ساهر عريبيمقالات

ناصر الرس.. الشاهد الشهيد

ساهر عريبي | لندن ما كان يعلم بأن زيارة إلى المنامة، عاصمة البحرين، ستحوله إلى شاهد وشهيد بعد بضعة أعوام. إنه الحقوقي ناصر الرس الذي يحمل الجنسية الكندية.
شاءت الأقدار أن يكون في فبراير من العام 2011 شاهدا على الوحشية والممارسات البربرية التي واجهت بها سلطات البحرين شعبا أعزل ملأ شوارع وطرقات أرض أوال، هاتفا برحيل عائلة تسلّطت عليه على حين غفلة من الزمن قبل أكثر من قرنين، لتسومه ظلما وقتلا تنكيلا.
شاهد الرس جموع البحرانيين متخذين من دوار اللؤلوة خيمة لهم، يتنفسون فيها عبيق الحرية، ويطلقون منها تلك الصرخات المطالبة بوضع حد للظلم والطغيان. تردّدت أصداء تلك الهتافات في أرجاء قصر حاكم البحرين، لكن آذان العالم صمّت عن سماع تلك الأصوات الهادرة، وعن سماع أزيز الرصاص الذي انطلق من فوهات المرتزقة المستوردين في البحرين لتحصد أرواح عشرات الأبرياء.
شاءت الأقدار أن يكون الرس شاهدا على تلك الجرائم التي غض البصر عنها  الإعلام العربي والدولي. وثّق بكامرته مشاهد من أطول الثورات في ربيع العرب. ولكن أنّى له أن يفعل ذلك في البحرين؟ إذ أن قتل المتظاهرين السلميين ليس جريمة في نظر النظام الحاكم، ولكن توثيق تلك الجرائم جريمة لا تغتفر!
ساقوه زبانية آل خليفة إلى المعتقلات التي أشبعوه فيها تعذيبا. لم يعيروا اهتماما لكونه مواطنا كنديا، لعلمهم بأنهم مدلّلون من القوى الكبرى، ولم تتحرك في نفوسهم أي مشاعر إنسانية حياله وهو الذي يعاني ومنذ صغره من علّة في القلب. بل عذّبوا ذاك القلب العليل حتى خارت قواه، ولم تعد فيه قدرة لضخ الدم في الشرايين إلا لسنوات معدوة، انقضت يوم الثلاثاء 20 سبتمبر 2016م.
قلب لم يتحمل فقط وحشية المرتزقة في معتقلات البحرين، والعديد منهم خريجوا مدرسة الرئيس المقبور صدام حسين؛ ولكن ذلك القلب الرقيق كان يتفطّر حزنا وهو يشاهد أرواح الأحرار  وهي تعرج إلى بارئها تحت مباضع الجلادين. كان شاهدا على رحيل الناشر عبدالكريم فخراوي تحت وطأة التعذيب.

شهادة من بعد شهادة أثارت حنق النظام الذي قرّر أن ينتقم من الرس؛ فيصدر عليه حكما بالسجن لمدة خمسة اعوام، لكنه كان في الواقع حكما بإعدامه.
الضغوط الكندية أجبرت السلطات المتعجرفة في البحرين على إطلاق سراحه في شهر يوليو من ذلك العام، ليغادر إلى كندا، حاملا معه آهات شعب يعاني الأمرّين في البحرين. لكنه عاد بقلب اشتدت علّته وضعفت قدرته، إلا انه ظل كبيرا مدافعا عن حقوق المظلومين، ولم تضعف همته عن طلب العلم: وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الجسام.
كان كبيرا بإنسانيته، وكبيرا بعلو همته، وكبيرا بدفاعه عن حقوق الإنسان المنتهكة في المنطقة من قبل أنظمة فاقدة للضمير وللإنسانية. لكن ساعة توقف ذلك القلب الكبير عن النبض أزفت، فعرجت روحه الطاهرة إلى بارئها لتلتحق بركب المظلومين من دعاة تحرير الإنسان من الظلم والعبودية، ولتترك في ذاكرة البحرانيين وفي ذاكرة الأحرار؛ أثرا لا ينسى.
فرحمك الله يا ناصر وتغمدك برحمته الواسعة.. فقد عشت حرّا وتوفاك الله حرّا مدافعا عمن امتهن عبيد العروش كراماتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى