ما وراء الخبر

‫”‬يسقط حمد”.. من شوارع البحرين إلى شارع داوننغ ستريت في لندن‬

البحرين اليوم – (متابعات)
لم يكن اعتراض النشطاء البحرانيين يوم أمس الأربعاء، ٢٦ أكتوبر، في لندن للحاكم الخليفي حمد عيسى الأول من نوعه، فمسلسل ملاحقات الخليفيين في الخارج غير قليل، ولكن ما حدث يوم أمس يبدو الأكثر تأثيرا على “معنويات” حمد ونظامه والموالين له، وذلك بالنظر إلى ردود الأفعال “الغاضبة” التي لم تتوقف منذ وقوع الحدث وحتى اليوم.

‫”‬الغضب العارم” أخذ شكل الشتائم والسباب للنشطاء إضافة إلى التهديدات الضمنية والمباشرة، ولم يجد نواب البرلمان الخليفي وأتباع النظام غير تكرار “التهم الممجوجة” بأن الاعتصام كان مدفوعا من إيران، والزعم بأن الأخيرة دفعت مبالغ للمحتجين الذين لاحقوا حمد داخل سيارته الليموزين وهي تتجه نحو مقر الحكومة البريطانية وفوقها تحلق الطائرات المروحية، وكأن الأجواء في شارع الحكومة في لندن لا يختلف كثيرا عن أجواء الشوارع الملتهبة داخل البلاد. ‬

العارفون يؤكدون أن الردود الغاضبة من الخليفيين والموالين لهم؛ عكست “حجم الاستياء” الذي ظهر على وجه حمد نفسه وهو يتلقى صفعة “سددها” أحد النشطاء وكانت ستطاله لولا زجاج السيارة، إلا أن وقعها كان ظاهرا عليه وهو يختبيء داخل الموكب وبين مجموعات “البلطجية” التي تم حشدها للترحيب به، إلا أنها فشلت في سحب الأضواء عن احتجاج النشطاء ولم تهتم وكالات الأنباء ب”البلطجية” وبشعاراتهم التي بدت هزيلة ومحل سخرية العابرين في الوقت الذي كانت هتافات “يسقط حمد” ونغمة الثورة (تن تن تتن) تصدح في الأجواء وتسيطر على الحدث الدرامي الذي شهده شارع داوننغ ستريت الشهير في لندن.

صنع النشطاء البحرانيون، إذن، الحدث الأهم في زيارة حمد لبريطانيا، وهم بذلك نجحوا في تمديد “الجسور” بين الثورة الجارية داخل البلاد والاحتجاج غير الهاديء الذي يلاحق الخليفيين في الخارج. وهي مهمة يعرف آل خليفة بأن نتائجها ستكون “مؤلمة” لهم وستُثبت أن محاولاتهم المستميتة للتعتيم والتضليل على ما يجري في البلاد “باءت بالفشل”، وأن الأصوات والشعارات التي تشتعل في البلدات ويخطها المواطنون على الجدران والشوارع باتت حاضرة في أهم شوارع لندن وعلى مقربة من مسامع الحاكم الذي يُشاهد اسمه كل يوم مكتوبا على شوارع البحرين وتدوس عليه وعلى صوره الأقدام والعربات.

ومع جولة سريعة على ردود أفعال الخليفيين على اعتصام النشطاء، يمكن رصد المواقف التالية:

‫-‬ وصْف النشطاء بأنهم “عملاء إيران”، وأنهم يمثلون “فئة قليلة”، “هاربة من العدالة”، وأن “أعمالهم الصبيانية تدل على إفلاسهم الكبير”، كما قال النائب في البرلمان الخليفي خالد الشاعر. وهي شتائم أخذت اتجاها طائفيا مع خالد الخليفة، الذي طعن بمذهب أهل البيت وأئمتهم على غرار ما فعل شقيقه، نائب الأمن العام الخليفي، خليفة الخليفة.‬

‫-‬ توجيه الشكر إلى مجموعة “الطلبة” في لندن من الموالين للنظام، الذين تجمعوا لاستقبال حمد رافعين صوره، واعتبارهم “أبناء البحرين المخلصين”، بحسب تعبير السفير الخليفي في لندن فواز الخليفة الذي كان له نصيب سابق من ملاحقات النشطاء.‬

‫-‬ الطلب من الحكومة البريطانية اتخاذ “كافة التدابير وبأقصى درجاتها لحماية ومنع (الخمّه) من التعدي على الوفود الرسمية”، كما قال نوار المطوع، العامل السابق في سفارة آل خليفة في القاهرة، والذي تورط بقضايا أخلاقية هناك وتم إرجاعه إلى البحرين ليعمل في “المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان” التابعة للنظام، وهو نجل وكيل وزارة التربية عبد الله المطوع، ويُعرَف عنه بأنه من “روّاد” مجالس آل خليفة واعتاد الارتباط بهم لنيل مناصب مرموقة رغم سوء مستواه التعليمي.‬

‫-‬ الاحتفاء الرسمي والإعلام الموالي بلقاء حمد مع رئيسة الوزراء تيريزا ماي، والافتخار بالصورة التي جمعتهما وهما يضحكان بشكل لافت، والقول بأن اعتصام النشطاء البحرانيين “فشل” في “عرقلة” موكب حمد والزيارة، كما قال سلمان الدوسري رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية الصادرة في لندن.‬

‫-‬ التهديد بالانتقام من النشطاء الذين اعترضوا موكب حمد، وتوسيع دائرة الانتقام لتطال عوائل النشطاء في البحرين، كما نشر الجلاد الخليفي المعروف خالد الخليفة على حسابه في الانستغرام. ‬

تكشف هذه المواقف عن جملة من النتائج التي يدعو معارضون لوضعها بعين الاعتبار في سياق تقييم الوضع الحالي للنظام الخليفي ومسار الثورة التي تقطع سنتها السادسة، ومن ذلك:

‫-‬ يعاني النظام من هشاشة متزايدة رغم الإجراءات والسياسية القمعية التي درج على تنفيذها طيلة السنوات الماضية، والتي وصلت مرحلة من التصعيد المتدرج في يونيو الماضي، وهو ما يؤكد المقاربة التي تؤمن بها القوى الثورية ومؤداها أن إمعان الخليفيين في القمع يعكس ضعفهم أمام الثورة، وأن لجوءهم إلى الخارج والاستقواء بقوات آل سعود وأنظمة الخليج هو انعكاس لهذا الضعف المستشري.‬

‫-‬ فعالية التكامل الثوري بين الداخل والخارج ونجاح ذلك في محاصرة النظام وتضييق الخناق عليه، وإحداث هزيمة نفسية تشل من قدرته على الاستمرار. وقد كان لشعار “يسقط حمد” المدوي في لندن مؤشره العميق على هذا التكامل “الموضوعي” الذي يؤكد لآل خليفة بأن مطلب إسقاطه هو واقع شعبي ثابت ولا يمكن التنازل عنه أو الراهن على تغييره.‬

‫-‬ إمكان “تفتيت” الدعم الخارجي للنظام الخليفي، وخاصة من البريطانيين، والذي يمثل الرافعة الأخيرة، أو الأقوى، للنظام والذي يمده بأسباب الاستمرار حتى اليوم رغم نجاح الثورة في تطويقه وانتزاع الشرعية عنه. وقد قدمت تحركات النشطاء في الخارج وملاحقتهم للخليفيين في العواصم الأوروبية؛ بدائل عملانية لمفهوم “التحالف الموازي” ضد النظام، في مقابل تحالفاته مع الداعمين الغربيين، ووفّر حراك النشطاء أكثر من أرضية لكشف حقيقة النظام أمام الرأي العام الغربي، وتعميق “الإشكالية الأخلاقية” في دعم الغرب له، إضافة إلى توسيع دائرة المؤيدين لشعب البحرين والمدافعين عنه.‬

‫-‬ لم يتغيّر جوهر النظام الخليفي باعتباره نظاما “إجراميا”، ومعادياً للسكان للأصليين، وينبي سلوكه العدائي على منهج الانتقام. وهذه حقيقة، رغم وضوحها، إلا أن هناك من يتغاضى عنها ليمرر، بين فترة وأخرى، مشاريع الاقتراب من النظام “والاستسلام” للأمر الواقع الذي يفرضه على الناس، وبموازاة الدعوات المشبوهة للمعارضة بتقييم حالها ومراجعة خطابها وسياستها، في الوقت الذي لم يُبد النظام أي عمل أو محاولة لتغيير تركيبته المشينة، بل زاد في سوئها وبشاعتها.‬

المشهد، في الخلاصة، هو أن هناك نجاحا شعبيا في داخل البلاد وخارجها يعزز من مصداقية أهداف الثورة وخياراتها، وأن الإعاقات التي تصدر من بعض السياسيين ومن المدافعين الأجانب عن النظام؛ ليست سببا في الشعور باليأس و”عدم الجدوى”، بل المطلوب هو احتضان هذا الأداء الثابت على الثورة، والالتفاف حوله، وتقليل “الأخطاء” السياسية التي تشوش على نتائج هذا الأداء، مع الاستفادة القصوى من روح الطلائع الشابة التي أوقدت الثورة، ولازالت تحمل شعلتها في شوارع البحرين، وفي شوارع العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى