات الاحتلال السعودي والإماراتي.
ومع قرب حلول كل موسم يبدأ مسلسل التضييق على الحريات الدينية حيث تستأنف سلطات البحرين عادتها السنوية في التضييق عبر استدعاء خطباء ومنشدين واعتقالهم ومن ثم تجريم لعن يزيد او ذكره بما يستحق، فيما تشن قوات مرتزقتها حملة ممنهجة لنزع وتخريب المجسمات واللوحات الفنية والرايات الحسينية.

مشهد يتكرر كل عام ويتكرر معه تحدي البحرانيين للخليفيين وإصرارهم على إقامة مراسم ذكرى استشهاد الإمام الحسين، فيصاب الخليفيون باليأس والإحباط لكنهم لا يتعظون ممن سبقهم من حكام الجور الذي عادوا عاشوراء وضيقوا عليها لكنهم رحلوا ملعونين وبقيت عاشوراء خالدة.

وجد الخليفيون في جائحة كورونا هذا العام فرصة سانحة لمنع إقامة المراسم بأبهى صورها، وتذرعوا هذه المرة بخشيتهم على سلامة البحرانيين وهم أشد عداوة لهم، بل لو أتيح لهم المجال لأبادوهم عن بكرة أبيهم كما فعل يزيد في الحسين عليه السلام وأهل بيته. ففكروا وقدروا ثم فكروا وقدروا ولبئس ماقدروا! فأصدروا حكما بإقامة المراسم عن بعد ولوقت محدد وبعدد محدود من المشاركين يقتصر على إدارة المآتم وكوادرها الفنية!

حجة واهية، وخطة سخيفة، فمن ناحية فإن علماء البحرين وأهل البحرين كانوا ومنذ تفشي الوباء سباقين في اتخاذ الاجراءات الوقائية وقبل أن يفرضها النظام، وتداعى أبناء الشعب للتطوع في مواجهة هذا الوباء العالمي، وشهدت القرى والبلدات البحرانية تسابقا شعبيا في تعقيم الأماكن العامة وفي مساعدة الكوادر الطبية. وسارع الأطباء الذين اعتقلهم النظام سابقا وعذبهم لمد يد العون.

ومن ناحية أخرى فإن قرارات النظام الأخرى في رفع الحظر عن الكثير من الفعاليات والأنشطة الأخرى تثبت وبما لايدع مجالا للشك أن قرار منع مجالس العزاء لا تقف خلفه دوافع صحية بل دوافع انتقامية! فهل إن الأسواق التجارية والملاهي الليلية وصالات السباحة وغيرها محصنة من الفيروسات، والمآتم والمساجد مصدر لانتشارها؟ وما هي ضمانات عدم تفشي الفيروس في تلك التجمعات مع الإدعاء بخوف تفشيه في المآتم؟ بالرغم من أن أصحاب المآتم ممتثلين للإجراءات الصحية كما أوصى بها العلماء والمختصون.

يعلم الخليفيون بأن هذه الحجج واهية وأنها لن تقنع البحرانيين فلجؤوا إلى أساليبهم الخبيثة التي اعتادوا عليها ملقين بالكرة في ساحة دائرة الأوقاف الجعفرية، وكما فعلوا من قبل عندما تنصلوا من مسؤولية إجلاء البحرانيين العالقين في إيران، مدعين أن ذلك من اختصاص دائرة الأوقاف وليس وزارة الخارجية كما هو عليه الحال في جميع دول العالم! ومثلما ما فعلت دول خلجية اخرى. فكان قرارا الأوقاف التي تتلقى أوامرها من الخليفيين بالسماح بإقامة المراسم بهذا الشكل المحدود.

قرار وصفه آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم “حرب على الإمام الحسين عليه السلام“ فيما أعلن الشعب قراره وهو تحدي السلطات الخليفية وإقامة إحياء مراسم هذا العام في القرى والبلدات البحرانية، كما جرت عليه العادة منذ قرون، مع الأخذ بالضوابط الاحترازية وتحت شعار ”غصبن على عداك نرفع رايتك“ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى