ساهر عريبيمقالات

محاكمة الإستقلال!

ساهر عريبي - إعلامي - لندن
ساهر عريبي – إعلامي – لندن

البحرين اليوم-(خاص)

تحتفل كل دولة على وجه البسيطة سنويا, بيوم  تحرّرها من المحتلّين ونيلها استقلالها, ولايشذّ عن هذه القاعدة سوى المملكة المتحدة التي ليس لها يوم للإستقلال, لأنها لم تكن محتلّة في العصر الحديث, بل احتلّت أكثر من 50 بلدا في مختلف بقاع الأرض وبضمنها الولايات المتحدة التي تحتفل كل عام بعيد استقلالها عن بريطانيا في العام 1776.

إحدى تلك الدول التي احتلتها بريطانيا وحازت على استقلالها بعد رحيل القوات العسكرية البريطانية عنها, هي البحرين. فبعد بدء إنسحاب القوات البريطانية من شرق قناة السويس في اواخر الستينات من القرن الماضي, طالب شاه إيران الراحل بضم البحرين الى امبراطوريته, وسط مطالبات بإعلانها دولة مستقلة.

الأمم المتحدة حسمت النزاع عبر ارسالها لمبعوث الى البلاد لإستمزاج رأي سكانها. المبعوث الأممي خلص في تقريره الذي رفعه الى الهيئة الأممية إلى أن أكثر من 99% من البحرانيين يرفضون انضمام بلادهم الى إيران ويطالبون باعلانها دولة عربية مستقلّة. تم اعلان استقلال البلاد في أغسطس من العام 1971وتم انتخاب جمعية تأسيسية تولّت كتابة أول دستور للبلاد بعد استقلالها.

كان أحد أعضاء تلك الجمعية رجل الدين البحراني آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم, الذي خطّ بأنامله وبمشاركة أعضاء آخرين كتابة اول دستور للبلاد, سرعان ما انقلبت عائلة آل خليفة الحاكمة عليه في العام 1973 , عبر حلها لأول برلمان منتخب, وتحويلها الحكم في البلاد الى حكم عائلي تهيمن فيه عائلة آل خليفة على كافة مقدّرات البلاد.

وهنا لابدّ من الإشارة الى أن عائلة آل خليفة لا جذور لها في البحرين التي يعود معظم أبنائها الى قبيلة عبد القيس الذي يعود نسبه الى ربيعة  بن نزار بن معد بن عدنان. احتلت عائلة آل خليفة البحرين في العام 1783 بعد ان تركت موطنها في منطقة الزبارة بدولة قطر المجاورة. ومنذ احتلالها للبلاد وهي تسوم أهل البلد الأصليين ظلما وعدوانا. لم يكن بمقدور عائلة آل خليفة حكم البلاد التي شهدت وطوال تاريخها ثورات ضد العائلة الحاكمة, لولا الدعم الذي لقيته من الإستعمار البريطاني.

إذ وقّعت مع المملكة المتحدة  إتفاقية في القرن الثامن عشر تقضي بحماية بريطانيا لحكم العائلة, وحتى انتهاء مفعولها  بعد قرن من الزمان وقبيل حصول البلاد على استقلالها. وأما الإستقلال فلم تكن عائلة آل خليفة راغبة فيه, بل  اصبح امرا مفروضا مع إعلان بريطانيا أواخر الستينات سحب كافة قواتها العسكرية من المنطقة بعد ان أصبحت تكاليفها الإقتصادية عبئاً كبيرا عليها.

هذا الندم على الإستقلال ظهر جليّا على لسان “ملك” البحرين حمد الخليفة لدى إلقائه خطابا في بريطانيا في ديسمبر من العام 2012, إذ خاطب البريطانيين قائلا “من طلب منكم الرحيل”, كلمات أطلقها خلال احتفاله ب”العيد الوطني” الذي يتزامن مع ذكرى تنصيبه ملكا على البلاد في شهر ديسمبر, وليس تيمنا باستقلال البلاد في شهر أغسطس.

العائلة الحاكمة صبّت جام غضبها على كل من ساهم بحصول البحرين على استقلالها. طال غضبها شعب البحرين أولا الذي طالب بإقامة إمارة عربية مستقلة في البلاد ورفض انضمامها الى بلاد فارس. حكم الخليفيون البلاد بالحديد والنار بعد أن انقلبوا على الدستور, وواجهوا كافة إنتفاضات البحرانيين المطالبة بالعدالة والمساواة, بقمع بلاحدود, وكان آخرها إنتفاضة 14 فبراير 2011.

فرّط الخليفيون بسيادة البلاد وأرادوا ذبح استقلالها عبر إستقدامهم لستة جيوش أجنبية لاحتلال البلاد, وهي كل من الأسطول الخامس الأمريكي, والقوات الملكية البريطانية, وقوات الإحتلال السعودي, والقوات الإماراتية وقوة أمواج الخليج, فضلا عن قوات من الدرك الأردني ومرتزقة مستوردون من مختلف بقاع الأرض.

عشرات الشهداء وآلاف المعتقلين ومئات المشرّدين والمطاردين هي حصيلة الثورة, لكن كل ذلك لم يشف غليل الخليفيين. إذ بدأوا بالإنتقام ممن ساهم في استقلال البلاد ومنهم آية الله عيسى أحمد قاسم. هذا الرجل الذي يعتبر الأب الروحي للبحرانيين والبالغ من العمر 75 عاما, أسقطت السلطات جنسيته ثم قرّرت محاكمته يوم غد الأربعاء بتهمة جمع الحقوق الشرعية! في سابقة لم يفعلها أشد الحكام ظلما في المنطقة.

إن هذه المحاكمة ليست محاكمة للشيخ قاسم, بل هي محاكمة لاستقلال البلاد المدان من عائلة لا تعتمد في دوام ملكها على الشعب  الذي ترفض أن تحكم فيه بالعدل والإحسان, بل بالظلم والجور المدعوم من القوى الخارجية , وأمّا الإستقلال فهو بنظر هذه العائلة عقبة كأداء لابد من طي صفحتها وصفحة رموزها والى الأبد!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى