مقالاتنادر المتروك

حمارُ وزير الخارجية

نادر المتروك - كاتب صحفي
نادر المتروك – كاتب صحفي

دخل وزيرُ الخارجيّة، ذات طقْسٍ متقلّب، مطعماً في الكويت، وأنهى في سرعةٍ قياسيّةٍ وجبته المعهودة في الحجم والنّوع. بعد نحو دقيقة، التفت المرافقُ أنّ الوزير لم يكن مرتاحاً، كعادته، بعد انتهاء الطّعام. انتفخَ بطنُ الوزير أكثر من حجمه الطّبيعي. أحد المدعوين على مائدة الوزير؛ شعرَ بحرجٍ شديدٍ حينما لاحظَ أن طاولة الطّعام، عند المكان الذي يجلس فيه الوزير؛ ارتفع سنتيمتر واحداً. اكتشفَ، بالعين المجرّدة، أنّ انتفاخَ البطن دخلَ مرحلةً خطرة، إلا أنّ الحَرَج منعه من عرْض المساعدة. “أظنّ أنني أكلتُ حمارا!”؛ صرخَ الوزيرُ بصوتٍ سمعه المجاورون لطاولته.

قبل دخوله المطعم، قرأ الوزيرُ خبراً في الصّحفِ الكويتيّة يفيد بإغلاق مطعمٍ بسبب إطعامه الزّبائن لحمَ حمار. وقتها ضحكَ الوزيرُ حتّى أنّه تذكّر صديقاً نصَحه بألا يأكل وجبة “الچلو كباب” علناً، وألا يُخبر أحداً بأنّه كان يطلبُ “دلڤري” من مطعم إيراني معروف بالبحرين، ولكنه كان يتخفّى باسم أحد موظفيه من “الهولة”، وذلك لقطْع الطريق أمام المتصيّدين في الماء العكر. ردّ الوزيرُ على صاحبِ هذه النّصائح بقوله: “يا حمار! ما دخْل عملي الدّبلوماسيّ بحبّي، الفطري، للأكلات الإيرانيّة؟”. ولكن الوزير تذكّر فجأةً هذه النّصائح وصاحبَها بعد أن شعرَ بالانتفاخ المفاجيء. “هل انتقمَ مني وَلْد الحمار؟” سأل الوزيرُ نفسَه بصوتٍ مسموع. تدخّل المرافقُ سريعاً، ونُقِلَ الوزيرُ إلى مستشفى خاص. بعد الكشف، أكّد الطبيبُ أن طعام الوزير كان خالياً من لحم الحمار، وأنّ الانتفاخ “الإضافي” في بطنه كان إيحاءاً نفسيّاً بسبب قراءته لخبر ذلك اليوم.

في يونيو الماضي، وبعد وجبة الإفطار؛ انفعلَ الوزير بحضور موظفيه، وبدأ يُطلق شتائم ضدّ إيران. قال إنها “جمهوريّة الشّر”، وهي “لا تحيى إلا بنشر الإرهاب والكباب”. كان قد أفطرَ ذلك اليوم، منفرداً، بوجبةِ لحم الكباب، وبالحجم العائلي. ظنّ المسؤولُ على حسابه في “تويتر” بأن الوزير كان جادّاً في كلامه، فنشرَ تغريدةً تتّهم إيرانَ بنشر “الإرهاب والكباب”. ثوانٍ قليلة وتمّ حذف التغريدة، وطُردَ موظّف “تويتر الوزير”، وهو المسؤول نفسه عن شواء الكباب للوزير في الحفلات الخارجيّة، وهو ذاته الذي كان يُشجّع الوزير على الإكثار من الخلط بين الغنج والعنتريات في تويتر.

يمكن أن يستوعبَ المرءُ أن يكون وزير الخارجيّة مليئاً بالخفِّةِ والميْلِ لهزِّ الكلامِ وأردافه، فالرّجلُ لا يعمل شيئاً في الشّؤون الخارجيّة، وهو غيرُ مشغول في مكتبه بالاجتماعاتِ الهامة، وليس هناك جدول أعمال يستحقّ ذلك. كلّ الأمور تُدار من وزارةِ الخارجيّة السّعوديّة، كما أخبرنا الوزيرُ نفسه وهو “يرثي” سعود الفيصل. هَوَسُ الوزير بـ”تويتر” قرّبه أكثر من الشّابِ المدلّل في السعودية. يجد نفسَه قريباً إلى اللّهو الإلكتروني، ويرى في ذلك تعويضاً عن جملةٍ من مشاعر النّقص التي تنتابه دوماً، ليس أوّلها زيادة الوزن الذي يُخفيه بتعريض نفسه للسخريّة، وليس آخرها بأنه وزيرٌ بلا وزارة، وأنّ حقيبةَ الخارجيةِ التي يحملها تأتي مليئةً بالـ”Orders” من الرياض. أدْخلَ ذلك في نفسه شعوراً بالبلادَةِ والإتّباعِ الأعمى للأوامر. يتفذلك عن تقوى الله ورسْم الخرائط الكونيّة، ويظهر في ذلك كلّه وكأنه “مطْراش” يردّد ما يُملى عليه. إنه شعورٌ لا يظهر إلا في ملامح حمار آدميّ عريق. ولكن حين يكون المرء متبلّداً بالفطرة، فإنّ صفات الحمير تصبحُ لصيقةً لكل أقواله وأفعاله. بعد جهد طويل، يقرّ الوزير بأنه “غُلِب حمارُه”، كما يقول المصريّون، فكلّ محاولاته للجلوس على كرسي الوزارة باءت بالفشل، وهو يُخبر المقربين منه بنيته في ترك كرسي الوزارة، والبحث عن مكان آخر يناسب حجمه غير المقدَّر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى