ساهر عريبيمقالات

قاطعوا مجلس حقوق الإنسان!

ساهر العريبي – (إعلامي \ لندن)

تصوت الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة اليوم الجمعه 28 أكتوبر على الدول المرشّحة لشغل 14 مقعدا في مجلس حقوق الإنسان التابع للهيئة الدولية ومقره في مدينة جنيف السويسرية.

ويأتي هذا التصويت بعد انتهاء ولاية تلك الدول الأعضاء والممتدة لمدة ثلاث سنوات.  وتبلغ حصة قارة آسيا13  مقعدا في المجلس وقد انتهت ولاية اربعة منها ومن بينها السعودية التي تنتهي عضويتها هذا العالم.

ترشحت أربع دول لشغل تلك المقاعد المخصصة لقارة آسيا وهي كل من العراق واليابان والصين والسعودية. واللافت في الأمر أن السعودية لازالت مصرّة على البقاء عضوا في المجلس بالرغم من الدعوات التي أطلقتها العديد من المنظمات الحقوقية الدولية والداعية إلى تعليق عضويتها في المجلس ومنعها  من الترشح  لعضويته.

وفي هذا السياق اتهمت منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش في بيان مشترك لهما السعودية بارتكاب   “انتهاكات جسيمة وممنهجة لحقوق الإنسان” في الخارج والداخل، ورأت المنظمتان أن السعودية  استغلت موقعها في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة كي تمنع على نحو فعال تحقيق العدالة بشأن جرائم الحرب المحتملة التي ارتكبتها. ووجَّهت المنظمتان نداء مدوّياً إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لتعليق عضوية السعودية فيه.

غير أن السعودية التي تحظى بدعم من الدول الغربية لا تبدو آبهة لكل النداءات وهي ماضية في ترشحها لعضوية المجلس، ويبدو أنها في طريقها للإحتفاظ بمقعدها في المجلس لمدة ثلاث سنوات أخرى وخاصة بعد أن سحبت ماليزيا ترشحها في خطوة فسرها البعض أنها نجمت عن ضغوطات وإغراءات سعودية.

وهكذت تبدو الطريق معبّدة أمام السعودية لشغل مقعد في مجلس ينهض بمهمة تعزيز أوضاع حقوق الإنسان في العالم. ولعل هذا الواقع مثيرا للسخرية والأسى في آن واحد! فدولة مثل السعودية ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في داخل البلاد وخارجها؛ كيف يمكن لها أن تعزز حقوق الإنسان في الدول الأخرى؟ وكيف يمكنها مراقبة انتهاكات الحقوق في مختلف دول العالم؟ وكيف يمكن لها أن تثري مجلس حقوق الإنسان بالأفكار وبالممارسات التي تعزز من تلك الحقوق وتحد من الإنتهاكات؟

المجازر الوحشية التي ترتكبها في اليمن لم تعد خافية على أحد وكانت آخرها المجزرة التي ارتكبتها مؤخرا في صنعاء وأدت الى سقوط مئات الضحايا بين قتيل وجريح، كما ولا يخفى دورها في قمع الحراك الديمقراطي المنادي بالتغيير في البحرين، وبعد أن تدخلت عسكريا لصالح نظام آل خليفة الحاكم في البحرين.

أما في الداخل فإن انتهاكاتها لحقوق الإنسان بلغت حدا غير مسبوق سواء على صعيد الإعدامات الجماعية للمعارضين السياسيين، أو التضييق على مختلف الحريات وقمع المدافعين عن حقوق الإنسان، واضطهاد المرأة وانتهاك حقوق العمال المهاجرين، والقضاء على الآثار الثقافية والإسلامية وتضييق مساحة عمل المجتمع المدني وغير ذلك من الإنتهاكات التي وثّقتها المنظمات الحقوقية الدولية والمقرّرون الأمميون الخاصون.
هذه السجل الحقوقي السيء الذي يعتبر اليوم واحدا من أسوأ سجلات حقوق الإنسان في العالم، يجعل السعودية ليس غير مؤهلة لعضوية أهم مؤسسة دولية تعنى بتعزيز حقوق الإنسان، بل ويضع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية محاسبتها واتخاذ إجراءات دولية بحقها ومحاكمتها بتهمة ارتكاب جرائم حرب في اليمن.

لكن الضمير العالمي يبدو في غيبوبة بعد نجح سلاح البترودولار السعودي في تخديره، وإذا ما استفاق من غيبوبته -وكما فعل عندما أدرجت الأمم المتحدة على اللائحة السوداء لقتلة الأطفال في العالم – فإنه سرعان ما يعود لغيبوبته بعد أن يتلقى جرعة زائدة من البترودولار السعودي.

إن هذا التعاطي مع السعودية للدول التي تدعي الترويج للديمقراطية وتعزيز قيم حقوق الإنسان في العالم  يثبت بأن حقوق الإنسان ورقة ترفعها تلك الدول فقط في وجه الأنظمة التي تعارض سياساتها، وكما فعلت قبل أيام عندما انعقد مجلس حقوق الإنسان وصوت لصالح تشكيل لجنة للتحقيق في الأوضاع في مدينة حلب السورية، لكنه فشل مرّتين وطوال 19 شهرا في التصويت لصالح تشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق في جرائم الحرب في اليمن!!

وأما الأنظمة التي تحفظ مصالح الدول الكبرى فهي في منأى من المحاسبة مهما ارتكبت من جرائم، ولن يتم الإكتفاء بعدم محاسبتها وتوفير حصانة لها من الملاحقة، بل ويتم انتخابها عضوا في مجلس حقوق الإنسان رغم أنف المنظمات الحقوقية الدولية، ورغم أنف جميع الضحايا والمدافعين عنهم! وعلى هؤلاء أن يكتفوا بملامح القلق التي تظهر على وجه بان كي مون بين الفينة والأخرى.

وأمام هذا الواقع المأساوي فإن المنظمات الحقوقية مدعوة إلى مقاطعة اجتماعات مجلس حقوق الإنسان الدورية، فمثل هذا المجلس ليس سوى أداة لمكافأة وتلميع صورة الأنظمة القمعية وامتصاص غضب الضحايا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى